مريم أحدادوش وزوجها الفلسطيني حسام زعلان يرويان للاتحاد الاشتراكي مآسي المغاربة وأزواجهم في غزة يناشدان جلالة الملك إنقاذ العائلات المنفصلة بسبب الحرب

مريم أحدادوش: أعيش في المغرب بجسد منهك، بينما
قلبي وعقلي لا يزالان عالقين في غزة
الدكتور حسام زعلان من غزة: أطفالي في أمس الحاجة إلي…
وأنا عالق بعيدا عنهم

 

بين المغرب وغزة، تتوزع معاناة عائلة واحدة، تشبه عشرات العائلات التي مزقتها الحرب وأغلقت في وجوهها أبواب المعابر. مريم أحدادوش، الزوجة المغربية التي وجدت نفسها مضطرة لمغادرة القطاع رفقة أطفالها الأربعة بعد أن انهار البيت فوق أحلامهم، تحمل في قلبها وجع الانفصال عن شريك حياتها.
وعلى الطرف الآخر من الحصار، يظل الدكتور حسام زعلان، الأستاذ الجامعي الفلسطيني الذي قضى ربع قرن في قاعات التدريس، عالقا في غزة، محروما من مرافقة أسرته، يواجه قسوة الدمار ووحشة الفقد، بينما يترقب أبناؤه لقاء مؤجلا يتضاعف ألمه مع احتياجات الابن الأصغر الذي يعاني من متلازمة داون.
من داخل هذه المأساة الإنسانية، يرفع الزوجان صوتهما عبر جريدة الاتحاد الاشتراكي، مناشدين جلالة الملك محمد السادس ووزارة الخارجية التدخل العاجل لحل قضية الأزواج المنفصلين قسرا عن عائلاتهم، ولمّ شملهم في أقرب وقت، وكذلك إنقاذ المغاربة العالقين هناك.
بين شهادة مريم وصرخة حسام، يتجلى البعد الإنساني الأعمق لحرب لم ترحم أحدا، وجعلت العائلة تتجرع مرارة المعاناة النفسية في انتظار الفرج، وانبلاج صبح الحرية والانعتاق الذي يتمنونه أن يكون قريبا.

 

وجدت مريم أحدادوش، المغربية الأمازيغية القادمة من عمق الأطلس، نفسها فجأة بين مطرقة الحرب في غزة وسندان الغربة في المغرب.
هي زوجة وأم لأربعة أبناء، وكانت أستاذة لغة فرنسية بجامعة الأقصى قبل أن تتفرغ لتربية أبنائها.
كانت تعيش حياة مستقرة رفقة زوجها الدكتور حسام زعلان في منزل جديد بالزوايدة وسط القطاع، إلى أن جاءت الحرب فقلبت الموازين.
تحكي مريم بمرارة للجريدة أن السفارة المغربية تواصلت معها بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب، لتجد في صوت القنصل بصيص أمل حين أكد لها أن الخروج ممكن وأن زوجها سيلتحق بها.
حملت أبناءها الأربعة واتجهت إلى معبر رفح، لكنها اصطدمت بقرار جديد: “الأزواج الأجانب ممنوعون من المغادرة”. نامت العائلة عند بوابة المعبر بين أصوات القلق والرصاص البعيد. تقول مريم: “خاطبني رجال من المخابرات المصرية: “عليك أن تخرجي مع أولادك وحدك طبقا للتعليمات الصادرة من البلد المعني”. حتى القنصل المغربي توسل إلي أن أقبل، واعدا بعودة الزوج بعد أسبوعين. لكنني رفضت وعدت إلى غزة”.
بعد عشرة أيام فقط، كانت البيوت تنهار على ساكنيها. تضيف مريم: “دخل الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة التي نسكنها. أمطر عناصره المكان الذي نعيش فيه بالقنابل والرصاص والقنابل الفسفورية، وهشموا النوافذ، وأصيبت البنايات بأضرار جسيمة. اضطررنا أمام التهديد والأمر الواقع إلى مغادرة منازلنا، تاركين كل شيء إلا بعض الوثائق والأغراض البسيطة”.
لم تمر سوى أيام حتى بلغها الخبر الصاعق: “فعلها الجيش الإسرائيلي ودمر المنازل تدميرا كاملا، بما في ذلك منزلنا الذي سوي بالأرض. كانت فيلا شيدناها بعرق جبيننا وعلى ذوقنا، لكن كان للجنود الإسرائيليين رأي آخر”.
وتشرح مريم: “نزحنا إلى خان يونس لدى إحدى صديقاتي المغربيات بعد أن أغلقت كل الأبواب في وجوهنا. هناك استضافتنا، وهو شيء سيظل محفورا في ذاكرتي. لم نكن نحمل أمتعة أو أغطية، واضطررنا أن نقتسم نحن الستة بطانيتين فقط، في طقس بارد جداً”. بعد ذلك، تضيف: “نزحنا إلى إحدى البوادي بخان يونس. وتخيلوا حجم المعاناة في البحث عن لقمة العيش أو عن الأمان، زيادة على ما يتطلبه طفلي من ذوي الاحتياجات الخاصة. أم تبحث عن حفاضات لطفلها فلا تجدها، رغم أن سعرها فاق 400 درهم”.
كان ذلك أقسى ما مر عليها، وهي تستعيد ذكرى الليالي الباردة والأطفال المرتجفين.
لكن القدر فتح ثغرة صغيرة. تحرك القنصل المغربي من جديد، ونظم خروج المغاربة عبر المعبر في دفعات.
وصلت مريم مع أطفالها إلى معبر رفح. وتوسلت وبكت وشرحت من أجل السماح لزوجها الأستاذ الجامعي بمرافقتهم، “لكن القرار كان حاسماً، قيل لها، يسمح بالمغادرة لمن يحمل جوازا مغربيا فقط”.
انهارت كل الأحلام التي راودتها وهي تتلقى دعوة المسؤولين المغاربة لمغادرة أرض المعركة والإبادة، لكن حين وصلت، كان الرفض مرة أخرى. في هذا الموقف، كان لا بد من الحسم، وكان الدافع هو طفلي المريض، لقد جعلتني المخابرات المصرية والقنصل المغربي وزوجي نفسه أستجيب لأغادر من أجل ابني.
وتضيف مريم احدادوش، لقد كان بحوزتنا حقيبتان تحملان على الظهر، واحدة بها جوازات السفر، والأخرى بعض الكتب المدرسية، بعد العبور، اضطررت مرغمة لأداء ثمن حافلة كاملة لنتمكن من الوصول إلى القاهرة. أقمنا هناك أربعة أيام عند صديقة، قبل أن نستقل الطائرة إلى الدار البيضاء، لم نحمل معنا سوى الحزن والقلق.
استقرت مريم احدادوش في بيت والديها القديم، حيث تزيد المشاكل العائلية من مرارة الغياب.
أدخلت أبناءها المدارس الحكومية، واصطدموا بحاجز اللغة الفرنسية. تقول مريم، لقد وجدت نفسي أواجه معاناة يومية أخرى، بالإضافة إلى غياب زوجي الذي يعيش ظروفا مأساوية.
ابنها الأصغر من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول مريم، لقد طلبوا مني مبلغا تعجيزيا قدره 3000 درهم شهريا لكي يلتحق بإحدى المؤسسات.
العودة إلى المغرب لم تكن خلاصا، إذ وجدت نفسها وحيدة تواجه غلاء المعيشة، وصعوبات إدماج أبنائها في المدارس، خاصة مع حاجز اللغة الفرنسية، وغياب أي دعم رسمي لابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، “خاصة وأن الأموال التي جئت بها نفدت في الأشهر الأولى. أعيش في بيت والديّ القديم، بلا استقرار ولا مورد.” تقول مريم احدادوش.
أما عن تواصلها مع زوجها في غزة، فتصفه بالمؤلم، تقول، أحيانا ينقطع الإنترنت لأسبوع كامل. آخر مكالمة فيديو ندمت عليها، فقد وجدت حسام وقد فقد 25 كيلوغراما، بدا كهلا فوق السبعين وهو لم يتجاوز الخمسين، وتضيف، نحن لا نطلب المستحيل، هناك دول أجنبية سمحت بخروج الأزواج عبر الصليب الأحمر. نريد فقط لم شمل أسرنا.
وتوضح مريم احدادوش، “منذ عام ونصف وأنا أطرق كل الأبواب، وزارة الخارجية، البرلمان، الجمعيات. أعيش في المغرب بجسد منهك، بينما قلبي وعقلي لا يزالان عالقين في غزة.”
هكذا تستمر حكاية مريم بين وطنين، مغربية على أرض المغرب، وزوجة وأم معلقة على أمل عودة زوجها من تحت الرماد.
وفي كل مساء، وهي تتابع قنوات الأخبار التي تغص بالصور العاجلة من غزة، لا تملك سوى ترديد جملة واحدة، ننتظر فرجا من عند الله.
هنا في المغرب تبدأ معركة أخرى، ومعاناة جديدة تنضاف إلى ما راكمته في قطاع غزة، وهي المعاناة التي يعيشها زوجها يوميا وفي كل لحظة. وتناشد جلالة الملك محمد السادس، تقول، لوضع حد لمعاناتنا ومعاناة العديد من المغربيات المتزوجات بفلسطينيين، وكل المغاربة العالقين هناك.
أما الدكتور حسام زعلان، فبقي في غزة. رجل أكاديمي محاصر بين الركام والحدود المغلقة، يكشف بحرقة في حديثه لجريدة الاتحاد الاشتراكي، تفاصيل المعاناة المتواصلة.
يقول الدكتور الفلسطيني حسام زعلان، الأستاذ الجامعي البالغ من العمر 50 عاما، والذي يمارس التدريس منذ 25 سنة، عن المعاناة الإنسانية التي يعيشها منذ بداية الحرب في قطاع غزة، وعن الانفصال القسري عن زوجته المغربية وأولاده: “أنا متزوج من مغربية منذ 20 عاما، ولدي أربعة أطفال، ثلاثة أولاد وبنت. الابن الأكبر الآن في السنة الثانية بكالوريا، والثاني في الصف الثالث الإعدادي، والبنت في الصف السادس الابتدائي. أما ابني الصغير فهو طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، يعاني من متلازمة داون ويحتاج إلى رعاية ومتابعة يومية.
ويضيف، مستذكرا بداية الأزمة، لقد غادرت زوجتي وأولادي غزة في بداية الحرب في يناير 2024، بعد أن فقدنا بيتنا الذي تدمر بالكامل وأصبحنا بلا مأوى. حينها حاولت مرافقتهم، لكن المندوب أو القنصل المغربي على معبر رفح رفض السماح لي بالعبور لمرافقة العائلة، بحجة عدم وجود تعليمات بمرافقة الأزواج غير المغاربة.
ويتابع، رغم صعوبة هذا القرار، اضطررنا إلى الانفصال. غادرت عائلتي إلى المغرب بدوني، لعدم توفر مأوى لي هنا في غزة. لم ندرك حينها أن هذا الانفصال سيكون له آثار نفسية سلبية كبيرة جدا على الأسرة.
يوجه الدكتور زعلان نداء عاجلا إلى جلالة الملك ووزارة الخارجية للتدخل وحل قضية العالقين من الأزواج المنفصلين عن عائلاتهم، لما لذلك من معاناة نفسية كبيرة على الأطفال.
أطفالي، يقول، في أمس الحاجة إلي في هذه الفترة الحرجة، وخاصة ابني الصغير الذي يعتمد عليّ بشكل كبير ويحتاج إلى دعم ورعاية مستمرة.
ويكشف الدكتور زعلان عن جهود بعض الأسر، قائلاً: “أعرف حوالي عشر عائلات من الأزواج ما زالوا عالقين في غزة، بالإضافة إلى ست عائلات استطاعت الانتقال إلى مصر بعد دفع مبالغ مالية لتنسيق عبورهم. الأزواج الموجودون في المغرب قاموا بالعديد من المناشدات للتدخل وحل قضيتنا، لكن حتى الآن لم نتلق أي رد رسمي. السفارة المغربية تكتفي بنقل الملفات للجهات المعنية، وهي مجرد جهة لنقل المعلومات وليست المخولة باتخاذ القرارات”.
ويصف الدكتور زعلان ظروف حياته اليومية في غزة: “أنا لا أملك إلا ساعتين يوميا من الكهرباء والإنترنت. الوضع في مدينة غزة صعب جدا مع طوق كبير وتضييق فظيع. أرجو من الجميع تفهم صعوبة التواصل في هذه الظروف، وأعتذر عن أي تقصير في هذا الجانب”.
ويأمل الدكتور زعلان أن تتدخل الجهات المعنية في المملكة المغربية عبر الصليب الأحمر لتسهيل إجلاء المغاربة ومرافقيهم من الأزواج من معبر كرم أبو سالم إلى الأردن، ومنها إلى المغرب، ليمكننا، يقول، من لم شمل الأسرة وتخفيف المعاناة النفسية الكبيرة التي نعيشها.

 

 

 


الكاتب : أجرى الحوار: جلال كندالي

  

بتاريخ : 10/09/2025