مسيرة نسائية خرجت من دواوير «تلحيانت» بخنيفرة لكسر العزلة ورفع التهميش والإقصاء الاجتماعي

دفعت عامل الإقليم إلى الانتقال للمنطقة والشروع في ترجمة المطالب

 

بعد عشرين يوما فقط من احتفاء العالم ب «اليوم العالمي للمرأة القروية»، وقبل يومين من ذكرى المسيرة الخضراء، شهدت منطقة «تلحيانت» التابعة لجماعة لهري بإقليم خنيفرة، صباح الثلاثاء 4 نونبر 2025، واحدة من أبرز المسيرات النسائية الاحتجاجية في السنوات الأخيرة، حين خرجت عشرات النساء في مسيرة سلمية على الأقدام، وركوبا على الدواب، باتجاه مقر عمالة الإقليم، لرفع صوت من تحت العزلة والتهميش.
كان المشهد مؤثرا بكل المقاييس، نساء من مختلف الأعمار، يحملن الأعلام الوطنية، والمصاحف، وصور الملك، وبينهن من حملن أطفالهن على ظهورهن، متحديات المسافة التي تزيد عن عشرين كيلومترا من التضاريس الوعرة والشمس الحارقة، مشهد لخص، ببلاغة مؤلمة، معاناة المغرب العميق الذي ما يزال يبحث عن طريق معبد نحو العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

صرخة من الهامش

طالبت النساء المحتجات، في تصريحات متطابقة، بضرورة تعبيد الطريق الرابط بين دواوير المنطقة التي تعاني عزلة خانقة، تتسبب في معاناة يومية للسكان وتعيق حركة سيارات الإسعاف والنقل المدرسي والشاحنات التموينية، كما أكدن على ضرورة توفير وسائل النقل العمومي، والنقل المدرسي، والدعم الصحي، والماء الصالح للشرب، وهي مطالب وصفنها بـ «الحقوق البسيطة التي لم تعد تحتمل الانتظار».
وفي خلفية هذه الصرخات، تتكرر معاناة الأطفال المتمدرسين بدورهم، والذين يجدون أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى مدارسهم خلال فترات الأمطار، حين تتحول المسالك إلى أوحال وسيول وجداول من الطين، هذا الوضع دفع النساء إلى ترديد شعارات قوية تطالب بـ «الطريق والماء والنقل للجميع» و»الحق في العيش الكريم»، في مفارقة تعكس عمق الفوارق بين الموارد الطبيعية الغنية، والفقر البنيوي الذي يطبع الحياة اليومية للسكان.
من بين المطالب التي حضرت بقوة، التحقيق في أنشطة المقالع التي تحيط بالمنطقة، والتي تتهمها الساكنة بكونها السبب الرئيسي في تخريب الطريق وتسريع تدهورها بفعل مرور الشاحنات الثقيلة المحملة بالحجارة، وهي المقالع، التي رغم ما تدره من أرباح على الشركات المستغلة، لم تجلب للمنطقة سوى الغبار والضجيج والمخاطر التي تهدد الأطفال والرعاة وبيئة المنطقة.

تدخل أمني ودخول العامل

لم تمر المسيرة دون توتر، فقد اعترضت القوات العمومية طريق المحتجات في محاولة لمنع وصولهن إلى العمالة، ما أدى إلى تدافع قوي ووقوع إغماء لمواطنة مسنة أصيبت بوعكة صحية بعد أن قطعت نصف المسار، ورغم التدخل الأمني، تمسكت النساء بحقهن في التظاهر السلمي، رافعات شعارات تطالب بـ «الإنصات بدل القمع»، وبعد مفاوضات ميدانية، تدخلت السلطات المحلية لتطويق الوضع وفتح قناة حوار مباشر.
وبعد تنفيذ الاتفاق على تشكيل لجنة مكونة من عشر نساء تمثل الساكنة، قصد لقاء عامل الإقليم، تم الإعلان، في تطور لافت، عن انتقال عامل إقليم خنيفرة، محمد عادل إيهوران، إلى المنطقة للاستماع إلى مطالب الساكنة، الخطوة التي لقيت ترحيبا مع تعبير المحتجات عن أملهن في أن تكون هذه الزيارة بداية فعلية لتدارك ما فاته الزمن التنموي في المنطقة، ذلك قبل أيام قليلة من تسجيل البدء في إصلاح الطريق المثيرة للجدل.

طريق متردية وأسئلة شعبية

سبق لجريدتنا أن نبهت، مرارا، إلى الوضع الكارثي للطريق التي لم تعد بالمعنى المتعارف عليه، بل مسلكا مليئا بالحفر والمنعرجات الخطيرة والغبار الكثيف، حيث السيارات تتعطل، والشاحنات تتلف، و»الطوبيسات» تضطر إلى التوقف المتكرر، فيما يتحول المقطع الطرقي في الليالي الممطرة إلى مجرى من الوحل يعزل القرى تماما، والسكان يروون في ذلك معاناة يومية لا تنتهي..
من حق ساكنة تلحيانت أن تتساءل، كما تساءلت نساء المسيرة، عن مآل البرامج الحكومية الكبرى مثل «المغرب الأخضر»، و»صندوق تنمية العالم القروي»، و»مشاريع محاربة الفوارق المجالية»، التي يفترض أن تصل إلى مثل هذه المناطق الجبلية النائية، وكيف يمكن الحديث عن العدالة المجالية والتنمية المتوازنة في ظل استمرار العزلة عن أبسط الخدمات الأساسية؟.

صرخة من مغرب السرعتين

تلحيانت لم تعد حالة معزولة، فقد شهدت مناطق عدة من القرى المغربية، من الحوز إلى فكيك وأزيلال وآيت بوكماز، مسيرات مماثلة في الأشهر الأخيرة، تطالب جميعها برفع التهميش والإقصاء وتوفير شروط العيش الكريم، وكل هذه المسيرات وغيرها لا تعبر فقط عن غضب اجتماعي، بل عن وعي جديد يتشكل في المغرب القروي، تقوده النساء أكثر من أي وقت مضى، دفاعا عن الكرامة والحق في الوجود داخل وطن واحد.
في انتظار أن تتحول زيارة المسؤول الإقليمي إلى انطلاقة فعلية لبرنامج تنموي متكامل، تظل تلحيانت عنوانا صارخا على واقع قروي يحتاج إلى إنصات صادق، وإرادة سياسية تتجاوز الشعارات إلى الفعل وإلى القطيعة مع هدر الملايين على المهرجانات التافهة والفواتير الثقيلة والمشاريع الجوفاء، فيما تظل نساء الجبال يقمن بمسيرات على الأقدام للمطالبة بماء وطريق ومدرسة؟.

تضامن رابطة حقوق النساء

وعلاقة بالموضوع، أصدر المكتب الجهوي ل «فدرالية رابطة حقوق النساء»، بجهة بني ملال- خنيفرة، بلاغا أعرب فيه عن تضامنه اللامشروط مع نساء «تلحيانت»، على خلفية مسيرتهن التي شهدتها المنطقة للمطالبة بإصلاح الطريق وما يترتب عنها من معاناة يومية ومن صعوبة الولوج إلى الخدمات الأساسية، وأشار البلاغ إلى العزيمة القوية للمحتجات وإصرارهن على تأكيد حقهن في التعبير والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية.
وبينما اعتبر لقاء المحتجات بعامل الإقليم خطوة إيجابية نحو فتح حوار جاد ومسؤول حول سبل الاستجابة للمطالب المشروعة، لم يفت المكتب الجهوي لفيدرالية الرابطة دعمه لكل المبادرات السلمية التي تسعى إلى تحسين أوضاع النساء القرويات وضمان حقوقهن الأساسية في العيش الكريم، والولوج إلى البنيات التحتية والخدمات العمومية، مشددا على أنه سيواصل مواكبة الملف المطلبي للنساء بكل مسؤولية وجدية.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 10/11/2025