مستشفى ابن رشد أنقذ 40 % من الحالات الحرجة المصابة بفيروس كوفيد 19 بفضل تجند وتعبئة موارده البشرية والتقنية

ألف فحص يتم القيام به يوميا لمرضى ومصابين في حوادث مختلفة وأكثر من 350 حالة ترد المستعجلات التي لا ترفض مريضا في حالة مستعجلة فعليا

 

أبلى المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد في الدارالبيضاء البلاء الحسن في مواجهة فيروس كوفيد 19 طيلة عمر الجائحة الوبائية، منذ مطلع مارس من سنة 2020 إلى اليوم، ليس فقط من خلال مستشفى ابن رشد الذي كان يستقبل الحالات الصعبة والحرجة بمصالح الإنعاش والعناية المركزة، التي كان يجب الزيادة فيها بارتفاع أعداد المصابين، وإنما من حيث العمل التشاركي بين كافة المؤسسات الصحية التابعة له، سواء تعلق الأمر بمستشفى الأطفال الهاروشي أو مستشفى 20 غشت، للتكفل بباقي الأمراض والحالات الأخرى.
مستشفى ابن رشد الذي وجد نفسه أمام امتحانين عسيرين يتمثلان في التكفل بمرضى كوفيد والمصابين بأمراض أخرى، تتطلب فحوصات وتدخلات جراحية وغيرها، استطاع بفضل تجند كل موارده وأطقمه الصحية المختلفة، من تجاوز هذا الامتحان بنجاح وهو ما تعكسه الأرقام، التي نبشت «الاتحاد الاشتراكي» في تفاصيلها، من خلال الحوار التالي الذي أجريناه مع مدير مستشفى ابن رشد البروفسور محمد بنغانم غربي.

 

p كم هو عدد المرضى المصابين بفيروس كوفيد 19 المتواجدين اليوم بمصالح الإنعاش والعناية المركزة في مستشفى ابن رشد؟
n بلغ عدد الحالات التي تتطلب وضعيتها الصحية الإنعاش أو العناية المركزة التي تتواجد بمستشفى ابن رشد، إلى غاية يوم الأربعاء 24 مارس، 14 حالة موزعة على 3 مصالح من أصل 4 المخصصة لاستقبال المصابين بفيروس كوفيد 19، المصنفين ضمن خانة الحالات الحرجة.

p إذا أردنا القيام بمقارنة رقمية بخصوص الإصابات التي توافدت على المستشفى طيلة هذه السنة، فكيف يمكن تقسيمها؟
n بحلول 5 مارس من هذه السنة أتممنا سنة كاملة في مواجهة الجائحة الوبائية، والتي تميزت بموجتين أساسيتين، الأولى امتدت لـ 3 أشهر، ويتعلق الأمر بشهر مارس وأبريل ويونيو، كنا خلالها نستقبل ما بين 8 و 10 حالات في الأسبوع كمعدل، وكان أكبر عدد استقبلناه هو 16، في حين بلغ العدد الإجمالي للمرضى الذين كانوا في حالة حرجة وولجوا مصالح الإنعاش والعناية المركزة إلى غاية نهاية يونيو 120 حالة.
أما الموجة الثانية فقد ابتدأت مع بداية شهر يوليوز وتواصلت إلى أواخر شهر دجنبر، ووجدنا خلالها أنفسنا نستقبل في بعض الأسابيع 60 مريضا ومريضة، علما بأن 12 مريضا تعني مصلحة للإنعاش، وكان عدد المرضى يوميا يتراوح ما بين 8 و 10 حالات.
بعد ذلك بدأ عدد الحالات الحرجة التي تتوافد على مستشفى ابن رشد يتراجع، وأصبحنا أمام معدل أسبوعي يقدر بـ 10 حالات، مع ملاحظة تتمثل في إصابة مواطنين في سنّ الشباب، منهم من يبلغ عمره 25 سنة أو 30 وكذا 40 سنة، حلّوا في وضعية صحية متقدمة وصعبة بسبب التأخر في التوجه للمستشفى، وهو ما قد يكون مردّه وجود حالة من التراخي في احترام التدابير الوقائية، من خلال عدم وضع الكمامة أو وضعها بشكل غير سليم، وعدم احترام التباعد الجسدي، وإغفال غسل الأيدي وتعقيمها، والإقبال على التجمعات وغيرها، الأمر الذي يجب الانتباه إليه، لأننا في بداية الحملة الوطنية للتلقيح، وبلادنا إن قامت بتلقيح 10 في المئة من الساكنة فإنها لم تصل بعد إلى تلقيح كل الفئات المستهدفة، لأن الغاية هو تحقيق المناعة الجماعية وليس الشخصية فقط.

p على امتداد هذا المسار في مواجهة الجائحة الوبائية الذي يتواصل إلى غاية اليوم، ما هي النتائج التي تم تحقيقها، وكيف تأتي تحقيقها؟

n إن العمل الجبار الذي تم القيام بمستشفى ابن رشد هو ثمرة تعاون وتظافر للجهود بين كافة المهنيين والمسؤولين من مختلف المواقع على صعيد المركز الاستشفائي الجامعي بمؤسساته كاملة دون استثناء، وبفضل التنسيق المحكم بين المركز والمديرية الجهوية لوزارة الصحة مع باقي المؤسسات الصحية المختلفة والسلطات المحلية، والذي ساهمت فيه وزارة الصحة بدور كبير وجد فعال، ممّا مكّن من التكفل بأكثر من 1400 مريض في حالة حرجة كان من الضروري إيجاد سرير لهم بمصلحة الإنعاش والعناية المركزة، حسب وضعية كل مريض، حيث تم تجهيز 8 مصالح لهذه الغاية، ووجدنا أنفسنا في لحظة من اللحظات أمام 80 مريضا/سريرا، كل واحد يتطلب مستوى عال من المتابعة الطبية وفريقا من المتخصصين، حيث قام الجميع، كل من موقعه بما يمليه عليه واجبه وضميره، للمساهمة في إنقاذ المرضى، كما لا ننسى في هذا الإطار المجهود الذي بذله مختبر المستشفى حيث تم تحليل مئات آلاف الاختبارات التي تم القيام بها بتقنية PCR .
هؤلاء المرضى كانوا جميعهم في وضعية صحية جد حرجة وخطيرة، بحيث أن الإحصائيات تشير إلى أنه يمكن لـ 90 في المئة منهم أو أكثر أن يفارقوا الحياة، لكن بفضل من الله سبحانه وتعالى ونتيجة للعزيمة القوية لمهنيي الصحة باختلاف فئاتهم ومواقعهم، وتأطير وزارة الصحة مركزيا والتنسيق مع مصالحها جهويا ومع مختلف المتدخلين، وتحت إشراف المدير العام للمركز البروفسور مولاي هشام عفيف، تم إنقاذ حياة 40 في المئة من المرضى، الذين تجند لخدمتهم 400 مهني ومهنية بكيفية متواصلة ومستمرة، إذ أن الأطقم الصحية ظلت مجندة منذ 5 مارس 2020 إلى اليوم.

p الحرب على كوفيد 19 هل أثرت على الخدمات العلاجية التي يجب تقديمها لمصابين بأمراض أخرى؟

n لا أبدا، فبنفس القوة والعزيمة واصل الجميع القيام بواجبه المهني لكي يجد كل مريض ضالته في المستشفى، صحيح أنه خلال شهر مارس تراجعت أعداد المرضى المصابين بأمراض أخرى نسبيا، وهو الوضع الذي جاء نتيجة لتطبيق الحجر الصحي، لكن بمجرد رفعه، توافد المرضى من كل حدب وصوب نحو المستشفى، سواء من مدينة الدارالبيضاء أو من داخل الجهة بل وحتى من خارجها، وبالتالي كنا أمام امتحانين اثنين، الأول يخص متابعة المصابين بكوفيد 19 وتجهيز مصالح الإنعاش والعناية المركزة لاستقبالهم، والثاني يتمثل في الإجابة عن الاحتياجات الصحية لباقي المرضى، وهو ما لم يتوقف، وإن فرض علينا واقع الجائحة إعادة ترتيب البرمجة، حتى يحصل كل مريض على الخدمة الصحية التي يحتاجها وضعها الصحي، سواء أكانت فحصا أو عملية جراحية.

p بلغة الأرقام كم عدد المرضى المصابين بأمراض أخرى الذين كان يتم استقبالهم وعلاجهم؟

n إن الإقبال على مستشفى ابن رشد يعرف ارتفاعا في مستوياته، فعلى مستوى الفحوصات يصل الرقم إلى حوالي 330 ألف فحص، بمعدل ما بين 900 وألف فحص في اليوم، كما أن مصلحة المستعجلات تستقبل 125 ألف حالة في السنة بمعدل 350 حالة في اليوم، ويتم في المستشفى النهاري استشفاء حوالي 40 ألف مريض، ويرتفع العدد إلى حوالي 85 ألفا حين يتعلق الأمر بالاستشفاء العادي الذي قد يتجاوز اليوم الواحد.
هذه الدينامية الكبيرة وهذا العمل الدؤوب المتواصل وهذه النتائج، يتم تحقيقها بفضل مجهودات كل العاملين والمهنيين دون استثناء، وهو ما مكّن من تلبية الطلبات الصحية للمواطنين، وعدم تسجيل أي انقطاع أو توقف في المصالح المختلفة كما هو الحال بالنسبة لمصلحة الأنكولوجيا، على سبيل المثال لا الحصر.

p لكن تطالعنا بين الفينة والأخرى بعض الانتقادات التي تدّعي عدم التكفل بمريض من المرضى، فكيف تتعاملون مع هذه التظلمات؟

n إن مستشفى ابن رشد يعتبر أكبر المستشفيات وهو يوجد على رأس الهرم على مستوى البنيات الاستشفائية، ومن المفروض أن يتم التوجه إليه بناء على إحالة طبية من مؤسسة صحية، لكن الكثير من المواطنين يتوجهون إليه من تلقاء أنفسهم في أحيان كثيرة، ويطرقون باب المستعجلات وإن كانت حالتهم الصحية لا تدخل ضمن حالة الاستعجال، فتتم إحالتهم بناء على قرار الأطباء بعد التأكد من وضعهم الصحي على مركز الفحوصات أو المصلحة المعنية لأخذ موعد، الأمر الذي قد لا يتقبّله البعض، والحال أن هناك مرضى آخرين يوجدون في وضعية استعجال ويتطلب وضعهم الصحي التدخل وهم الأحقّ بذلك.
إنني من خلال منبركم، أود التأكيد والتوضيح في آن واحد، أن رفض استقبال وعلاج المرضى ليس من شيمنا ولا يمكننا أن نقدم على ذلك بأي شكل من الأشكال، وهذه خلاصة يجب أن تكون مسلّمة وأن يعلمها الجميع، فدورنا هو إنقاذ المريض والتخفيف من آلامه وليس شيئا آخر.
وفي هذا الصدد، يجب كذلك التأكيد على أننا نتعامل مع شكايات المواطنين بكل جدية، وهناك منصة إلكترونية لهذا الغرض «موقع شكايتي» الذي يمكن تسجيل الشكاية به، كما يمكن للمواطن أن يتصل بشكل مباشر مع المصالح الإدارية لإبلاغ شكواه أو التنبيه لأمر ما، وحتى حين لا يتم القيام بهذه المسطرة ويتجه البعض نحو مواقع التواصل الاجتماعي أو موقع إلكتروني، فإننا نتعامل مع مضمون ما ينشر بكل مسؤولية، ويتم توثيق المعلومات الواردة والبحث عن المريض داخل مصالح المستشفى إن كان هناك من مريض حقا، لتتبع المسار الذي قطعه والمآل الذي عرفه، للتأكد مما يتم ادعائه والقيام بما يلزم، لكن وبكل أسف نجد أنفسنا أمام مغالطات كثيرة ومعطيات غير صحيحة.

p كيف مرّت عملية تلقيح مهنيي الصحة بابن رشد؟

n مرت في أجواء جد إيجابية، ونتوجه بالشكر والامتنان إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي مكّننا كجنود الصف الأول في مواجهة الجائحة الوبائية من اللقاح، ونفس الأمر بالنسبة لسائر المواطنين، مما جعل مكانة المغرب تزداد ريادة ويصبح مضربا للمثل في تدبير الجائحة التي أدارها بشكل عقلاني، بفعل التدابير الاستباقية التي كان للتعليمات الملكية الفضل فيها.

p أكدتم على جودة التنسيق المشترك بين مختلف المصالح الصحية بالجهة في مواجهة الجائحة، ألن يشكل ذلك مدخلا للنهوض بالخدمات الصحية على نطاق أوسع؟

n إن العمل الجماعي والدينامية التي طبعت عمل كل المصالح الصحية بجهة الدارالبيضاء سطات نموذجا، خلال الجائحة الوبائية، جعلتنا نسعى لتطوير الخدمات بشكل جماعي، بما ينعكس إيجابا على المنظومة الصحية، انطلاقا كذلك من مضمون الدورية الوزارية لسنة 2019 التي رسمت مخطط البرامج الصحية، حتى يشمل هذا التنسيق خدمات صحية في المستعجلات والسرطان والقلب والحوامل والولادات وغيرها، بما يخدم الصحة العامة، وهو ما لايغيب عن برنامج عمل المسؤولين من مختلف المستويات، وعن وزارة الصحة التي تسهر على تنزيل كل البرامج والمخططات التي من شأنها تجويد المنظومة الصحية وفقا للتوجيهات الملكية، وإدارة المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، هي في قلب هذا المسار وتضع كل إمكانياتها ومواردها البشرية واللوجستيكية لتحقيق ذلك.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 26/03/2021