تحت إشراف جمعية الحي البرتغالي وفضاء الحوار للثقافة والتراث، نظم الفنان محمد بوسكسو معرضا فوتوغرافيا تحت عنوان «أبواب من الذاكرة» من 11 إلى 25 أكتوبر 2025 بمقر جمعية الحي البرتغالي بالجديدة، حيث حضر عدد من الزوار بمن فيهم المثقفين والفنانين والمهتمين بالحق الفني.
لكل بيت أسراره وتاريخه، ولكل بيت عتبته وبابه، وغالبا ما نجد هذه الأبواب موصدة تخفي ما لا يمكن الاطلاع عليه، فكانت التقاليد والأعراف قديما تتحكم في ما تخفيه الفضاءات الداخلية لهذه المنازل، والأمر كان في فترة سابقة مرتبطا بالوازع الديني الذي كان يتحكم في العلاقات بين الناس، فأصبح الحريم من بين هذه الشروط للحد من الزيارات الخارجة عن نطاق العائلة، وهذا ما حدث للفنان الفرنسي أوجين دولاكروا عندما زار المغرب لأول مرة، فعجز عن اقتحام منزل مغربي، لولا مساعدة يهودي مكنه من حضور زفاف بمدينة طنجة للدخول، وزيارة بهو مغربي داخلي بمناسبة حفل زفاف.
فالغرض من هذا التقديم، هو الوقوف على أهمية الأبواب في الثقافة المغربية على المستوى الرمزي والعقائدي لاقتحام هذه الفضاءات التي كان تجاوز عتباتها يعد بمثابة اندماج داخل الأسرة المغربية.
لكن ما يهمنا في هذه التوطئة هو أهمية هذه الأبواب من حيث القيمة الجمالية والمشهدية والمادية كذلك، خاصة عندما يتعلق الامر بأسر ميسورة لها إمكانية ترميم وتزيين واجهات منازلها وأبوابها، وهنا تكمن إبداعية المهندس المعماري لتقسيم الفضاءات الداخلية لهذه المنازل، وشرط الحفاظ على خصوصية كل منزل ومن يسكنه، مع التفكير في هندسة قوام الأبواب وزخرفتها.
من هذا المنطلق، تناول الفنان الفوتوغرافي محمد بوسكسو أبوابه التي لا تخلو من هذه الخاصيات كالألوان والزخارف والأحجام والمواقع. فرغم أنه لم يضف جديدا لهذه الابواب، لكن حسه الإبداعي جعله يقتنص عناصر مؤثثة لهذه الأبواب، من بينها وأهمها الضوء والظل، والتركيز على ما تحتويه من أشكال كرافيكية وخربشات وخطوط عمل أصحابها أثناء مرورهم على تدوين لحظات من حياتهم.
لم يكن اختيار تيمة الأبواب عند الفنان محمد بوسكسو لأجل المتعة الجمالية فقط، بل اعتبرها من المكونات الثقافية للمجتمع المغربي برؤية استشرافية لنمط الحياة التي أفرزتها هذه الأبواب، وكشاهدة على تحولات اجتماعية واقتصادية عرفتها المدن القديمة وتكتل سكانها وتواصلهم مع الحفاظ على القيم الأخلاقية التي كانت تجمعهم. لقد قام بمقام فنان حاول ترميم ما يمكن إنقاذه بصريا، لتبقى هذه الأبواب شاهدة على عصرها، فكان اختيار تصويرها انتقائيا لما تستجيب له المكونات الإستيتيقية كمشاهد غير مألوفة في الهندسة المعمارية الحديثة، لذلك يمكن اعتبار الفنان محمد بوسكسو من خلال هذه البادرة مؤرخا بصريا لمعالم مرئية ومعنوية أيضا، لأن هذه الأبواب تحمل في ثناياها مشاعر روحية مرتبطة بقيم إنسانية لها حضور قوي في وجدان كل من عاش من وراء هذه الأبواب.