الخطة لا تحدد أي الجماعات الإسلامية ستستهدف
مصادر بالمعارضة: ردود فعل مختلفة داخل تحالف تحرير الشام
دبلوماسي: الصفقة قد لا تؤدي سوى لتأجيل العمل العسكري في إدلب
من طولاي كارادينيس ودومينيك إيفانز
يرتبط مصير الاتفاق الروسي التركي لتلافي هجوم الحكومة السورية على محافظة إدلب برد فعل المقاتلين الجهاديين في المنطقة وقد ينهار سريعا إذا لم تستطع جهود موسكو وأنقرة المشتركة أن تفرض الخطة على الجماعات الإسلامية.
وأبرمت تركيا، التي تحرص بشدة على تفادي صراع شامل وأزمة إنسانية على حدودها الجنوبية، الاتفاق المفاجئ مع روسيا أمس الاثنين لإقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب بهدف تلافي هجوم وشيك.
ودعت أنقرة منذ شهور لحملة محددة تستهدف الجهاديين الذين يسيطرون على مناطق من إدلب، بدلا من هجوم واسع النطاق على منطقة يسكنها أيضا نحو ثلاثة ملايين مدني وعشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا.
ويمنح الاتفاق، الذي أعلن في سوتشي بعد محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أحد داعمي حكومة دمشق، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تركيا فرصة تحويل هذا المقترح إلى أمر واقع.
لكن الوقت ضيق، إذ يريد الزعيمان إقامة المنطقة منزوعة السلاح بحلول منتصف أكتوبر تشرين الأول لكن من غير الواضح كيف سيطبقان خطتهما لنزع سلاح المقاتلين الإسلاميين المتشددين وإخراجهم من المنطقة.
وقال بوتين عند إعلانه عن الاتفاق إن المنطقة ستمتد على طول الخطوط الأمامية التي تفصل إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة عن قوات الحكومة السورية. وقال إن المتشددين سينسحبون وسيتم سحب الأسلحة الثقيلة منهم ومن غيرهم من الجماعات المعارضة.
ولم يحدد الرئيس الروسي كيف سيجري إقناع الجماعات المتطرفة بالتعاون أو أين قد يتم إرسالها.
ولتركيا 12 موقعا عسكريا في منطقة إدلب وأعلنت في أكتوبر تشرين الأول الماضي أنها ستعزل “الجماعات الإرهابية” عن “مقاتلي المعارضة المعتدلين” هناك. لكن بعد مرور نحو عام لم يتحقق تقدم يذكر في هذا الصدد ويقول محللون إنه لم يتضح كيف سيغير اتفاق أمس الصورة.
وقال متين جورجان وهو محلل أمني وضابط تركي متقاعد “هذا احتمال ضئيل للغاية”، مضيفا أن الجهاديين لن يقتنعوا إلا من خلال استعراض القوة وليس الحوار.
وأقوى مجموعة معارضة في إدلب هي تحالف تحرير الشام الذي يضم جماعات إسلامية مؤلفة من مقاتلين سوريين وأجانب وتهيمن عليه جبهة النصرة التي كانت تابعة للقاعدة.
وحدد بوتين جبهة النصرة باعتبارها واحدة من الجماعات التي ستستهدفها الإجراءات لكنه وأردوغان لم يحددا من الجماعات الإسلامية الأخرى التي ستطبق عليها الإجراءات.
وقالت تركيا اليوم الثلاثاء إنها ستبحث المسألة مع روسيا في إشارة على عدم التوصل لاتفاق.
وقال دبلوماسي يتابع الشأن السوري إن اتفاق سوتشي لن يسهم سوى في استقرار الوضع في إدلب لبضعة شهور. وقال “الأمر لا يعدو كونه تأجيلا للمسألة التي لا يوجد لها حل واضح”. * “لا مكان يلجأون إليه”
بالنسبة للجهاديين الأجانب، فإن إدلب هي آخر ملاذ في سوريا بعد أن تمكن الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة حليفتيه روسيا وإيران، من قلب دفة الحرب لصالحه وطرد معارضيه من الجيوب المتبقية في المناطق الجنوبية والغربية من البلاد.
وقال سنان أولجن وهو دبلوماسي تركي سابق ومحلل لدى مركز كارنيجي في أوروبا “المشكلة الأساسية هي المقاتلون الأجانب لأنه لم يعد لديهم مكان يلجأون إليه”.
وذكر أولجن أن تركيا تعلق آمالها فيما يبدو على الانقسامات المحتملة بين الجهاديين وتتوقع أن المقاتلين السوريين سيكونون أكثر ميلا لتسليم سلاحهم من الأجانب.
وقال “المبدأ الأساسي هو فرق تسد… محاولة التفرقة على مستوى جذري… قد يكونون جميعهم جهاديين لكن ربما تكون ميولهم مختلفة فيما يتعلق بنزع السلاح”.
وقال مصدر بالمعارضة في إدلب إن هناك وجهات نظر مختلفة داخل تحالف تحرير الشام بشأن إمكانية التعاون.
ويقول المصدر إن موقف تحرير الشام مهم لأن التحالف يملك ما يكفي من النفوذ لفرض إرادته على مقاتلين جهاديين آخرين في إدلب بمن فيهم الأجانب إذا توصل مجلسه للشورى لقرار بشأن المسألة.
وقال المصدر “إذا أبرم اتفاق بين تحرير الشام وتركيا فستمضي المسألة بسهولة”.
وصنفت تركيا تحالف تحرير الشام منظمة إرهابية الشهر الماضي لكن المصدر قال إن ثمة مؤشرات على أن تركيا وتحرير الشام قد يتعاونان على الأرض، مشيرا إلى السهولة التي تمر بها القوافل التركية عبر إدلب.
وقال مبعوث الأمم المتحدة في سوريا إنه يعتقد أن هناك نحو عشرة آلاف من مقاتلي النصرة في إدلب. وهناك جماعات إسلامية وفصائل تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر. وبدعم من تركيا انضوت هذه المجموعات تحت لواء “الجبهة الوطنية للتحرير”.
وذكر جورجان أن اتفاق سوتشي ضمن لتركيا متنفسا حتى 15 أكتوبر تشرين الأول وهو موعد تنفيذ الاتفاق لكن روسيا لن تحجم إلى الأبد عن التعامل مع منطقة سبق ووصفتها بأنها “وكر للإرهابيين”.
وقال “اشترت أنقرة شهرا من الوقت وروسيا منحتها هذه المهلة. لكن موسكو تقوم بذلك للمرة الأخيرة. كيف ستستغل أنقرة هذا الشهر؟”
المجتمع الدولي يتنفس الصعداء
بعد فشل قمة طهران مطلع شتنبر الجاري، تطلع المجتمع الدولي إلى قمة سوتشي التي عقدت اليوم الاثنين، بين الرئيسين التركي والروسي والتي توجت باتفاق بين البلدين على إقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية للفصل بين مقاتلي المعارضة وقوات الحكومة السورية، وسحب الأسلحة الثقيلة منها.
إعلان الرئيسين التركي رجب طيب أوردوغان والروسي فلادمير بوتين، عن التوصل إلى اتفاق ،خلال مؤتمر صحفي مشترك في ختام قمة سوتشي ،والتوقيع على مذكرة تفاهم، جعل المجتمع الدولي يتنفس الصعداء، على اعتبار أن أي تدخل عسكري في المنطقة كان سيؤدي إلى كارثة إنسانية سيذهب ضحيتها ملايين المدنيين العزل.
هذا الارتياح أعربت عنه الأمم المتحدة ،التي وصفت الاجتماع التركي الروسي بأنه “في غاية الأهمية”، والذي سيكون له الأثر الإيجابي على حياة المدنيين السوريين في إدلب”.
موقف المنتظم الأممي جاء خلال مؤتمر صحفي عقده، اليوم، استيفان دوغريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي أكد أن الأمين العام الأممي “سينظر بكل عناية، في النتائج التي تم التوصل إليها في اجتماع القمة التركية الروسية اليوم”..
وبالرغم من غيابها عن القمة، أعلنت إيران، القوة الإقليمية الثالثة التي تعد طرفا رئيسيا في أزمة السورية، اليوم الإثنين، أنها “مصممة” على تجنيب سكان محافظة إدلب السورية الخطر في ظل إعلان النظام عزمه استعادة السيطرة عليها، كآخر معقل للفصائل المعارضة.
موقف إيران جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي ،في مؤتمر صحافي اليوم في طهران ،والذي أكد على تصميم إيران على ضرورة “حل مسألة إدلب بشكل يجنب معاناة السكان وألا يسقط ضحايا”.
وبالفعل، حل أزمة إدلب تمت بلورته في إعلان أردوغان وبوتين ،والذي يشير الى أن القوات الروسية والتركية ستراقب المنطقة المنزوعة السلاح التي ستكون بعرض 15 إلى 20 كيلومترا.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس الروسي “قررنا إقامة منطقة منزوعة السلاح بين مقاتلي المعارضة وقوات الحكومة السورية بحلول 15 أكتوبر”، مبرزا أن القوات الروسية والتركية ستراقب هذه المنطقة ويتعين على الجماعات المتشددة ،بما فيها جبهة النصرة ، الانسحاب منها.
أما أردوغان، فقد أكد أن روسيا ستتخذ التدابير اللازمة من أجل ضمان عدم الهجوم على إدلب ،التي تعتبر منطقة خفض التصعيد، معتبرا أن التهديد الأكبر لمستقبل سوريا ينبع من أوكار الإرهاب شرق الفرات أكثر من إدلب.
وقال إن “تركيا ستواصل عمل كل ما يقع على عاتقها في مسألة إدلب ،مثلما فعلت منذ بداية الأزمة السورية”.
وعلى الرغم من أن نتائج قمة سوتشي لا تمثل حلا نهائيا سياسيا وعسكريا لأزمة دامت منذ سبع سنوات وتقود المنطقة نحو المجهول، إلا أنها ستحول دون حدوث كارثة إنسانية بمحافظة إدلب تهدد حياة حوالي ثلاثة ملايين شخص، نصفهم نازحون من مناطق أخرى، وبينهم آلاف المقاتلين.
وقد أرجأت الخلافات بين تركيا وروسيا هجوما للنظام السوري من أجل استعادة إدلب، آخر معقل للفصائل الجهادية والمعارضة في سوريا، لكن هذا التأجيل قد يكون قصيرا إذا تم التوصل لاتفاق حول مصير الفصائل التي تسيطر على المحافظة، بحسب محللين.
وعندما عقدت قمة طهران الثلاثية في 7 سبتمبر بين الرؤساء الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، كان قد بدأ العد العكسي لهجوم واسع النطاق للنظام السوري وحليفته روسيا.
لكن القمة شهدت خلافات بين الرئيس التركي ونظيره الروسي يبدو أنها دفعت روسيا إلى إرجاء هجوم، تعارضه أنقرة بشدة، تفاديا لقطيعة معها.
وتركيا، الداعمة لفصائل سورية معارضة، ترعى إلى جانب روسيا وإيران، حليفتي النظام السوري، محادثات أستانا التي انطلقت فييناير 2017، وأرست مناطق خفض توتر في سوريا، بينها إدلب.
وتسيطر هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا قبل اعلانها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، على نحو 60 في المئة من محافظة إدلب، آخر معقل للفصائل المعارضة للرئيس بشار الأسد.
ومنذ فشل قمة طهران س ج لت عدة اتصالات بين مسؤولين أتراك وروس لمحاولة التوصل إلى تسوية تسمح بالقضاء على هيئة تحرير الشام، التي تعتبرها أنقرة “إرهابية” من دون إطلاق هجوم واسع النطاق.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي نظيره التركي الاثنين في سوتشي في جنوب غرب روسيا، لمراجعة هذه الجهود.
وقال مسؤول تركي رفيع طالبا عدم كشف اسمه لوكالة فرانس برس “أعتقد أن أي هجوم لن يحصل قبل بضعة أسابيع”.
وتخشى تركيا أن يؤدي هجوم واسع النطاق على إدلب المحاذية لحدودها والتي تضم نحو ثلاثة ملايين نسمة إلى موجة نزوح جديدة.
كذلك تريد تركيا حماية مئات من جنودها المنتشرين في 12 مركز مراقبة في إدلب لضمان الالتزام بـ”خفض التوتر”، كما حماية فصائل معارضة “معتدلة” تدعمها تنتشر بخاصة في جنوب المحافظة.
ويقول عبد الوهاب عاصي المحلل في مركز جسور المتخصص في الشؤون السورية أن الخلافات التي شهدتها قمة طهران “تدفع إلى “استبعاد حصول هجوم وشيك، أقل ه حتى نهاية العام”.
وبحسب عاصي، فإن المحادثات الروسية التركية قد تفضي إلى تسوية باستبدال الهجوم الواسع النطاق بـ”عملية عسكرية محدودة أو ضربات محددة الأهداف” ضد هيئة تحرير الشام، وتعديل حدود منطقة خفض التوتر بهدف إبعاد الفصائل المعارضة عن بعض المناطق فيها.
ويعتبر عاصي أن روسيا قد توافق على تسوية تقضي بالسيطرة على المناطق الواقعة على أطراف إدلب والقريبة من الطريق الدولية التي تربط بين دمشق حلب لتأمين هذه الطريق، وبوضع حد للهجمات بواسطة طائرات مسي رة انطلاقا من إدلب ضد قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية.
وصعد النظام السوري وسلاح الجو الروسي القصف على إدلب لعدة أيام في سبتمبر، لكن حدة الضربات تراجعت هذا الأسبوع.
تفيد تقارير إعلامية بأن تركيا أرسلت مؤخرا تعزيزات، بخاصة مدرعات، إلى الحدود مع سوريا وإلى مراكز المراقبة التي تقيمها في إدلب.
لكن بالنسبة للمحلل العسكري التركي متين غوركان فإن هذه التعزيزات “دفاعية” وتهدف إلى حماية مراكز المراقبة التركية من أي تهديدات محتملة.
ويعتبر غوركان أن عدم التوصل لاتفاق مع تركيا قد يدفع روسيا ومن خلفها النظام السوري إلى “الاستعاضة عن هجوم واسع النطاق يمكن أن ينتهي خلال بضعة أسابيع بشن هجمات على مراحل قد تستغرق أشهرا”.
ويقول المحلل العسكري التركي إن “روسيا تسعى لإبقاء تركيا في المعادلة”، مضيفا أن “احتمال حصول مواجهة بين البلدين مستبعد للغاية”.
ويعتبر غوركان أن حرص موسكو على مصالح أنقرة يكشف تحفظ روسيا عن ميليشيات شيعية موالية لإيران، على الرغم من أنها حليفة للنظام.ويؤكد المحلل أن “روسيا بحاجة إلى تركيا كقوة سنية لتحقيق توازن مقابل وجود ميليشيات شيعية في شمال سوريا”.