مسلمو‭ ‬فرنسا‭ ‬المتمسكون‭ ‬بالعلمانية‭ ‬يدعون‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تدريسها‭ ‬

يمارس‭ ‬غالبية‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬شعائرهم‭ ‬الدينية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأنظار،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬بها‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬و‭”‬الصدمة‭” ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يحدثها‭ ‬نشر‭ ‬الرسوم‭ ‬الكاريكاتورية‭ ‬للنبي‭ ‬محمد‭.‬
ويتردد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60٪‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬الذين‭ ‬يتراوح‭ ‬عددهم‭ ‬بين‭ ‬خمسة‭ ‬وستة‭ ‬ملايين‭ ‬المساجد‭ ‬بشكل‭ ‬متقطع‭ ‬أو‭ ‬نادرا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يترددون‭ ‬إليها‭ ‬أبدا،‭ ‬وفقا‭ ‬لدراسات‭ ‬أعدها‭ ‬المعهد‭ ‬الفرنسي‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬ومعهد‭ ‬مونتين‭ ‬‮(‬2016‮)‬‭.‬
ويقدم‭ ‬ليث‭ ‬الجبيلي،‭ ‬وهو‭ ‬مهندس‭ ‬فرنسي‭ ‬جزائري‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ ‬مسلم‭ ‬و‭”‬علماني‭ ‬وجمهوري‭”‬،‭ ‬ويؤمن‭ ‬تماما‭ “‬بأسس‭ ‬الجمهورية‭” ‬وهي‭ “‬حق‭ ‬التعبير‭ ‬بحرية‭ ‬وانتقاد‭ ‬معتقدات‭ ‬دينية‭ ‬معينة‭”.‬
ويؤكد‭ ‬أنه‭ ‬أدان‭ “‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتي‭ ‬من‭ ‬قوة‭” ‬جريمة‭ ‬القتل‭ ?‬البشعة‭? ‬في‭ ‬16‭ ‬أكتوبر‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬المدرس‭ ‬سامويل‭ ‬باتي‭ ‬لعرضه‭ ‬رسوما‭ ‬كاريكاتورية‭ ‬للنبي‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬تلاميذه‭ ‬خلال‭ ‬حصة‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬
لكنه‭ ‬قال‭ “‬أدرك‭ ‬أن‭ (‬هذه‭ ‬الصورة‭) ‬قد‭ ‬تصدم‭ ‬بعض‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭” ‬لأنها‭ “‬تمس‭ ‬قدسية‭” ‬النبي‭.‬
وأوضح‭ “‬العلمانية‭ ‬هي‭ ‬خصوصية‭ ‬فرنسية،‭ ‬إذا‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬إنكلترا،‭ ‬فإن‭ ‬الحاكم‭ ‬هو‭ ‬رئيس‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأنجيلية،‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬يقسم‭ ‬الرئيس‭ ‬والبرلمان‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‮.‬‭ ‬اؤمن‭ ‬بذلك‭ ‬لأنني‭ ‬أمارس‭ ‬شعائري‭ ‬الدينية‭ ‬بخصوصية‭”.‬
ويرى‭ ‬أنه‭ “‬يتعين‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬الوطني‭ ‬بذل‭ ‬جهد‭ ‬لشرح‭ ‬العلمانية‭ ‬بكلمات‭ ‬مسالمة‭ ‬وباحترام‭” ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأساتذة،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬قانون‭ ‬وصحافيين‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬لعرض‭ ‬هذا‭ “‬البناء‭ ‬الفكري‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬قانون‭ ‬سن‭ ‬عام‭ ‬1905‭ ‬بشأن‭ ‬حياد‭ ‬الدولة‭ ‬إزاء‭ ‬الأديان‭.‬
ومثل‭ ‬ليث،‭ ‬شاركت‭ ‬هنا‭ ‬‮(‬اسم‭ ‬مستعار‮)‬،‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ “‬ابنة‭ ‬المدرسة‭ ‬الحكومية‭”‬،‭ ‬في‭ ‬مظاهرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬باتي‭ ‬مباشرة،‭ ‬ورحبت‭ ‬بالدعوات‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬وصم‭ ‬المسلمين‭.‬
وعند‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬المنزل،‭ ‬تحدثت‭ ‬المرأة‭ ‬الأربعينية‭ ‬مع‭ ‬ابنها‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬عاما،‭ ‬الذي‭ ‬أخبرها‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ليغادر‭ ‬الصف‭ ‬إذا‭ ‬عرض‭ ‬المدرس‭ ‬رسما‭ ‬كاريكاتوريا‭ ‬للنبي‭ “‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬درسا‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭” ‬لكنه‭ ‬سيمارس‭ ‬حقه‭ ‬كمواطن‭ ‬في‭ “‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭” ‬والمطالبة‭ “‬باحترام‭” ‬معتقده‭.‬
وأضافت‭ ‬هنا‭ “‬أحيانا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المعقد‭ ‬اعتناق‭ ‬دينك‭”‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زملاءها‭ ‬أو‭ ‬جيرانها‭ ‬يثنون‭ ‬عليها‭ ‬دائما‭ ‬لأنها‭ ‬تحتفل‭ ‬بعيد‭ ‬الميلاد،‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬حينما‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬ستذبح‭ ‬الخروف‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬
وتقول‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬إحراز‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ “‬لشرح‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬مسلما‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والقيم‭ ‬والثقافة‭”.‬
أما‭ ‬ليلى‭ ‬منصوري،‭ ‬وهي‭ ‬فرنسية‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬جزائري‭ ‬تدرس‭ ‬شبابا‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬12‭ ‬و‭ ‬25‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬الضواحي‭ ‬الجنوبية‭ ‬لباريس،‭ ‬فترى‭ ‬أن‭ ‬عرض‭ ‬الرسوم‭ ‬الكاريكاتورية‭ ‬مثل‭ ‬رسوم‭ ‬شارلي‭ ‬إيبدو‭ ‬أمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالفئة‭ ‬العمرية‭.‬
وأوضحت‭ ‬أنه‭ “‬في‭ ‬سن‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬المراهقة،‭ ‬حيث‭ ‬العلاقة‭ ‬بالجسد‭ ‬معقدة‭ ‬بالفعل،‭ ‬وكذلك‭ ‬بناء‭ ‬الذات‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭”‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬العري‭ ‬لدى‭ ‬العائلات‭ ‬المسلمة‭ ‬ليس‭ ‬متشابها‭.‬
وأضافت‭ ‬أن‭ ‬المراهقين‭ “‬ممزقون‭ ‬بين‭ ‬ثقافة‭ ‬البلد‭ ‬المضيف‭ ‬وثقافات‭ ‬بلدان‭ ‬آبائهم‭” ‬وقد‭ ‬يعانون‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ “‬تضارب‭ ‬الولاء‭” ‬مع‭ ‬الانطباع‭ ‬بأن‭ ‬المرء‭ “‬يهاجم‭ ‬دين‭ ‬والديهم،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يمس‭ ‬الهوية‭ ‬الأصلية‭”.‬
وأكدت‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬الأمر‭ ‬مضحكا‭ ‬معتبرة‭ ‬أنه‭ “‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعارض‭” ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والعلمانية‭ ‬الفرنسية‭.‬
وترى‭ ‬إيزابيل‭ ‬سان-مارتن،‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬الحقائق‭ ‬الدينية‭ ‬والتي‭ ‬درست‭ ‬العلمانية‭ “‬هناك‭ ‬قضيتان‭ ‬مختلفتان‭ ‬وتكمن‭ ‬لعبة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬ربطهما‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭”.‬
وأوضحت،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬هناك‭ ‬هجوم‭ ‬والرسم‭ ‬الذي‭ ‬عرضه‭ ‬باتي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ “‬الشرارة‭ ‬والذريعة،‭ ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬السبب‭ ‬العميق،‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬بالفعل‭ ‬تهديدات‭ ‬للمدرسة‭”‬،‭ ‬ويحاول‭ ‬الإرهابيون‭ “‬تصوير‭ ‬العلمانية‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬الأديان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬احتقار‭ ‬المؤمنين‭ ‬ومعاملتهم‭ ‬بدونية‭”.‬
وأضافت‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬هناك‭ “‬نقاش‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬وكيفية‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬الرسوم‭ ‬الكاريكاتورية‭ ‬وعن‭ ‬الإسلام‭ ‬للطلاب‭”.‬
ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تقول‭ ‬الأستاذة‭ ‬الجامعية‭ ‬إن‭ “‬قانون‭ ‬1905‭ ‬يضع‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬معتقداتهم‭ ‬وقناعاتهم‭”.‬
وشددت‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المدرسة‭ “‬المكان‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬الدين‭”. ‬لذا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دروس‭ ‬التربية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والمدنية،‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬لتاريخ‭ ‬الفنون،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ “‬لاستكشاف‭ ‬تعددية‭ ‬الإسلام‭”.‬
ويسمح‭ ‬هذا‭ ‬بوضع‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬نصابها‭ ‬وإدراك‭ ‬أن‭ ‬العزوف‭ ‬عن‭ ‬تمثيل‭ ‬النبي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬معينة‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬ولكن‭ “‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولا‭ ‬كل‭ ‬الإسلام‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭”‬،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ “‬أهمية‭ ‬المنمنمات‭ ‬لدى‭ ‬الفرس‭ ‬والهنود‭ ‬والعثمانيين‭”.‬
ولفتت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ “‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬نتعلم‭ ‬صعوبة‭ ‬تطبيق‭ ‬الفكر‭ ‬المعرفي‭ ‬والإدراك‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬العلمانية‭” ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاربة‭ “‬الخطاب‭ ‬المزدوج‭”‬للأصوليين‭.


بتاريخ : 11/11/2020