معنى أن تعشق الساحرة المستديرة

 

بداية، لابد أن تكون حبك الأول، في طفولتك البعيدة، تصيبك ضربة عشقها وأنت تنطق حروف الكلام الأولى، تشرع في تعلم عشقها داخل البيت، تتمرن على احتضانها بوجه قدمك الصغيرة، تلامس ظاهرها الناعم، وتستسلم لسحر داخلها المليء بالهواء، تقذفها بقوة، تكسر بعض الأواني، وبعدها.. لن تتخلص من سطوة لذة أسطورية لا تشيخ.
وحين تحصل على أول كرة جميلة، يغمرك أجمل إحساس بامتلاك أجمل هدية، كل الأوقات، ليلا ونهارا، صالحة لاحتضان المحبوبة، بفضلها تكتسب مكانة بين الأطفال، تصبح «مول الكرة»، تختار رفقاءك، تضع القوانين، ولا قوانين لمقابلات الطفولة، تبدأ برغبة ولا تنتهي سوى بغضبة أحد الآباء.
دون مدرب، ولا توجيهات ولا نصائح، بانعدام الروض الخاص بالأطفال، تبقى الدريبة هي حلبتنا المفضلة، نحتل مساحتها بالصراخ والركض والخصام وأصوات الفرح الصادقة، وكلما لامست القدم الكرة تسقط صريع خدر لذيذ يغمر جسدك بالكامل.
طبعا لكل الرياضات متع ورعشات حب، إلاها تملك عليك كل الحواس، سحرها في خصوصية اللعبة وفضاء ممارستها، ومتعة التحكم فيها، وحدها كرة القدم تمنحك فرصة ممارسة جنونك بكل ما يتاح من حب وشغف وانجذاب.
وعليه.. لا تتساءل عن الذي يجعلها أميرة محبوبة الشعوب في كل بقاع العالم، في الصحراء والقطب الشمالي والجبال والسهول، ولا تتعجب وتنعت عشقها بالهراء والغباء وتستصغر أمرها بوصفها مجرد جلدة منفوخة بالهواء.
الأميرة يا صاح هي أروع وأكثر سحرا من بقية الأنواع الرياضية، يكفي أن تعرف أنها تمارس بالقدم وليس باليد، وأنت في الملعب، يصير المستطيل الأخضر عالما مهيمنا على وعيك وإحساسك، تنسى العالم بكل انشغالاته، ولا ترى سوى كرة ناعمة تركض خلفها الأقدام ولا تشيح عنها الأنظار ولو لثانية.
طبعا حلبة العروس الأميرة خضراء معشوشبة، وقوانين احتضانها لا تتجاهل إمكانيات الإبداع والإمتاع وانتزاع صرخات الإعجاب والفرح وآهات الحزن والبكاء.
وأنت وسط الأربعة والعشرين لاعبا، تجري خلفها أو في الانتظار، في أي مكان بالملعب، تتمتع بالتفكير على أكثر من مستوى، تخطط لكيفية استقبالها، وطريقة التخلص من الخصم، والمشي أو الركض بها، ثم إرسالها إلى رفيق أو قذفها بقوة، بغاية مخادعة حارس يحمي مرمى كبيرة، والأصعب الرائع في الأمر هو أن ذلك يتم بواسطة القدم وأحيانا بالرأس، في أفق الوصول إلى رعشة تهديف ليست مثل كل الرعشات.
تمر السنون، تدرك معنى إتقان اللعبة وضرورة حسن التصرف بالكرة في مختلف مناطق الملعب، تصل إلى حتمية الانتقال إلى عشق فريق محدد يعني انتماءك لجمهور وداد الأمة ومتابعة مقابلات غريم الرجاء الأخضر، وفوقهما التشبث بحب الفريق الوطني ودعم أسود الأطلس.
في مدرجات ستاد دونور/مركب محمد الخامس، يندمج الشاب مع الشيخ، والغني مع الفقير، وبعض العائلات تأتي بكامل أفرادها، الأب والأم والأبناء والأقارب، وسط حمى التشجيع تدعم فريقها المعشوق، في بوتقة إحساس واحد تنصهر معه جميع الأحاسيس والانفعالات، تعيش الفرح، تصرخ بالأناشيد والأهازيج، وتستسلم راضية لنشوة الفوز!


الكاتب : حسن برما

  

بتاريخ : 26/11/2022