مريرت تستقبل باحثين جامعيين لقراءة كتاب ..«السياسة الفرنسية بمنطقة آيت سكوكو»

احتضنت «دار الثقافة» بمريرت، إقليم خنيفرة، عشية الأحد 21 ماي 2023، يوما دراسيا عبارة عن قراءة علمية في كتاب «السياسة الفرنسية بمنطقة آيت سكوكو خلال فترة الحماية الفرنسية» لمؤلفه الباحث د. إدريس أقبوش، وحفل توقيعه، وسجلت هذه المحطة حضورا لافتا ونوعيا من الفاعلين ونشطاء المجتمع المدني، والمهتمين بالبحث التاريخي والشأن الثقافي، وممثلي المنابر الإعلامية، حيث جرى اللقاء بمشاركة ثلة من الباحثين الجامعيين، فيما تكلف ذ. محمد السهلي بإدارة وتسيير فقراته والطالب الباحث عبدالرحمان فلالي بتنسيق عناصره، قبل افتتاحه من طرف ذ. محمد زكري باسم المنظمين واختتامه بزيارة لفضاء الذاكرة التاريخية بمريرت.
اللقاء الذي اختيرت ذة. سعيدة باعلا كمقررة لأشغاله، خلص لمجموعة من التوصيات أهمها أساسا «دعوة الجهات المعنية لتجهيز وتأهيل «دار الثقافة آيت سكوكو»، في مريرت، بما يليق واحتضان الندوات العلمية والأيام الدراسية والأنشطة الثقافية»، مع «دعوة الجامعة المغربية للانفتاح على محيطها بتوجيه الطلبة للبحث في القضايا المحلية»، و»مناشدة المندوبية السامية لقدماء المقاومين من أجل انتاج فيلم سينمائي عن معركة تاقة إيشيعان الخالدة»، و»العمل على تخليد هذه المعركة في 18 أبريل من كل سنة»، و»إعطاء الفاعل الأمازيغي الكلمة والاعتماد عليه في كتابة التاريخ المحلي»، و»الاعتماد على مبدأ المناصفة في تنظيم اللقاءات العلمية واشراك العنصر النسوي فيها».
وقد تميزت أشغال الندوة بقراءات غنية في الكتاب المحتفى به من طرف الباحثين الجامعيين، وهم الأستاذ بكلية الآداب بمكناس، د. راشيد بنعمر، والأستاذ بكلية الآداب بمراكش، د. إلياس فتوح، ثم الأستاذ الباحث في التاريخ المعاصر والإطار بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، د. الحو عيبي، فضلا عن الباحث في سلك الدكتوراه بكلية الآداب بمكناس، ذ. نبيل أقداش، انطلق جميعهم من سياق حفل توقيع كتاب: «السياسة الفرنسية بمنطقة آيت سكوكو خلال فترة الحماية الفرنسية»، ومنوهين بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير التي تبادر لطبع ونشر أبحاث كانت إلى وقت قريب رهينة الرفوف.
كما تطرق الباحثون المشاركون في الندوة للدراسات المونوغرافية التي «أحيت الذاكرة في العقد الأخير حول المناطق الهامشية التي لعبت أدوارا كبيرة على المستويين التاريخي والسياسي»، و»ساهمت في توسيع وتعميق المعرفة التاريخية»، فيما لم يفت المشاركين التنويه بالباحثين الذين «أنجزوا بحوثهم حول المناطق التي ينتمون إليها، ولم تنل حظها من البحث التاريخي»، ومعتبرين عمل د. إدريس أقبوش «عملا غنيا بالدرس والتحليل لمنطقة آيت سكوكو، رغم شح المصادر والمراجع»، من حيث دوافع كاتبه «النابعة مما هو انتمائي للمجال ومن هوس البحث في تاريخ منطقته التي لم تتناولها الكتابات رغم أهميتها وموقعها وتاريخها».
وقد غاصت مداخلات المشاركين، من خلال فصول ومحاور الكتاب، في جغرافية المنطقة وأحداثها وأعرافها وحياتها الاجتماعية ومعاركها ومقاوميها، وفي محاولات المستعمر لتطويع قبائلها، مع الإشارة لاعتماد مؤلف الكتاب على القصائد الشعرية والمرويات الشفاهية، وعلى ما خلفته السلطات الاستعمارية من معطيات وكتابات ووثائق، كما لم يفت ذات المشاركين التوقف عند ما تناوله كتاب د. إدريس أقبوش حول أشكال التكافل الاجتماعي والتعاون الاقتصادي لآيت سكوكو إبان فترة الحماية وما قبلها، مثل التويزة والوزيعة ونظام التخزين، وكذا النشاط الاقتصادي والفلاحي الذي تحكمت فيه سلطات الاستعمار، وقضايا الثابت والمتحول بقبائل زيان وآيت سكوكو.
وفي ذات السياق، توزعت مداخلات الباحثين المشاركين أيضا حول ما ورد ضمن الكتاب عن المحددات البشرية والحياة الاجتماعية والدينية والإدارية بآيت اسكوكو، وعن أساليب السلطات الفرنسية لتثبيت أقدامها بالمنطقة ومحاصرتها للأهالي وتدبيرها للمجال، فضلا عما تمكن الكاتب من جمعه بخصوص معارك تاقة إيشيعان وعوام والحمام ومريرت، وما تكبدته القوات الإستعمارية فيها، وذلك بنوع من الدقة البحثية إلى حد «تناوله قصة امرأة سقطت بيد المستعمر»، و»إمكانات المقاومة المسلحة بآيت سكوكو»، و»مدى تفاعل المنطقة مع الأحداث السياسية بالمغرب»، علاوة على محاولات الكاتب لجمع ما يمكن من نماذج زعماء المقاومة بالمنطقة.
وعلى هامش مداخلات المشاركين في الندوة العلمية، تم فتح باب المناقشة في وجه الحضور الذين توزعت مداخلاتهم بين مجموعة من التصورات والمقترحات والإضافات والانتقادات، وكذا بعض الملاحظات التي من أهمها «عدم ذكر الكتاب لأسماء النساء المقاومات»، و»إغفاله لما يتعلق ببعض الحدود وأراضي الجموع للمنطقة»، بينما حضرت عدة تساؤلات حول «مدى تأبط المصادر الفرنسية لحقيقة ما جرى بالمنطقة خلال فترة الحماية؟»، و»علاقة جغرافية زيان بقبائل آيت سكوكو؟»، و»دور الجامعة المغربية في ما يتعلق بالبحث التاريخي؟»، وما «يحمله الشعر الأمازيغي من ذاكرة توثيقية للتاريخ المحلي؟»، فيما انتقد الكثيرون نسيان معركة تاقة إيقشعان.
وبينما عبر آخرون عن موقفهم مما تضمنه الكتاب المحتفى به، اعتبره آخرون «عملا محركا للهواجس البحثية»، و»مصباحا في ظلمة التهميش»، و»فاتحا لآفاق البحث والنقاش في التاريخ المحلي»، و»مغامرة تمكنت من هزم صعوبات البحث وشح المصادر»، فيما تقدمت إحدى الفاعلات في المجال الحقوقي بنقطة نظام ناشدت من خلالها الجميع ل «تكسير العقلية الذكورية بعدم تهميش العنصر النسوي في البحوث التاريخية وإشراكه في الندوات واللقاءات الدراسية»، بينما حرص آخر على «المطالبة بالانفتاح أكثر على ما يهم التعريف بقضايا المنطقة تاريخيا وطبيعيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا».
ومن جهته، لم يفت د. إدريس أقبوش اعتبار الملاحظات والانتقادات «فرصة لقيام أي باحث بتجويد أعماله مستقبلا»، و»أن البحث في التاريخ المحلي هو اختيار قبل أن يكون فرضا»، و»أن بحثه المحدد في فترة زمنية معينة يعتبر مساهمة في إعادة إحياء التاريخ»، مبرزا «مدى المجهود التي بذله للكشف عما يهم من المعطيات والوثائق التي سلمت من الاندثار»، وكان قد استهل مداخلته ب «أنه كان لزاما عليه النبش في الجذور التاريخية لمنطقته التي عاشها بكل حواسه وجوارحه»، كما «كان عليه كباحث أن يساهم بإمكانياته المتاحة في ذلك نظرا لما عانته هذه المنطقة من تهميش على مستوى التوثيق والاهتمام التاريخي».
ويشار إلى أن كتاب «السياسة الفرنسية بمنطقة آيت سكوكو خلال فترة الحماية الفرنسية» لمؤلفه الباحث د. إدريس أقبوش، يقع في أكثر من 180 صفحة، وهو من منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، قام بتصدير له د. لحسن أوري في كلمة وصف فيها الكتاب ب «العمل الذي انتبه لمجتمع قبلي لم ينل حظه من البحث التاريخي رغم اسهاماته في الفعل التاريخي»، وكذا ب «العمل الجاد الذي سيؤسس لامحالة لنواة بحثية صلبة، ستعطي مستقبلا دفعة كبيرة لتاريخ مريرت وباديتها، ولبقية المونوغرافيات التي لم تنل حظها من البحث في مجال الأطلس المتوسط بمختلف قبائله وتجمعاته الحضرية الصغيرة والكبيرة».


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 27/05/2023