مطالب بترميمها وصون إرثها التاريخي .. قصبة القائد عيسى بن عمر العبدي مهددة بـ «الاندثار»

أصبحت قصبة دار القائد عيسى بن عمر العبدي بأسفي مهددة بـ «الاندثار»، رغم أنها تعتبر معلمة تاريخية ذات أهمية بالغة لم تنل نصيبها من الاهتمام ولا حتى من بعض الترميمات، وكل ما في الأمر، أنها أضحت تستقبل كل يوم النظرة الأخيرة على ما تبقى من آثارها الصامدة في ظل تجاهل كلي للجهات المهتمة بالثقافة والتراث الوطني.
فعلى بعد ما يقارب (25 كلم) من مدينة أسفي وعلى الطريق الثانوية المؤدية إلى خميس الزمامرة بإقليم الجديدة، كانت تبدو هذه القصبة شامخة تصارع الزمن، وتروي قصصا وحكايات من الزمن الماضي البعيد والقريب، بكل أحزانه وآلامه وأفراحه. حين تزور المكان، فإنك تشعر بعظمة ساكنيه.. وفي نفس الوقت تسيطر عليك الحسرة عن ماضيه .. ونهاية حاضره، بحيث هنا عاش القائد السي عيسى بن عمر العبدي حياته، بكبرياء وعزة النفس، وهو الذي ينتمي إلى أسرة أرستقراطية تنحدر من أصول حجازية. قصبة تم تشييدها بفخدة تمرة بقبيلة البخاثرة، على موقع مرتفع، يحتوي على مياه غزيرة متدفقة من بئر بوكشور، وكانت عبر التاريخ مشهورة بقصبة القائد السي عيسى بن عمر العبدي. إنها على شكل بلاط صغير، يضاهي العديد من البنايات المخزنية، اتخذت منها مكانه الرئيسي، فشكل بنايتها يمثل قلعة كبيرة ومحصنة بالأسوار العالية المحمية من كل جوانبها من أي تمرد أو عصيان، فلا يمكن الدخول إلى هذه القصبة، إلا من خلال أبوابها الرئيسية المحروسة بأعوان خاصين، وعلى رأسهم أبا الحسين، الذي كان يستقبل الوافدين على القصبة لقضاء أغراضهم، ثم بعده الباب الداخلي المؤدي إلى المرافق الداخلية، والتي كان تحت حراسة أبا رزوق المعروف حسب العديد من الروايات الشفاهية، بتفانيه الكبيرة في خدمة القائد السي عيسى بن عمر العبدي، وعلى مقربة منه كان يوجد مقر صغير خاص بالعريفة، أي دار مسعودة الشاوية، والتي كانت تقوم بتسيير الشؤون الداخلية للقصبة. أما من الجهة الخلفية لهذا البلاط، فيوجد مقر الحراسة، وكان يقيم به السيد قدور، المشهور والمذكور في مجموعة من القصائد الزجلية. بداخل الدار يوجد جناح مخصص لعائلة القائد، مكون من ثلاث طبقات، يأخد طابعا معماريا فارسيا، وبأسفله يوجد روض مربع به أربع قبب مازال آثار جمال فنها المعماري ظاهرا إلى حدود الأمس القريب بسقوفها الخشبية المزخرفة بالنقوش، وكانت تتوسط هذه الدار، نافورة تتدفق منها المياه، في حين كانت هناك مقصورة بالطابق العلوي، وغرفتان تطلان على الممتلكات الشاسعة المترامية الأطراف بالمنطقة، وقد يمتد بصرك إلى حدود الحصبة المعروفة بخصوبة تربتها وإنتاجها الوفير، بالإضافة إلى أنها كانت تحتوي على أجنحة مخصصة لاستقبال الضيوف وإقامة الولائم عند استقبال الزوار. وبالمنحدر الخلفي للدار كانت هناك أماكن مخصصة للاعتقال والسجن. وتؤكد العديد من الكتابات التاريخية، أن القائد السي عيسى بن عمر العبدي، كان له دور كبير في تنمية المنطقة اقتصاديا، خصوصا أنها تحتوي على ميناء يسهل عملية التجارة الخارجية. كما اعتمد كذلك على الفروسية، وتعليم الرماة، وتكوين المقاتلين الذين كانوا يوجهون لإخماد الفتن، فالوقت الذي كانت له علاقة مميزة مع الأجانب إضافة إلى بعض الشركات الألمانية.
لقد أضحت القصبة اليوم مزارا لبعض المهتمين بالتراث، فأحس الجميع بعظمة المكان الزاخر بذكريات الماضي بكل تجلياته، وفظاعة الإهمال والتهميش والنسيان، خصوصا بحلول الذكرى المأوية لوفاة هذا القائد السي عيسى بن عمر العبدي ، حيث تصادف الجيل الثاني والثالث من حفدته، من أبناءه وبناته.
ولأن الأصيل يضل أصيلا ولو مرت آلاف السنين، فقد تحركت مجموعة من حفدة القائد السي عيسى بن عمر العبدي، في محاولة منها لجمع شمل الحفدة المتواجدين عبر التراب الوطني وخارجها، وقد نجحت إلى حد ما في جمع شتات العديد منهم عبر تكتلات، منهم من أسس مؤسسة حفدة القائد السي عيسى بن عمر العبدي، هدف الجميع هو إعادة الاعتبار لجدهم أولا، والكرامة لكل من تربطه قرابة لهذا القائد، وتبقى من أولويات أهدافهم هي المطالبة بترميم قصبة جدهم.


الكاتب : محمد تامر

  

بتاريخ : 20/06/2024