مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 1- العصامية التي دخلت أروقة العالمية عن جدارة واستحقاق

 

تشْخص الأبصار إلى سلوك الشعيبية القولي والفعلي.تتكلم لهجة بدوية بطلاقة، تحب أن تاتي بما هو غريب ومتفرد، تتخفف من كل ما من شأنه أن يكبح حريتها.. تبدو خفيفة الظل والدم والروح..تضحك..تعبَس لمّا تشعر برغبتها في ذلك، تشعر أنها “امراه وكادة، امراه ونص” امرأة هزمت مخاوفها، وإحباطاتها..وغالبت صروف الدهرالذي يقصم ظهور الرجال.
استطاعت الشعيبية أن تكون اسما مميزا من أسماء زماننا بالمغرب، بفضل خوضها نضالا مريرا من أجل تأكيد وجودها في مجتمع ذكوري، لايؤمن بأهلية المرأة وقدرتها على البذل والعطاء، مجتمع، يقول: “الكلب حاشاك، الحمار حاشاك، اليهودي حاشاك،المرأة حاشاك، وشرف الله قدرك”.
تقف الشعيبية شامخة في وجه رجال زمانها، من غير دعم من جمعيات نسوية أوبإيعاز من منظمة حقوقية، تجد نفسها أنها مختلفة عن نساء عصرها، منذورة لرد الاعتبار للمرأة عموما، لنساء عصرها، للمرأة المغربية بوجه أخص. فالمرأة على عهدها مهِيضة الجناح، مهضومة الحقوق، مغلوبة على أمرها، مكانها “الطبيعي” في المطبخ، في أحضان الرجل، تدخل بيت الزوجية، ولاحق لأهلها وذويها في زيارتها حتى والديها، فهي كسقط متاع الرجل، ولها خرجتان لاغيرهما: خرجة من بيت والديها في اتجاه بيت الزوجية، وخرجة من بيت الرجل إلى مثواها الأخير.وقليل من النساء مثل الشعيبية، يكدن يُحسبن على رؤوس الأصابع، من أعلنَّ تمردهن في وسط ذكوري متسلط، لايهادن المرأة ولا يلين.
من يرى الشعبية وهي واثقة الخَطو تمشي أميرة، يخال أنه العُجب والكِبر، والغرور والجهل. والواقع أنها الثقة في النفس، والاتساق مع الذات، وعليه سبقت زمانها،أهل زمانها، فجاءت في طليعتهم، وكأن لسان حالها يقول ما قاله أبو العلاء المعري:
وإني وإن كنت الأخير زمانه** لآت بما لم تستطعه الأوائل.
أو ما قاله شاعر آخر:
لئن قدمت قبلي رجال فطالما… مشيت على رسلي فكنت المقدما
تمشي الشعيبية على السليقة في حديثها. لايهمها في شيء أن تلقي الكلام على عواهنه.. لاتداهن ولا تنافق، تحاور كيفما اتفق بجرأة وشفافية وصدق، تتكلم ولا تنصت لما تتفوه به، تتصرف بعفوية منعدمٍ نظيرُها، مثل أن تغمس راحة يدها في الصباغة وتضعها على ورقة بيضاء لترسم أصابعُها “الخميسةَ”،وهي تعويذة لدفع الحسد، أو بقعات وهامات ووجوها تعبر من خلالها عن أحاسيسها ومشاعرها، أو تفتح علب الصباغة وتستخدم سبابتها كفرشاة من غير خلطها، وتردد بين الفينة والأخرى لازمتها:” ويعنو” أي: يعني.. وتتباهى بلكنتها البدوية، ولايزعجها في شيء أن تنطق كلمات بالفرنسية بنطق غير سليم. ولكَم كانت الشعيبية عُرضة للسخرية والهزء، ولكَم وصفوها بالأمية والجاهلة والمتطفلة على الفن، ومن العجيب أن كثيرا من الأجانب الذين يفدون على المغرب أو يصادفونك فوق ترابهم، أنهم يردون عليك عندما تقول إنك من المغرب:” الشعيبية.. الشعيبية”.هكذا أصبحت الشعيبية، بطاقة هوية، بل رمز بلد بقضّه وقضيضه..نارا على علم، وصيتا ذائعا في الآفاق.


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 09/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *