بعد مرور أكثر من 60 سنة على زلزال أكادير .. ماذا تبقى من مآثرها؟
في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…
ما يميز مدينة أكادير عن باقي المدن المغربية الأخرى، بالمقارنة مع مدن جهة سوس ماسة، هو أنها فقدت العديد من المآثر التاريخية القديمة بسبب زلزال 29 فبراير 1960، بل فقدت المدينة القديمة بحي تالربجت، وحي إحشاش، وحي فونتي، والحي السكني المتواجد داخل قصبة أكادير أوفلا… بحيث أتى الزلزال على هذه الأحياء، وخاصة حي تالبرجت القديم، بما كانت تتوفر عليه من عمارات، وفنادق، ودور للسينما.
ولم تصمد أمام قوة الزلزال إلا بعض المآثر التاريخية التي نجت من الدمار، وبقيت مستمرة إلى يومنا هذا، كفندق مرحبا، ومقر ولاية الجهة، وعمالة أكادير إداوتنان، وسينما السلام، وبعض أسوار قصبة أكادير أوفلا، فضلا عن بعض البنايات بشارع محمد الخامس قرب الميناء.
وبعد انبعاث المدينة وإعادة إعمارها منذ 1961، تم تشييد العديد من البنايات بمدينة الانبعاث، التي أصبحت اليوم بعد مرور حوالي 62 سنة على بنائها تعتبر بمثابة مآثر تاريخية لفترة ما بعد الزلزال، وهو ما يدفعنا للوقوف على وضعية المآثر التي نجت من الزلزال، وكيف هو حالها اليوم.
قصبة أكادير أوفلا .. الترميم والسياحة
خضعت هذه القصبة الأثرية التي تم تشييدها منذ أكثر من 500 سنة في العهد السعدي على التلة المطلة على البحر وعلى ميناء أكادير، لترميم أسوارها وتهيئتها من الداخل وتأهيل محيطها، وهي التي كانت تضم قبل أن يدمرها زلزال 1960، مدينة قديمة تعتبر بمثابة النواة الأولى لأكادير، لكنه أتى على مساكنها وسكانها، وتأثر جزء كبير من أسوارها.
واستخدمت في عمليات الترميم تقنيات حديثة خاصة بأركيولوجيا المباني التراثية لكي تصبح واحدة من أبرز نقاط الجذب السياحي بالمدينة في حلة جديدة لتكون قبلة للسياحة الداخلية والخارجية، ولهذا خضعت طريقها المعبدة هي الأخرى للتهيئة، وتم ربطها بمشروع عربات «تيليفيريك» التي تمكن الزائر من مشاهدة مناظر عديدة للمدينة والتقاط صور من فوق أثناء الصعود والنزول.
ولذلك تم تخصيص غلاف مالي مهم للترميم، في إطار برنامج التهيئة الحضرية لمدينة أكادير، ما بين سنتي 2020 و2024، والذي تم التوقيع عليه أمام أنظار جلالة الملك في شهرفبراير2020.
ويهدف ترميم وتهيئة للقصبة إعادة الحياة إلى هذه المعلمة التاريخية وجعلها بمثابة منارة ليلية تضفي جمالية على المدينة من أعلى التلة، وهذا ما حولها إلى منتوج سياحي مكمل للمنتوجات الأخرى، لذلك أضحت مزارا دائما للسياح المغاربة والأجانب، يتم من خلالها الاستمتاع بسحر المكان وبمنظر بانورامي شامل يغري الزوار بالتقاط صور تذكارية من أعلى التلة.
وتشرف القصبة على مدينة أكادير، التي لا تبعد عنها إلا بضع دقائق عن قصبة أكادير أوفلا، التي هي في الأصل تسمية أمازيغية تعني حرفيا المخزن العلوي، وظلت القصبة من أقدم وأبرز معالم المدينة لكونها تتميز بإطلالة بانورامية خلابة وأخاذة على خليج أكادير، وعلى مارينا، والميناء، والمحيط الأطلسي، وعلى أطراف هذه القصبة من الجهات الأربع، حيث يتم عبرها رؤية المدينة من الأعلى عبر الامتداد إلى الأفق زيادة على الاستمتاع وخاصة بمنظر الغروب الساحر.
وتقع القصبة بمدخل المدينة وهي تطل على التلة التي يحمل جانبها الجنوبي الشعار الخالد «الله،الوطن،الملك». كما أنها جزء يطل على المدينة القديمة التي عصف بها الزلزال (حي فونتي)، بعدما كانت القصبة قبل الخراب تتألف من بيوت تصل بينها دروب ضيقة وساحات تجارية وجامع كبير ومشفى ومبنى المخزن والملاح. هذا ويمكن الوصول إلى القصبة إما بواسطة السيارات والحافلات السياحية أو حافلات النقل الحضري بحيث تصعد كل حافلة على رأس كل 20 دقيقة عند سفح التلة أو عبر الوصول إليها مشيا انطلاقا من مسلك مخصص للراجلين أو عبر عربات «التيليفيريك» المؤدي إليها.
( يتبع )