معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” -08- جرادة .. إجهاز على الذاكرة التاريخية للمدينة

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

 

لا يمكنك استقراء الذاكرة الوطنية برجالاتها وأماكنها الشاهدة على حقب مهمة وخالدة من تاريخنا الوطني وذاكرته المكانية على وجه التحديد، دون أن يجرك هذا إلى الحديث عن المآثر التاريخية التي تتميز بها عدد من مدن وجماعات إقليم جرادة، التي أصبحت اليوم عرضة لكل أشكال الإهمال، حتى جاز لنا القول إن هذا الإقليم بحمولته التاريخية الممتدة لعقود يتميز بما يمكن اعتباره، الإجهاز المتعمد وغير المبرر على الذاكرة التاريخية سواء في أمكنتها أو أزمنتها.

عين بني مطهر ضحية التاريخ والجغرافيا

تعرضت رأس العين آنذاك، بداية القرن العشرين وبالضبط في سنة 1904 إلى الاحتلال الفرنسي، ودخول الماريشال ليوطي الذي أطلق اسم بركنت على البلدة الهادئة المسالم أهلها، وبسط نفوذه على كامل المنطقة التي تحوّل اسمها من رأس العين إلى بركنت، رغم تعدد الروايات حول هذا الاسم الذي لازال شائعا حتى اللحظة.
إن ما يميز المدينة هو أماكنها المتعددة التي تبقى شاهدة على تاريخ كبير ممتد إلى مئات السنين، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، إدارة الجمارك التي يعود بناؤها إلى سنة 1916 بمعمارها الفرنسي المتميز، وهي البناية التي لا تزال حتى الآن واقفة، رغم ما تتعرض له من إهمال وتخريب، بحيث أصبحت تسيل لعاب مقتنصي العقار. ثم هناك مدرسة عبد الواحد المراكشي التي تعتبر أول مدرسة بالمدينة، والتي بدأ العمل بها سنة 1926 ولا تزال تؤدي رسالتها التربوية حتى اللحظة، محافظة إلى حد ما على شكلها الهندسي رغم الإصلاحات التي أدخلت عليها، والتي لم تحافظ، للأسف الشديد، على طابعها المعماري بهدم بناية لها رمزيتها وبناء سور مكانها.
بنايات أخرى، تعتبر ذاكرة للمدينة، كما هو الحال بالنسبة للمدرسة الحسنية، التي تم تشييدها في بداية أربعينيات القرن الماضي من طرف الفجيجيين الذين كانوا يقطنون ببركنت، وتزامن بنائها مع بناية أخرى تحمل نفس الاسم بمدينة فجيج. ثم هناك الكنيسة الأرثودوكسية التي تم بنائها سنة 1954 ولاتزال محافظة على شكلها قبل أن تتحول إلى قاعة للرياضة، وغيرها من الأماكن التي تتميز بها عين بني مطهر.
لكن المثير أن هذه المآثر في شموليتها وتعددها، تتعرض لأبشع صور الإهمال والتخريب في غياب أية مبادرة تروم الحفاظ عليها وتثمينها، لا من طرف المجالس المنتخبة ولا حتى من وزارة الثقافة، رغم أن العديد من الأصوات المهتمة بتاريخ المدينة طالبت وفي أكثر من مناسبة بضرورة العمل على صيانة هذه الأماكن التاريخية وحمايتها من كل التشوهات والاستهدافات التي تتعرض لها، لكن بقيت هذه الدعوات مجرد صيحات في واد اللامبالاة والتجاهل الذي كان مصيرها، كما سبق لجريدة الاتحاد الاشتراكي أن تناولت موضوع الذاكرة المحلية لبركنت بأماكنها ونبهت إلى ضرورة إيلاء هذه الأماكن ما تستحقه من اهتمام.

غياب الاهتمام يطرح أكثر من علامة استفهام؟

مآثر، وبعد كل هذه السنوات التي نجترها، نقف على حجم الإهمال الذي تتعرض له في مجموعة من الأماكن التاريخية، سواء بعين بني مطهر أو جرادة أو تويسيت، الذي لم يحرك المجالس المتعاقبة على تدبير الشأن المحلي لوضع برنامج يروم العناية بها وإعادة الاعتبار لها، من خلال تثمين موروثها الثقافي، وفي غياب تام لعمليات الترميم التي ستساهم في حالة إقرارها في بعث الروح إلى هذه الأماكن وحمايتها من كل تخريب يطالها، ولما لا تحويل البعض منها إلى متحف يجمع تاريخ المدينة ويكون مزارا للطلاب والأساتذة والباحثين وعموم المواطنين، يربط الحاضر بالماضي، ويستعيد صفحات مشرقة من تاريخ مدينة هي اليوم ضحية التاريخ والجغرافيا، يجمع كل من عاش تفاصيلها بأن ماضيها أحسن بكثير من حاضرها رغم مظاهر التمدن التي تعرفها.
لقد حان الوقت أن تعمل الجماعات المحلية بهذه المدن، في إطار شراكات بين الوزارة الوصية على الثقافة والجمعيات المهتمة بالتاريخ والتراث المحلي، على إحصاء الأماكن التي تمثل ذاكرة حية وشاهدة على حقبة مهمة من تاريخنا الوطني، والعمل على حمايتها من كل تدمير وإهمال تتعرض، له فلا يعقل ونحن نتحدث اليوم عن إعادة تأهيل الأماكن التاريخية أن تبقى فضاءات مماثلة بكل من عين بني مطهر، جرادة وتويسيت خارج دائرة الاهتمام.


الكاتب : إعداد: وحيد مبارك و الطيب الشكري

  

بتاريخ : 20/03/2024