معالم تاريخية تعيش “أرذل العمر” 7 : أسقط أحياء بدورها السينمائية وبفنادقها وبناياتها بعد مرور أكثر من 60 سنة على زلزال أكادير .. ماذا تبقى من مآثرها؟

في كل منطقة من مناطق المغرب، تواصل عدد من البنايات والمآثر، التي تشكّل جزء مهما وأساسيا من الذاكرة الفردية والجماعية، الوقوف بشموخ، وإن كانت تعاني الإنهاك، بعدما فعل فيها الزمن فعلته، حتى صارت تعيش مرحلة “أرذل العمر”، وتنتظر وقوعها أرضا، لتختفي كما لو أنها لم تكن يوما، فتلاقي بذلك مصير العديد من المعالم التي تم طمسها سابقا، وحلّت محلّها بنايات مفتقدة لأي روح، كان الهدف من وراء تشييدها الربح المادي الخاص بالأساس؟
بنايات، تتوزع ما بين أسوار، وفنادق، ومركبّات، ودور للسينما، وقصبات، وغيرها… بعضها تم التدخل من أجل إنقاذها و “إنعاشها”، وأخرى تُركت لحالها إلى أن جاء “أجلها” ووريث الثرى، في حين تنتظر أخرى التفاتة فعلية من الجهات المختصة للحفاظ على هوّيتها، وإعادة الاعتبار إليها…

 

 

لابد من التأكيد على أن مدينة أكادير، كانت تتوفر قبل الزلزال، على دور للسينما يبلغ عددها ثمانية، لم تنج منها إلا سينما السلام الموجودة بملتقى شارع المقاومة وزنقة فاس، المقابلة لمحطة النقل الحضري وسيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة. ويتميز هذا المبنى الاستثنائي بتصميم فريد خارج عن المألوف بالحي الصناعي أو ما يصطلح عليه حاليا بين الساكنة بحي «الباطوار»، على بعد خطوات من حي «بوتشكات» كأحد أقدم أحياء المدينة بعد الزلزال.
وتعد سينما «السلام» واحدة من المعالم التي تشهد على ذاكرة أكادير، ومعلمة كانت إلى وقت قريب بمثابة متنفس لشباب المدينة، حيث تعطيهم فرصتين يوميا لمشاهدة عروضها سواء في الساعة الثالثة بعد الزوال أو السادسة مساء. وتم بناء هذه البناية سنة 1946 من طرف المقاول الحاج بوبكر الفقيه التطواني، وصممها المهندس «جورج فرانسوا روبيرت أبيري»، لمالكها رجل الأعمال السوسي المرحوم يحيا بن إيدر رجال. وتبلغ مساحتها 1200 متربع مربع وذات تصميم فريد جدا على شكل نفق مقوس مما جعل بناءها متينا مكنها من الصمود أمام زلزال 1960.
وأدت سينما السلام دورها الوظيفي في تمكين شباب المدينة من مشاهدة أفلام أمريكية وهندية، بحيث كانت السينما الوحيدة بعد الزلزال إلى حدود 1980، قبل أن تظهر سينما «صحراء» وسينما «ريالطو». وشاءت الأقدار أن تغلق وتبقى على هذا الوضع، لعدة سنوات، لأسباب مرتبطة بصناعة السينما وظهور الأنترنيت وعوامل أخرى. وفي ظل الإغلاق انتقلت ملكية سينما «السلام» إلى رجل أعمال آخر كان ينوي هدمها وإقامة مشروع عقاري مكانها، لكن فكرته لم تجد موافقة من طرف السلطات المختصة، ولم يحصل مالكها على التراخيص المطلوبة بعدما انتفض المجتمع المدني بالمدينة ضد عملية تحويلها إلى مشروع عقاري، الذي نظم وقفات احتجاجية صاخبة وحرر عرائض مضادة، الشيء الذي حال دون أن تدك الجرافات القاعة وتسويها بالأرض ليندثر معها جزء بارز من تاريخ مدينة الانبعاث.
وبقيت هذه البناية إلى يومنا هذا، بدون ترميم وإصلاح وتهيئة، مع أنها شاهدة على تاريخ مضى من ذاكرة أكادير، وهو تاريخ عزيز على عشاق المدينة بصفة عامة وعلى عشاق الفن السابع بصفة خاصة. وبالتالي يجب المحافظة على هذه القطعة الأرضية وتحويلها إلى متحف أو قاعة عروض أو دار للشباب أو مسرح لتؤدي وظيفتها الثقافية والفنية، والعمل على ترميمها مثلما تم ترميم سينما الصحراء مؤخرا بعدما تمكن المجلس الجماعي لأكادير من اقتنائها من مالكها الجديد وضمها إلى ممتلكاته.
بنايات أثرية شيدت بعد الزلزال

هناك العديد من البنايات بمدينة أكادير التي تجاوز عمرها 60 سنة، وتم إخضاعها حاليا للتهيئة ضمن برنامج التهيئة الحضرية لسنتي 2020 و2024، من ضمنها الحدائق الكبرى بالمدينة، مثل حديقة «أولهاو»، وحديقة «ابن زيدون»، وحديقة «لالة مريم»، وحديقة «عبد الرحمان اليوسفي»، ومنتزه كورنيش أكادير.
وتم الإعلان عن تشييد متحف خاص للثقافة الأمازيغية فوق الجدار التاريخي المقابل لقصر بلدية أكادير، والذي نقشت عليه قولة المغفور له محمد الخامس الشهيرة حين أعلن عن إعادة بناء مدينة أكادير، بعد خرابها من قبل زلزال 1960.

مسرح الهواء الطلق
ومتحف الفنون

لقد ظل مسرح الهواء الطلق منذ تشييده في بداية الثمانينيات المتنفس الوحيد لساكنة أكادير، حيث شهد عدة عروض مسرحية وسهرات فنية وتجمعات سياسية، واقتضت الظروف الحالية أن يخضع هو الآخر لأشغال التهيئة والتجهيز، وتغيير واجهته الخارجية، وبالقرب منه شرعت وزارة الثقافة بمعية شركائها في تشييد مسرح عصري جديد بتصاميم حديثة ومواصفات عالية في إطار برنامج التهيئة الحضرية.
هذا المسرح، شهد كذلك إحداث متحف جديد بالقرب منه، يخص الفنون الجميلة، وهو تابع للمتحف الوطني بالرباط، وتم تنقيل متحف التراث الأمازيغي إلى المنطقة المقابلة لقصر البلدية، بحيث تم الشروع في انجازه وتشييده بمواصفات عالية فوق الجدار الأثري.
ملعب الانبعاث والمركّبات
في سياق التهيئة الحضرية للمدينة، تم تحويل ملعب الانبعاث الشهير ومحيطه إلى منتزه مفتوح في وجه الساكنة والسياح، حيث خضع حاليا للتغيير، وتمت تهيئته بتصميم رائع يحتوي على ملاعب كثيرة للقرب في كافة الرياضات، وعلى ألعاب الأطفال والمطاعم الفاخرة، خاصة أن جميع المباريات في كرة القدم تقام حاليا بالملعب الكبير أدرار.
وإلى جانب ذلك شهدت أحياء المدينة إحداث عدة مركبات ثقافية بحي «بنسركاو»، وحي «تيكوين»، وحي «تدرات» بأنزا العليا، وهي الآن تستقبل العديد من العروض المسرحية والفنية وتقام فيها سهرات فنية، فأصبحت بذلك متنفسا لشباب الأحياء وتؤدي وظائف كثيرة إلى جانب ملاعب القرب المنتشرة في كل الأحياء.


الكاتب : عبد اللطيف الكامل

  

بتاريخ : 19/03/2024