مصطفى الشهار، مكلف بالمجال الأخضر في مجموعة القرض الفلاحي، لـ «الاتحاد الاشتراكي»:

عصرنة المسارات التقنية لمربي الأبقار الحلوب تساهم في الرفع من إنتاجية الحليب وتوفيره للمواطنين

 

يعتبر تطوير القطاع الفلاحي وعصرنته وضمان الرفع من مردوديته الفلاحية والحيوانية من بين التحديات الأساسية التي ظلت بلادنا حريصة على إيلائها عناية جد خاصة، وذلك بتوفير الموارد المالية الضرورية وتسطير السياسات والبرامج المختلفة، التي يكون هدفها تحقيق «النجاعة الفلاحية» حين تنزيلها وأجرأتها لكي تساهم في السيادة الغذائية واستمرار الأمن الغذائي.
نجاعة، تتطلب تكتلا للجهود بين مختلف المتدخلين والشركاء، في كل الحلقات وعلى امتداد مختلف المستويات التي تتقاطع كلها وتلتقي عند الفلاح، وهو ما جعل «الاتحاد الاشتراكي» تلتقي بمصطفى الشهار، مدير عام منتدب مكلف بالمجال الأخضر في مجموعة القرض الفلاحي، التي يقترن حضورها القوي بالفلاحة وبالفلاحين على مستوى الدعم والتمويل، وذلك لتسليط الضوء على كل الخطوات التي تقوم بها هذه المؤسسة للمساهمة من موقعها في دعم الفلاحة المغربية والفلاح المغربي.

 

p تمر بلادنا خلال السنوات الأخيرة بظروف عصيبة بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والإجهاد المائي، مما أثر بشكل كبير على قطاع الفلاحة والفلاحين، خاصة الصغار منهم. في ظل هذه الوضعية كيف تساهم مجموعة القرض الفلاحي في تنزيل السياسات الوطنية التي تهدف لمواكبة الفلاحة ولدعم الفلاحين للتخفيف من وقع هذه الأزمة عليهم؟

n في إطار السياسات الوطنية للتخفيف من آثار الإجهاد المائي والارتفاع غير العادي لدرجات الحرارة وسنوات الجفاف المتتالية، تتعبأ مجموعة القرض الفلاحي عبر البنك الكلاسيكي وعبر جميع قنوات التمويل الأخرى لمواكبة الفلاحين والعالم القروي من خلال مجموعة من التدابير التي تتوزع ما بين تمكين الفلاحين من البداية الفورية في الزراعات الربيعية التي ستساعدهم على استدراك الموسم الفلاحي وتحسين المردودية والدخل، إلى جانب تمويل مربي الماشية لاقتناء الأعلاف المدعومة والاعتناء بصحة القطيع وعدم الاندفاع لبيع الأبقار والأغنام أو الماعز بأثمنة غير مناسبة ناتجة عن الوفرة المفرطة للعرض مقابل الطلب، إضافة إلى مواكبة الفلاحين في عملياتهم لصيانة الأشجار المثمرة التي تتضرر «في صمت» بسبب الجفاف والارتفاع غير العادي لدرجات الحرارة وذلك لتأمين منتوج الموسم القادم في أحسن الظروف.
كما تشمل الإجراءات المسطرة تمويل الفلاحين للقيام بالزيادة في عمق آبارهم لجلب ماء السقي، أو تحويل السقي التقليدي إلى السقي بالتنقيط لترشيد استعماله. كما تمول المجموعة كذلك مبادرات اعتماد الوسائل التكنولوجية العصرية للسقي عبر جمع المعلومات عن حالة الطقس، وكمية حاجيات المزروعات من الماء، ونوعية التربة……وغيرها، وذلك حتى يتم إعطاء المزروعات فقط الكمية اللازمة من ماء السقي وفي الوقت المناسب مما يمكن من اقتصاد الماء بنسب تتراوح ما بين 30 و 40 في المئة. ثم هناك الشق المتعلق بمواكبة المتدخلين في عمليات استيراد الحبوب والأعلاف وكذلك الماشية، وذلك للمساهمة في تزويد السوق الوطني بجميع هذه المواد وتأمين وفرتها مما يمكن من استقرار الأسعار، مع العمل على معالجة مديونية الفلاحين عبر دراسة كل ملف على حدة وتقديم الحلول المناسبة التي تتلاءم مع قدرة الاسترداد للفلاح. ويكمن الهدف من هذه العمليات المستمرة في إعادة إدماج الفلاحين في دورة التمويل ومواكبتهم حتى يتسنى لهم الاستمرار في مزاولة أنشطتهم الفلاحية في أحسن الظروف.
وعلاقة بهذا السؤال دائما، تجب الإشارة إلى أن القروض الممنوحة للفلاحين من طرف مجموعة القرض الفلاحي تمثل حصة 85% من مجموع القروض الممنوحة من طرف جميع الأبناك الوطنية لقطاع الفلاحة.

p يعتبر الحليب مادة غذائية مهمة، يرتفع الإقبال عليها بشكل كبير في شهر رمضان الأبرك، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن البرامج التي سطرتها الوزارة لدعم الفلاحين، من خلال مجموعتكم، للحفاظ على الثروة الحيوانية وتطويرها وللرفع من إنتاج الحليب؟

n لقد عرفت سلسلة الحليب ببلادنا تطورا كبيرا في تنظيماتها وفي مستوى إنتاجها وتنوع وجودة منتوجاتها الصناعية، رغم أن نسبة 75 في المئة من المنتجين يتوفرون على قطيع لا يتجاوز عدد رؤوسه 3 إلى 5 أبقار حلوب. ويعود هذا التطور إلى اجتهاد وانخراط المهنيين وإلى دعم وزارة الفلاحة، خصوصا في فترة مخطط المغرب الأخضر وبعده. غير أن هذا القطاع سجل بعض التراجع بسبب فترة «الكوفيد»، وارتفاع أثمنة الأعلاف، وتوالي سنوات الجفاف، مما أدى إلى انخفاض عمليات التلقيح الاصطناعي وتراجع الولادات وانخفاض في مستوى الإنتاج.
لقد ساهمت هذه العوامل في الزيادة في كلفة الإنتاج وضعف المردودية مما دفع بعض صغار المنتجين إلى بيع أبقارهم، وأمام هذا الوضع قامت وزارة الفلاحة بعدة إجراءات لإعادة تكوين القطيع والرفع من الإنتاجية، وذلك بدعم الأعلاف وتقديم تحفيزات مالية لاقتناء الأبقار والرفع من عمليات التلقيح، ثم كذلك عن طريق رفع ثمن شراء الحليب من عند الفلاح. وفي هذا الإطار، تقوم مجموعة القرض الفلاحي بمواكبة سلسلة إنتاج الحليب بالتمويلات الملائمة التي تهم تحسين وتوسيع الإسطبلات، زرع وصيانة المزروعات العلفية بالضيعة، اقتناء الأعلاف المكملة، المصاريف البيطرية للحفاظ على صحة القطيع، اقتناء الأبقار ذات قدرة إنتاجية عالية عبر عمليات الاستيراد ومواكبة الإنتاج المحلي، مواكبة التعاونيات وتشجيعهم على اقتناء آليات التبريد ووسائل التنقل ومواكبة الحاجيات المالية للشركات المصنعة للحليب ومشتقاته.
إن كل هذه التمويلات التي تمنحها مجموعة القرض الفلاحي للمهنيين والمتدخلين في سلسلة الحليب تساهم في عصرنة وتقوية المسارات التقنية لمربي الأبقار الحلوب للرفع من الإنتاجية وتحسين المردودية، مما يساهم في وفرة مادة الحليب، خصوصا في شهر رمضان الذي يسجل ارتفاعا في الطلب.

p كيف يتم دعم مشاريع الفلاحين الشباب، وما هي آليات تقوية وتطوير طبقة وسطى فلاحية، وما هي التسهيلات المالية الممنوحة في هذا الصدد؟

n بعد مخطط المغرب الأخضر وحصيلة انجازاته المهمة، أعطى صاحب الجلالة نصره الله تعليماته السامية لتنزيل استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030 التي تعتمد على ركيزتين، الأولى تقوم على منح الأولوية للعنصر البشري، والتي تهدف إإلى تقوية الطبقة الوسطى القروية بتثبيت 690 ألف أسرة قروية في هذه الطبقة وإدخال 400 ألف أسرة قروية جديدة، وخلق 350 ألف فرصة للتشغيل الذاتي بالعالم القروي. والثاني تهم ديمومة التنمية الفلاحية عبر استمرار تطوير سلاسل الإنتاج الفلاحي ومسالك التسويق والجودة والرقمنة وتعزيز وسائل صمود الفلاحة الوطنية أمام التقلبات المناخية.
وتساهم مجموعة القرض الفلاحي، الدرع المالي للدولة، في تنزيل جميع محاور استراتيجية الجيل الأخضر عبر عمليات تمويل المهنيين والشباب المقاول بالعالم القروي. وتتم مواكبة المشاريع الفلاحية والقروية للمقاولين الشباب من طرف القرض الفلاحي عبر مواكبة غير مالية، بتقديم الاستشارة والخبرة، ثم مواكبة مالية عبر عرض خاص «المستثمر القروي»، الذي تم تقديمه في إطار تفعيل البرنامج المدمج لدعم وتمويل المقولات «انطلاقة» تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية.
ويجب التأكيد في هذا الإطار على أن عرض المستثمر القروي قد استهدف المقاولات الصغيرة جدا، والمقاولات الصغرى، والشباب حاملي المشاريع، والمقاولات الشابة المبتكرة، والمقاولين الذاتيين، والضيعات الفلاحية الصغرى، والاستثمارات المستقبلة المنخرطة في إطار برنامج تمليك الأراضي السلالية.

p يعتبر تحقيق السيادة الغذائية المستدامة تحديا أساسيا، ما هي الخطوات التي سطرتموها للمساهمة في تحقيق هذا الأمن الغذائي؟

n تساهم مجموعة القرض الفلاحي في تحقيق الأمن الغذائي ببلادنا عبر المواكبة المالية لجميع سلاسل الإنتاج الفلاحي في كل مناطق المغرب ولجميع فئات المتدخلين في كل سلسلة على حدة، سواء كانوا ممونين أو منتجين أو مصنعين أو موزعين، وذلك عبر مقاربة شاملة لسلاسل القيم الفلاحية، من خلال عروض تمويلية ملائمة تستجيب لكل حاجياتهم من القروض وتواكب عملياتهم التجارية على صعيد السوق الداخلي ومعاملاتهم مع الأسواق الدولية.
وبما أنه لا توجد في العالم دولة تنتج 100 % من حاجياتها من المواد الغذائية فإن بلادنا تعمل على الاستغلال المعقلن لكل مؤهلاتها لإنتاج كل ما يمكن إنتاجه محليا، ولتصدير المواد الفلاحية التي نتميز فيها بقدرة تنافسية عالية، واستيراد بعض المواد لتكميل حاجياتنا. إن هذه المنظومة قد تسجل بعض الاضطرابات الناتجة عن التغيرات المناخية، أو بعض الأحداث الجيوسياسية، لكن الهدف المنشود من جميع الفرقاء والمتدخلين في المنظومة الفلاحية ببلادنا، بما فيهم مجموعة القرض الفلاحي، هو المساهمة في تحول وتمكين الفلاحة الوطنية حتى تصبح أكثر إنتاجية ومردودية وتنافسية، والرفع من صمودها أمام كل التحديات المناخية والاقتصادية، وهذا كله يمر عبر عصرنة المسارات الإنتاجية والمردودية باقتناء بذور وشتلات ذات جودة، والأسمدة، والمبيدات، ووسائل المكننة، وتطوير السقي، وعصرنة بيوت التخزين، ووسائل التنقل…. كما يساهم كل من الرفع من مستوى تثمين المنتوجات الفلاحية وتحسين مسالك التسويق الداخلي والتصدير والاستيراد في الأمن الغذائي.
وزيادة على التمويلات المهمة لمشاريع الاقتصاد في مياه السقي، ومن أجل مواكبة الانتقال الأخضر للفلاحة والصناعة الغذائية ببلادنا، فإن القرض الفلاحي يقدم عرضا خاصا ومتنوعا يشجع المهنيين على نهج مسارات إنتاجية مستدامة، ويشمل هذا العرض المالي «برنامج استدامة» باقة من أربع منتوجات تتوزع ما بين «ايكو طاقة فلاحة»، المخصص لتمويل تدابير كفاءة الطاقة وإنتاج الطاقة المتجددة في المزارع، و «ايكو طاقة صناعات غذائية»، المتعلق بتمويل تدابير كفاءة الطاقة وإنتاج الطاقة المتجددة في الصناعات الغذائية، ثم «أغرونفاية»، ويشمل تمويل مشاريع معالجة وإعادة تقييم وتدوير النفايات الزراعية والصناعية الغذائية والنفايات الحيوانية، وأخيرا «بيوفلاحة»، المخصص لتمويل الزراعة العضوية (الانطلاق والتحويل).
ويستفيد المستثمرون الممولون عن طريق برنامج استدامة من المساعدة التقنية من طرف استشاريين متخصصين لاختيار أكثر المعدات والمواد كفاءة، ومن تمويل قروض استثمارية تصل إلى 12 سنة بفائدة مميزة، وأيضا من منحة استثمارية بنسبة 10٪ من مبلغ القرض الاستثماري. ويبقى التمويل رافعة أساسية لتقدم وعصرنة الفلاحة ببلادنا، وهذا هو ما يقوم به نساء ورجال مجموعة القرض الفلاحي عبر سياسة القرب من جميع شرائح المنتجين بمهنية وبروح وطنية عالية.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 18/03/2024