مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 12 الصدق

لعل الكتابة عن سيرة فنانة ذات ريادة زمنية وريادة فنية،اختلف الناس في أمرها، لشخصها وشخصيتها وإنجازاتها التي ذاع صيتها في الآفاق، حتى أصبحت المعارض العامة الدولية تخطب ودها وتتمنى أن تحتضن لوحاتها العجيبة ، تقتضي اعتماد مصادر ومراجع وطنية أو دولية موثوق بها، غير أنه، للأمانة، لا نتوفر سوى على مصدر واحد ووحيد غير مستقل وغير محايد، ألا وهو ابنها الفنان الحسين طلال، الذي لا يقدم إلا ما يلوكه مرارا وتكرارا عن سيرة الشعيبية لوسائل الإعلام أو بعض الباحثين، من غير إضافات مميزة أو إضاءات مثيرة تسعف في الوقوف على هويتها، منجزها التشكيلي وخصوصياتها الجمالية وإسهاماتها في الحركة التشكيلية العالمية.
سنحاول في هاته الحلقات تسليط الضوء-قدر الإمكان- على مسار الشعيبية الذاكرة الفردية، الذاكرة الجمعية ترحما عليها، واعترافا بأياديها البيضاء في سبيل جعل راية المغرب خفاقة في المحافل العالمية، وإسهاماتها في إثراء المكتبة الفنية الوطنية والدولية.

 

عرضت الشعيبية لوحاتِها الفنيةَ أول الأمر، أي سنة 1966بمعهد غوته الألماني بتشجيع من الفنان الرسام فيرنر كيردت، فبيعت جميعها.وبعد وفاتها انكب كثير من جمهورها على أعمالها حتى ارتفعت سومتها عاليا، ومن تلك نذكر على سبيل المثال لوحة “اشتوكة قريتي”، ولوحة “حفلة زفاف” اللتين بيعت كل واحدة منهما بما قدره مليون ونصف المليون درهم! قالعبد لله الحريري: “كانت الشعيبية بحال السبع كاتبيع كل لوحاتها، وكانبقاو حنا نتفرجو”.
لكن السؤال الذي يُطرح، هو: لماذا أعمال الشعيبية تستقطب الناسَ على اختلاف مداركهم الفنية، ومشاربهم الثقافية..مع العلم أن بالساحة الفنية أعمالا أكثر قوةً وسحرا وإبداعاً وحضوراً؟
والرأي عندي، لأن الشعيبية تتميز بمايلي:
الصدق الفني
لاشك – يقول أندري الباز – أن الصدق هو مفتاح الإبداع وجوهره العام. والشعيبية تجلي شخصيتها وتعكس بصدق واقعها وواقع طفولتها بوجه أخص الذي لم تستطع الفكاك منه حتى بعد الكِبر. لقد خلقت الشعيبية عالما خاصا بها من شخوص وألوان صريحة ولامعة، يحدوها الصدق الفني ..
بساطة
تستمد الشعيبية- يقول الفنان والناقد الفني الحيسن ابراهيم- مواضيعها ببساطة كبيرة من الطبيعة والأرض ومعالم البيئة الحية وذكريات الطفولة، ويردف أحمد بليلي-أنها ترسم ببساطة مسقط رأسها من غير تنميق أو تعقيد أو تكلف أو تصنع.
تلقائية وعفوية طفولية
تتمتع الشعيبية – تقول بنحيلة الركراكية- بتلقائية في منجزها التعبيري وعفوية طفولية ملحوظة.ويؤكد عبد الرحمان رحول أن رسمها قوي عفوي مثل شخصيتها.ويوضح ادريس الخوري أنها تعبر عن الثراء الفني وتستثير مكونات الذاكرة الشعبية المغربية والمعيش اليومي بكل عفوية طفولية.ويشير محمد سعود
إلى أن أعمالها عفوية وتلقائية، تنهل من معين أصيل زاخر بالثقافة التراثية.
خيال خصب
تتميز الشعيبية – يقول أحمد جاريد- بخيال دفاق وخلاق، وميلها للطفولة جعلها تتخذ الرسم مثل لعبة، فالوجوه الفرحة أو الحزينة التي تملأ لوحاتها، وإن كنا لا نعرف من هم أصحابها، فإن الشعيبية تعرف جيدا من هم
بصمة خاصة
لاتقتصر الشعيبية – يقول الباحث عبد الناصر الكواي- على الرسم – وإنما تحكي في كل لوحة قصة عالَم مستوحى من واقعها المعيش، أعادت تشكيلها بأسلوبها الخاص”. ويقول الحبيب المسفر إن الشعيبية ليست بحاجة لتوقيع أعمالها، فبصمتها لاتُقلد.
أصالة
تُعرف الشعيبية-يقول عيسى ايكن- في الوسط الفني بقوة الخلق بفضل أصالة أعمالها وقدرتها الجمالية.
عمل تلقائي خام
يمكِّن العمل التلقائي الخام الشعيبية –يقول عبد اللطيف الزين-من اكتساب قيمة شعبية وخصوصية إبداعية أصيلة وبصمة خاصة في التعامل مع الألوان والخامات والخط والمساحة اللونية والتداوير في شكل هائج تارة وفي شكل متضافر وهادئ تارة أخرى.
الألوان
تمتاز الشعيبية يقول الفنان والناقد الفني بنيونس عميروش-ببصمة خاصة في التعامل مع الألوان والخامات… إنها تصر على أن تبقى الألوان في طبيعتها الصافية ودلالاتها العارية الشفافة، تدليلا على ترتيب الحس الفطري وولادة العالم… كما أن الشعيبية تمتلك –يضيف- أعمالا لها خصوصية تعبيرية تجريدية..
وتظل ألوان الشعيبية المعتمدة – يقول محمد برادة- متوهجة تسحر الروح بالروعة الخالصة لتناسقها وصراحتها، ولحسن توزيعها توزيعا ينم عن كفاءة ومهارة فنيتين. ويقول عبد الكبير ربيع، إن الشعيبية فنانة ذات حس مرهف ووعي تام بما ترسم. كررت ألف مرة أنها ملونة، تقول الشعيبية “أنا أكرر ولكن هذا مهم، مثل رسوماتي وألواني فأنا ملونة في الأصل، ألواني ترمز للحياة والطبيعة”.
موهبة فذة
تتوفر الشعيبية – يقول عمر بوركبة- على قدرة عجيبة على الرسم والتشكيل. يبدو لأول وهلة أن عملها قابل للمحاكاة، لكن هيهات.إنها فعلا موهبة ربانية وفلتة من فلتات الزمن.
تتنفس الشعيبية من خلال الرسم والتشكيل، تحيا، تعيش..تعبر عما يعتمل داخل نفسيتها. ولأن الإبداع يولد من رحم المعاناة، فقد شكل هذا الشعور بالنسبة للشعيبية حافزا للخلق والإبداع، وطاقة لاَزِمة للتغيير، بل ومضاهاة فطاحلة الفن التشكيلي بأرجاء المعمور. لقد “تأخرت الشعيبية -يقول الدكتور حسن البحراوي- إلى ما بعد سن الأربعين.. وإن ما خسرته في التأخر الزمني ربحته في قوة البصمة وبراءة الإبداع، حيث تبرز في لوحاتها تلك الوجوه المستلة من بين الخرائب ولكن الزاهية الألوان المبتسمة في بلاهة أو المقطبة في وجوم، وحيث صفاء الألوان يذكر بوحدانية طفولية لا يمكن مغادرتها”.


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 22/05/2020