مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 6- ارتحال المعيل.. وازدياد مولود

لعل الكتابة عن سيرة فنانة ذات ريادة زمنية وريادة فنية،اختلف الناس في أمرها، لشخصها وشخصيتها وإنجازاتها التي ذاع صيتها في الآفاق، حتى أصبحت المعارض العامة الدولية تخطب ودها وتتمنى أن تحتضن لوحاتها العجيبة ، تقتضي اعتماد مصادر ومراجع وطنية أو دولية موثوق بها، غير أنه، للأمانة، لا نتوفر سوى على مصدر واحد ووحيد غير مستقل وغير محايد، ألا وهو ابنها الفنان الحسين طلال، الذي لا يقدم إلا ما يلوكه مرارا وتكرارا عن سيرة الشعيبية لوسائل الإعلام أو بعض الباحثين، من غير إضافات مميزة أو إضاءات مثيرة تسعف في الوقوف على هويتها، منجزها التشكيلي وخصوصياتها الجمالية وإسهاماتها في الحركة التشكيلية العالمية.
سنحاول في هاته الحلقات تسليط الضوء-قدر الإمكان- على مسار الشعيبية الذاكرة الفردية، الذاكرة الجمعية ترحما عليها، واعترافا بأياديها البيضاء في سبيل جعل راية المغرب خفاقة في المحافل العالمية، وإسهاماتها في إثراء المكتبة الفنية الوطنية والدولية.

 

غادرالزوج البيت، ثم عاد وهو يحمل قفة بها “فروج” حيّ، وخضر طازجة، وفواكه طرية وحلويات. كان الزوج في غاية السرور والسعادة، فقد منّ الله عليه أخيرا بولد، وكان قد تزوج من ست زيجات لكن لم تلدن ذكرا، ما اضطره إلى الزواج من الشعيبية.
يسمي للهُ المولودَ: الحسين.ويوم سبوعه، يعقّ عنه أبوه خروفا قربانا لله. ويتريث في حلق رأسه و”طهّارته” حتى يشتد عوده مع الأيام.
ترى الشعيبية في اسم طفلها الحسين.(ح): الحلم المنتظر، (س): السر والسرور، (ي): اليُمن واليسر، (ن)النصر والنباهة.
يمرعامان على قِران الشعيبية، كان فيه الزوجان غير متكافئين في السن والشخصية والطاقة الفكرية والثقافية والجنسية مذ “ليلة الدخلة”. لم يكن اللاتكافؤ في الزواج عائقا في الثقافة الشعبية. فالمرأة تعتبر حرمة ومِلكا ومتاعا وحرثا، ينتشي به الرجل عازبا كان أم متزوجا، شابا أم طاعنا في السن، متى وأين وكيف ما شاء..يغازل..يداعب.. يلوم ..يتهكم..يعنف، وبكلمة واحدة يده طولى، تسنده أحكام المجتمع الذكوري.
لم يكن أمام الشعيبية إلا أن تستجيب لغرائز وأوامر وملامات وتحذيرات بعلها باستمرار. لا تعلق على شيء، ولا أبدا تتوقع منه سرا أو مُسارّة: فياويل: (يا ويل من أعطى سره لمراتو، يا طول عذابو وشتاتو) – (امرا ولد امرا اللي يطاوع امرا) – (شاور المرا ولا تاخذ بريّها) – (لا تامن المرا إذا صلت ولا للشمس إذا ولّت)..
اعتادت الشعيبية على رؤية معيلها كل يوم ..على حضوره وهيبته “ظل رجل ولا ظل حيط”،”بْلْغة في عتبة الباب تحفظ من الذياب”. وتحوّلَ الإيلاف والمؤانسة إلى شعورغريب لذيذ. تستفيق الشعيبية صباحا من غير مشورة المنبِّه لإعداد الحساء لزوجها مع بعض التمرات وكذا الشاي مع قطعة خبز وزيت وزيتون قبل أن يستخيرَ لله ويسترزقه. وعند عودته مساء، تستقبله باحترام وحياء وتتسلم منه قفة. يخلع جلبابه..يتنهد من العياء، يسألها هل هي بخير، وتجيب بإيماءة برأسها. يخلع نعليه،يرتاح قليلا يتوضأ ثم يقوم للصلاة. وبعد إفراغه منها يسألها إن كانت أعدت العشاء. تغيب عن ناظره برهة، وتعود وهي تحمل بين يديها صحنا من خشب العرعار به مرق وقليل من اللحم وكوب ماء كبير.
يبسمل الزوج، ويشرع في ازدراد العشاء..،يتجشأ،يحمدل ويشرب الماء من غير تنفّس، ويغسل يديه في الطست، ويمسحهما بقطعة قماش. ويمدد رجليه فوق اللحاف. وقبل أن تاخذه غفوة أو نعاس، تسارع الشعيبية لحمل رأسه بين كفيها بلطف، لوضعه فوق الوسادة، وتغطيه، وتتركه،فتدخل المطبخ لتناول عشائها وحدها وتغسل الأواني، وتتهيأ للنوم، ثم تنسل إلى حوضه في هدوء، ولا يهمّ أن يكون مزاجها عكرا أوليس لها رغبة في شيء… ففي المخيال الشعبي، لا مفر للمرأة من التودد والتزين والتبسم والتحمّد، وهو سلوك يحث عليه الأثر نفسه: (إذا أطاعت المرأة بعلها دخلت من أي أبواب الجنة)، (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض، دخلت الجنة)، (لو كنتُ) أي النبي) آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ).
مع مرور الأيام، تناغمت الشعيبية وتآلفت مع زوجها، استوعبت شخصيته، أدركت ما يروقه وما لايعجبه من سلوكها.وقدرت وداعته ورقة قلبه وما يوفره لها من أمن وأمان.. وأخذت روحها تتعلق بأهدابه يوما عن يوم، وأصبحت تترقب عودته “الميمونة” إلى البيت سالما. وكان كلما عاد، يحمل قفة فيها ما فيها دون أن ينسى قطع حلوى لها أو قطعة قماش.. لقد ملأ عليها دنياها و”عمّر عينيها”..

 


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *