مراد القادري في «اعترافات تحت التعذيب»: نيني يستعيد خراطيشه الشعرية لغارات قادمة

افتتح بيت الشعر في المغرب سنته الثقافية الجديدة الأربعاء الماضي الثقافية بلقاء احتفائي لتقديم وتوقيع ديوان»اعترافات تحت التعذيب» للصحفي والشاعر رشيد نيني، الصادر عن البيت والذي ضمه الفضاء الثقافي لمقهى النهضة بالرباط، بحضور ثلة من الأصدقاء والأدباء والسينمائيين والمثقفين والقراء.
وفي مستهل هذا اللقاء، أحاط الشاعر ورئيس بيت الشعر في المغرب مراد القادري في كلمته التقديمية بملامح التجربة الشعرية التي خرج من رحمها هذا الديوان.
رئيس بيت الشعر اعتبر أن استضافة الشّاعر والصحفي رشيد نيني في بيت الشعر في المغرب تكتسي أهميّة خاصة أجملها في ثلاث نقط:
– أن هذه الاستضافة تأتي بمناسبة انطلاقة السنة الثقافية الجديدة، وهي لحظة يتطلّع البيت لأن «يتمّ توطينها ضمن النسيج الثقافي الوطني، بحيث تصير موعدا معروفا وثابتا تشارك في صُنع ديناميته مختلف الأطراف المعنية بالشأن الثقافي في بلدنا؛
– لكون الشاعر والصحفي رشيد نيني يُعتبر أحد أبرز أصوات الشعر المغربي منذ مطلع التسعينيّات من القرن المنصرم، علاوة على كونه شخصية عامّة، ووجها مألوفا لدى عموم المغاربة، صغيرهم وكبيرهم، يحظى عمودُه الصحفي «شوف تشوف» بمتابعة حاشدة من طرف عيّنات متباينة من القراء».
وأضاف القادري أن الشاعر نيني « هو ابنٌ أصيل للحركة الشعرية والأدبية المغربية، وكلّ الذين جايلوه يعرفون جيّدا كيف نحَت اسمه وحفره على الصّخر بأظافر لا تلين. ترقّى درجات النشر: من صفحة إبداعات الشباب بالجرائد الوطنية، مرورا بالملاحق الثقافية والمجلات المغربية والعربية..»
واعتبر رئيس بيت الشعر أن رشيد نيني» مثّل نموذجا مختلفا داخل جيلنا الشعري.فقد كان حريصا على استثمار الوقت، وذلك على خلاف بعضنا، حيث الفوضى كانت بالنسبة لنا هي النظام، وحيث العبث بالوقت وهدرُه كان شعارنا وعقيدتنا الراسخة. هو الذي اختار في لحظة ما الغربة في إسبانيا ليزاول عدة مهن ويواصل الحياة بعيدا هناك، إلى أن عاد محمّلا بكتابه الجميل «مذكرات مهاجر سري» الذي صدر في أكثر من طبعة، وعبر إلى عدة لغات»، مشيرا الى أنه «لم يأت إلى عالم الشهرة من الفراغ، بل طلع من عجينٍ وكيمياء عجيبة، امتُزجت فيه تجارب مختلفة ومتباينة: طفولة في حقول ابن سليمان، محبّة الشعر والشّغف بالقراءة، والاشتباك مع تجربة الشعراء الصعاليك، انشغاله قصيدة النثر، العمل الصحفي متعاونا بجريدة «العلم»، ثم مع اليوميتين اللندنيتين «القدس العربي» و «الحياة»، مرحلة الهجرة وامتهان عدد من الحرف بإسبانيا، نادلا ومزارعا، وصولا إلى «صداع الراس» الذي جلبته مهنة المتاعب والتي بسببها اختُبر في حريته، وقضى من عمره سنة في الحبس الانفرادي «.
وعن ظروف خروج هذا العمل الشعري، اعتبر القادري أن نيني الذي طوّف في عوالم الصحافة ونسي عشقه الأول: الشعر، لم يكن من اليسير، في بيت الشعر إقناعه بالعودة إلى الشّعر، «هذا الجنس الهشّ الذي اختاره نيني، منذ زمن» الغارة الشعرية» ليقدّم من خلاله وجهة نظره وموقفه من الكون والحياة، وليقترف به غاراته الأولى.. قبل أن نحصل على مسودّة الديوان الذي اختار له عنوان « اعترافات تحت التعذيب».
وأضاف القادري في كلمته أن نيني» تأبط باكرا، شعره وانخرط في الغارة الشعرية، التي كانت تطلق خراطيش هي عبارة عن بطائق شعرية يتمّ الاحتفاء فيها بالشعر في لحظة انتصاره للحلم والدهشة؛ كما أنه باكرا، استثمر سجلاته واستعاراته، كما وظّف روحَ الشعر وأخيلته وتشبيهاته لتكون في خدمة قضايا الناس والتعريف بحاجتهم إلى العدل والحرية والكرامة. وهو بذلك كان وفيا لتراث أجداده من الشعراء الصعاليك، ساعيا إلى تهيئة الفرصة للفقراء المهضومة حقوقهم ليشاركوا سائر أفراد مجتمعهم في حياة اجتماعية كريمة عن طريق إحداث نوع من المساواة».
وعن ندرة إصداراته الشعرية، لفت القادري إلى أن «الوقت لم يكن مُسعفا له ليُعليَ من أرصدة كتبه الشعرية،كما هو حال زملائه الذين انطلق معهم في فترة واحدة، أصحابه في الغارة الشعرية ياسين عدنان، هشام فهمي، سعد سرحان، طه عدنان ….. وآخرون من خارج جماعة الغارة الشعرية: عزيز أزغاي، عبد الدين حمروش، حسن الوزاني، محمود عبد الغني، جمال بودومة، جمال الموساوي، جلال الحكماوي، إدريس علوش…، لذا لم يصدر إلا ديوانين فقط هما: «قصائد فاشلة في الحب» (1999)، وديوانه الجديد الذي «اعترافات تحت التعذيب»، فيما إذا أردنا أن نحسب عدد الأعمدة الصحفية تلك التي كتبها على مرّ مساره الصحفي سنجد عشرات الآلاف.
وعزا القادري هذه الندرة إلى انصراف نيني إلى مجال آخر، يُغني فيه شِعريته، أي الكتابة الصحفية وخاصة العمود الصحفي الذي أسعفه انخراطه في مدارات الكتابة الشعرية « في أن يتناول كل المواضيع التي أثارها عموده «شوف تشوف» بلمسةٍ أدبية وبلغة شعرية. فالشاعر كما هو معلوم خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، وحاصل على ديبلوم الدراسات العليا، تخصّص الشعر الحديث، من جامعة محمد الخامس بالرباط، لذلك جاءت كتاباته الصحفية مُفعمة بماء الشعر ونضارته ورونقه. «
الديوان المحتفى به، كما سجل ذلك مراد القادري، «يستوقفنا عنوانه «اعترافات تحت التعذيب» والذي يتماهى مع عناوين أدب السّجون والمعتقلات، فنعتقد للوهلة الأولى أننا سنجد شعرنةً، أو سيرة شعرية للتجربة القاسية التي مرّ بها الشاعر خلال السنة التي قضاها بالسجن».
لكن هذه العنونة / الحيلة ، سرعان ما تتبدى مخاتلتها عندما يتفاجأ القارئ بهويّات أخرى، وتتضحَ له الملامح الحقيقية للمعتقل والسجّان. ف»المعتقَل ليس سوى المحبّ العاشق، فيما السجان ليس سوى المحبوب. وهو ما يجعل الاعترافات التي بين يدينا تصير اعترافاتٍ من نوع خاص، لا علاقة لها بالاعترافات التي تتمّ في دهاليز المحاكم وأمام الضابطة القضائية».


الكاتب : المحرر الثقافي

  

بتاريخ : 08/10/2024