مع اقتراب موعدها، ماذا عن الغش و عن كوابيس الامتحانات ؟

الامتحان جزء لا يتجزأ من عملية التعليم وركن أساسي فيها , و يأخذ هذا الامتحان أو التقويم قسطا كبيرا من وقت وجهد المتعلمين والمدرسين واطر الإدارة التربوية , وتجند له الطاقات والوسائل والإمكانات و الأزمنة الإضافية , بل إن الامتحان لحظة من اللحظات الحرجة في حياة المؤسسات وحياة المتعلمين والمدرسين والآباء (فهي ذو بعد اجتماعي لا يمكن إغفاله حيث يتحكم الامتحان في مصير الطلاب ويؤثر على سلوك المدرسين وعلى سير المؤسسات التعليمية , وهو موضوع دو حساسية كبيرة : فهو المتهم الأول عند قيام الثورات الطلابية ويشكل نقطة الضعف الأولى التي يوجه إليها الانتقاد .

إن نظامنا التعليمي يتميز بطغيان ظاهرة الامتحان في العمل التربوي , وعوض أن يكون هذا الامتحان وسيلة لمراقبة مرد ودية التعليم والتعلم أصبح يشكل هدف التعليم الرئيسي حيث لا يتم العمل إلا من اجل الامتحان محولا بذالك العملية التعليمية من عملية تكوينية إلى عملية استظهار وحفظ تسبب الإرهاق الفكري والنفسي للتلاميذ كما أن هذا الامتحان يجند وسائل وطاقات هائلة لا تتناسب مع ضآلة نتائجه كما انه يعلم الخضوع للسلطة ويرسخ الأنانية (التفوق على الآخرين ) ويساهم في تزايد ظاهرة الغش والتمايز وانعدام تكافؤ الفرص .
ومن الملاحظات التي يمكن تسجلها عند محاولات تشخيص واقع النظام التعليمي في شقه التقويمي :
أ- إن الامتحانات وتقويم مكتسبات التلاميذ تشكل المدخل الأساسي لكل الإصلاحات وهي عملية أساسية بالنسبة لمسالة تتبع ومراقبة إيقاعات سيرورة التعليم والتكوين , وفي نفس الآن هناك مفارقة واضحة بالعلاقة مع الموقع الطبيعي الذي على التقويم والامتحانات أن تحتله ضمن مجالات التجديد ودعامات التغيير في التنظيم البيداغوجي. وهكذا يمكن قراءة هذا القصور في الوثائق التربوية الإصلاحية المعتمدة سواء كان ميثاقا وطنيا أو رؤية إستراتيجية .
ب- على مستوى اثر نظام الامتحانات باختلاف أساليبه عبر الأسلاك والمستويات الدراسية تبين أن نسب الهذر المدرسي والتسرب الدراسي والتكرار من جهة ونسب التخرج من الأسلاك من جهة ثانية ضلت تجسد مشاكل حقيقية سواء لتعميم التعليم أو لتحقيق مرد وديته الداخلية والخارجية .
و ساهم هذا الوضع التقويمي المختل و المتأزم في استفحال ظواهر سلبية تمس بمبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف مخلفة تنافرا بين نظام التحصيل ونظام التقويم ومنها :
– انتشار الساعات الإضافية داخل فضاء المؤسسات وخارجها وداخل فضاء الزمن المدرسي وخارجه دون ضوابط مهنية و أخلاقية وتربوية .
– تنامي سلوك الغش في الامتحان وتطور أساليبه وأدواته , وتزايد المشجعين عليه من مواقع مختلفة مع تبريرات واهية تحمل تفسيرات اجتماعية ونفسية وثقافية .
أمام اكتساح هذه الظواهر غير التربوية يطرح من جديد مشكل «المفهوم « نفسه :فهل الامتحان هو تقويم منتظم مضبوط لتحصيل تراكمي وعمل ديداكتيكي كامل ومتكامل يحيط بكل جوانب العملية التعليمية أم أن – الامتحان هو لحظة معينة فيه بحث لتحقيق أهداف معينة تحمل كل الثقل التاريخي المدرسي لذي الممتحن ؟
لذا فإننا في حاجة إلى فهم الأهداف الحقيقية التي يرمي إليها الامتحان من طرف كل أطراف العملية التعليمية من المدرسين والمتعلمين على السواء , فالمدرسة تفتح أمام الجميع (وليصل إلى الغاية من كانت لديه « القدرات «) كما يقول جاك حلاق.
A qui profite L’école ? جاك حلاق
إننا مازلنا في حاجة إلى مواكبة مستمرة من اجل تجاوز المشاكل التي أفرزتها الأنظمة السياسية للامتحانات وتتحدد أساسا في:
أ- تحسين أدوات الامتحان انطلاقا من الاعتماد على جملة من الأساليب المقننة التي تتوفر فيها معايير الصدق validité والثبات والموضوعية والتجانس الداخلي …
ب- تحسين أنظمة التقويم والتقييم من خلال :
تحديد الأهداف والوظائف الحقيقية التي يرمي إليها التقويم أو الامتحان من قبيل وظائف : المراقبة والتشخيص – الضبط – التنبؤ –التصحيح – الدعم – الوقاية .
ربط محتوى الامتحان بهذه الأهداف المحددة ومدى درجة تحققها .
صياغة القواعد التي من شانها ضبط العناصر التي ينبغي اعتبارها عند التنقيط والعناصر التي يجب إهمالها. وهو الانطلاق من وحدات قياس دقيقة تكشف عن المطلوب و تهمل الزائد والزائل .
ج- النظر العميق في صيغ الاختبارات المختلفة وربطها مع سيرورة التعلم واعتبارها جزء لا يتجزآ من التكوين , مع عدم تركيز الاختبارات على الجوانب المعرفية الجاهزة – فقط – حتى لا يسمح بظهور ممارسات غير تربوية مثل (الغش) والاحتيال .
الغش في الامتحانات المدرسية، الجامعية والمهنية

يشكل الغش في الامتحانات المدرسية والجامعية والمهنية إحدى الاهتمامات الكبرى التي تشغل بال المسؤولين التربويين بمختلف درجات مسؤولياتهم الإدارية و التربوية , كما يؤرق ذلك بال المدرسين و جنود المراقبة التربوية المنتشرين والموزعين في كل فضاءات الإجراء الخاصة بالامتحانات والمباريات , أما الآباء والأمهات وأولياء أمور التلاميذ فيتخوفون أن يصيب لهيب الغش فلذات كبدهم, فينتهي مصيرهم إلى الضياع والمجهول أو دهاليز المحاكم .
(إذا كان الغش في الامتحانات ظاهرة قديمة , فإنها اليوم وبالأساليب والتقنيات المستعملة وكذا بالعنف الذي يلازمها أحيانا وبالكثافة والمكشوف , فقد أثبتت لنا أنها ظاهرة تتطور في الزمان والمكان وتستمد عناصرها من نقط الضعف والمجالات المفرغة التي يعاني منها نظامنا التعليمي وخاصة من زاوية الامتحانات الأكاديمية . عند حديثنا عن ظاهرة الغش لا نستحضر إلا مسطرة قانون التهديد والوعيد كما لا نوظف إلا لغة « ويل للمطففين ؟» لتتحرك بعد ذالك لجان التقصي و الإقصاء من الامتحان , ولا يدان أمامها إلا التلميذ « الغشاش « فتستغرب كيف أن كل الأطراف المشاركة والحاضرة في العملية التقويمية لا تستدعى للمداولة وإصدار الحكم ولا تستفسر فيما دون ووقع من تلك التقارير والمحاضر بعد ضبط التلميذ المتلبس «بالغش» .
الشخصية الضعيفة والوحيدة التي تدان بتهمة «الغش» ,هو التلميذ , هو وحده مصدر المتابعة والتلبس في كل المذكرات الوزارية والقوانين الزجرية المتعلقة بالغش في الامتحانات المدرسية, بل وحتى في الملتقيات والمنتديات التربوية الخاصة بموضوع التقويم والامتحانات لا نستحضر إلا ذالك التلميذ العاق للقانون , فهو مصدر الإزعاج, والعنف, والتحايل والغش واغرب ما في هذه المذكرات والقوانين أنها تذهب مباشرة إلى عقاب التلميذ بالاقتصاص والاقتطاع من حياته المدرسية من غير أن يتم التوجه إلى مكمن الداء أو على الأقل إقامة العدل في القصاص بما يحمي حق الدفاع وحق المثول أمام لجنة التقصي والبحث و تطبيق نفس المسطرة العقابية على الكل : كل الغشاشين .
جاءت المذكرة الوزارية رقم 99/3 الصادرة بتاريخ 08 مارس 1999 ووضعت اليد على الجرح لكنها عوض أن تشخص هذا الاعتلال التربوي , وتقترح سبلا تربوية, وأساليب العلاج والتوعية بمخاطر هذا الفيروس الفتاك المهدد لنظامنا التعليمي وقيمنا التربوية والاجتماعية والأخلاقية إلا أن المذكرة تحمل التلميذ وزر خطئه وطيشه حين يختار طريق « التحايل والخداع والغش « فتحيله على المجالس التأديبية وحتى المحاكم المختصة لزجر الغش ومعاقبة الغشاشين بعد أن يحرر المراقبون على الامتحانات تقارير ومحاضر يبعثون بها إلى المصالح الأكاديمية ليعرض التقرير المرفوع عن المتهم بالغش على المجلس التأديبي أو على السلطات القضائية في حالة جنحة أو جناية.
وآخر قانون صدر لمحاربة الغش ومعاقبة الغشاشين هو الظهير الشريف رقم 126/16/1الصادر في 25غشت 2016بتنفيد القانون رقم 13/02 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية وهو القانون الذي عرف بموضوع الغش ومجال التطبيق في بابه الأول, وعرض حالات التأديب في بابه الثاني وإحالة كل حالات الغش على اللجنة التأديبية و تراعي في قراراتها طبيعة الأفعال المرتكبة والمثبتة في المحاضر المحررة من قبل المشرفين على مركز الامتحان . أما الباب الثالث فخصص للعقوبات التي يمكن أن تصدر من السلطة القضائية استنادا إلى مجموعة القانون الجنائي .
رغم صدور هذين القانونين الزجريين وأعداد أخرى من المذكرات والمراسلات التحذيرية و التحسيسية إلا أن هذه الظاهرة ما تزال في نمو مطرد بل استفحل أمرها أكثر من أي وقت مضى بحيث تطورت تقنياتها وأدواتها وتفوقت على كل وسائل الرصد الموجودة بشرية كانت أو تقنية وتحدت كل الإجراءات الاحترازية وكل ألأدوات اللوجيستيكية المسخرة لمحاربة ظاهرة الغش , فبرع الهاوون والمحترفون في الغش في اختراق وسائل الرصد البشرية والتقنية وانظم إلى – جرمهم – وشغبهم أطراف آخرون يتحركون «فيسبوكيا» و أثيريا و» بلوتوتيا» و.. و.. إما تقربا من التلميذ أو انتقاما من الوضعية التعليمية . أما المتاجرون في بورصة الاستنساخ « المغشوش» فيقدمون لطالبي الخدمات المغشوشة قبل إجراء الامتحانات آخر الصيحات والموديلات من – الأحجية- البلاستيكية وغير البلاستيكية السهلة الاستعمال في كل الأمكنة والأوضاع , و أحيانا يأتي التشجيع من الآباء والأمهات والأولياء فينخرطون في مستنقع التنافس والسباق غير الشريف على حساب القيم والأخلاق وتكافؤ الفرص .
لذا ينبغي تغيير -أكثر ما يمكن- من مظاهر الزجر القمعي وجعل الامتحان مناسبة للتنافس الشريف, والتحصيل العلمي المفيد , وتحفيز التلاميذ على العمل في شروط الشفافية والوعي حتى لا يشعر التلميذ بأنه محاصر و مهمش , ومنبوذ من قبل المجتمع , وذلك يؤدي في أكثر الأحيان إلى الانحراف والعنف في مظاهره المختلفة.
إن المتأمل في الظاهرة سيدرك بسهولة أن أسباب انتشار ظاهرة الغش لا تعود فقط للتلميذ المشاكس بقدر ما تعود إلى أمور كثيرة يمكن إجمالها في :
التنشئة الاجتماعية

إن التربية هي نتاج المجتمع بثقافته ومؤسساته وقيمه بمعنى أن منتوجها , هو نسخة طبق الأصل لما وضعه المجتمع ولذا فالتلميذ ليس إلا جزءا من المجتمع ولا يمكن إلا أن يكون متأثرا به متشبعا بمواصفاته فينقل ذالك إلى مدرسته أو مؤسسته التربوية
فالمجتمع يمد التربية بكل ما يحدد منظورها وتوجهاتها, والتربية بدورها تسعى إلى ضمان استمرار هذا المجتمع من خلال تبليغ خطابه إلى الأجيال اللاحقة وان كان أن التربية أحيانا تنتج خطابا مغايرا أو مناقضا لخطاب المجتمع.
إن التلميذ يجد نفسه أمام نماذج اجتماعية – مغشوشة – وصلت إلى الرقي المادي والاجتماعي عن طريق الغش ضدا على القانون و الأخلاق, ولنا في أنواع الرشوة واستغلال النفوذ والسلطة والتسلط والمعاملات التجارية الربوية أكثر من أدلة حتى أصبحت موضوعات للتفاخر في الوسط العائلي فحملها معه إلى المؤسسة التربوية ويعمل على تمثلها أو استنساخها , مما زاد تنامي ظاهرة الغش كظاهرة اجتماعية .
ب -الأهداف التربوية
بقيت أنظمة التقويم دون أن تعرف تطورا نوعيا يغير من أساليبها وأدواتها وأهدافها إذ لا زالت تركز على الانجاز الشكلي وتخزين المعلومات وتستعمل وسائل غير ملائمة لأهدافها فتترك نصيبا كبيرا لعامل الحظ في نجاح التلاميذ ورسوبهم وتستعمل الامتحانات كوسيلة لإصدار أحكام نهائية ولا تستعمل قط للتغذية الراجعة وللمساعدة على تحسين عمليتي التعليم والتعلم ويرجع ذالك إلى هيمنة الاهتمام المؤسسي في عملية التقويم على حساب حاجات التكوين والتنمية
(لذا فالتقويم غير صالح وعدم صلاحية أساليب وأدوات التقويم التقليدية كالمقال التحريري والعرض الشفوي والتقدير الرقمي ويرجع السبب في ذالك أساسا إلى أن أهداف التعليم تبقى ضمنية عامة الشيء الذي يترتب عنه سيطرة عامل الذاتية في عملية التقويم وتدخل عامل الصدفة في نجاح وإخفاق التلاميذ ) المكي المروني – المرجع السابق
إن الاعتبار الذي يقاس في منظومتنا التربوية ليس التربية والتكوين والاندماج المجتمعي وإنما هو الاختزال المعرفي, أما تكوين المواطن الصالح فما هو إلا درس للوعظ والإرشاد ولا يردد إلا حين وقوع جنحة أو جريمة تربوية من طرف التلميذ لكن سرعان ما يتحول الخطاب التربوي إلى البحث عن الوسائل الزجرية .
إن من شان إقرار الأهداف الإدماجية من تربية على التباري الشريف وعلى حقوق الإنسان والديمقراطية وعلى قبول الآخر دون إقصائه وعلى المواطنة الحقة وإدماجها في التقويم التربوي أن تحارب ظاهرة الغش لا في التلميذ وحده ولكن في المجتمع كله
المحتويات و الطرق البيداغوجية

فيما يتعلق بالمحتويات والطرق البيداغوجية فهي تشكو من هيمنة الطابع الأكاديمي أي غلبة الثقافة النظرية العامة على حساب الدراسات التقنية والمهنية والتي تلجها أعداد قليلة جدا من التلاميذ , أما الطرق البيداغوجية فيهيمن فيها الدرس الإلقائي والكتاب المدرسي وتعتمد على تلقين المعلومات أكثر من اعتمادها على تكوين طرق التفكير ومعالجة المشاكل ذالك أنها تركز في عملية التلقين على الوقائع وعلى البنيات المعرفية للمواد.
محتويات مناهجنا التعليمية يغلب عليها الطابع النظري والكم المعرفي – ضعف الوسائل التربوية أمام هول الامتحان الموحد وأمام كم نظري هائل يتم التعامل معها بالاختزال والاستظهار والاسترجاع معتمدين على الذاكرة الحافظة الاجترار ية.
التقويم الأكاديمي

منذ الشروع في تطبيق نظام الأكاديميات سنة 1987 تحول الامتحان إلى ضغط رهيب وعمل مرهق ,حيث سلسلة متواصلة من فروض المراقبة المستمرة واختبارات الامتحانات الموحدة الوطنية و الجهوية لا تتيح للمدرس أن يؤدي دوره التربوي على الوجه الأكمل, ولا تمكن التلميذ من استيعاب المواد التي يتلقاها بشكل تدريجي , فاللحاق بمحطات الامتحانات المتعددة يتطلب من المدرس الإسراع في انجاز المقررات وفق جدولة زمنية محددة دون مراعاة مستوى التلقي , ومن التلميذ اللجوء إلى التغيب أسابيع عديدة(مبررة بالشواهد الطبية أو غير مبررة ) للتحضير للامتحان , وكل ذالك فيه إهدار للوقت وإضاعة لفرص التكوين والتلقي التربوي السليم .
إن التقويم الأكاديمي يطبق على شكل نظام القرض البنكي حيث تتم مساعدة التلميذ في السنة الأولى بكالوريا (الامتحان الجهوي )على أساس رد الدين في السنة الثانية بكالوريا بشكل ألي وحسابي صارم دون مراعاة عناصر أساسية أخرى تربوية وعلمية يمكن أن تدخل في الاعتبار النهائي – احمد اليابوري (أي تعليم ثانوي لمغرب الغد ؟)- استطلاع للرأي
إن التقويم الأكاديمي ما يزال مكرسا لمهارات الاستذكار والاسترجاع فيلجا التلميذ إلى عمليات الاجترار والتكرار وفق نماذج مستنسخة مملة, أو يرغم على ممارسة التحايل والغش متخليا بذالك عن العلم والتربية والتكوين و الأخلاق قصد الحصول على أعلى النقط واكبر المعدلات لولوج المدارس العليا والجامعات التي تفرض معدلات مرتفعة للقبول .
إن تقييم عملية التعلم هو أمر يعود إلى المدرسين خاصة لأنهم هم من يرصدون التغيرات ويعرفون مكامن الضعف ,وهم من يحسنون من شروط التعلم ,وهم من يحددون أساليب وتقنيات الدعم أو التقييم , وعندما تتم هذه العمليات في إطار تكويني و تقويمي فانه لابد وان تتيح للتلميذ بامتلاك قدرات ومهارات و كفايات تسمح له باجتياز الامتحانات في ظروف تروية وإنسانية لائقة و ملائمة .
كوابيس الامتحان : الخوف – الفشل – الألم – الإحباط

ما يزال الامتحان مصدر خوف وتهديد ومحاكمة شخصية , حيث ما يزال هدفا في حد ذاته بالنسبة للتلاميذ وللآباء و الأسر والمؤسسة التربوية والمجتمع عامة. وهذا يجعلنا نطرح تساؤلات محرقة : هل الامتحان هو أكثر أولوية من تكوين التلميذ وتأهيله لسوق الشغل ؟ هل الامتحان هو مكافأة اجتماعية للمتفوق وعقاب شخصي للمتعثر؟ من هو الضحية في الامتحان : التلميذ – المؤسسة – الأسرة- النظام الاجتماعي والأخلاقي ؟ لماذا في الامتحان تحضر العلاقة الصدامية بين المدرس (القوي بسلطته ) و التلميذ الممتحن (الموجود في الوضعية الدنيا )؟ لماذا تزداد كوابيس الامتحانات و الأحلام المزعجة خلال هذه الفترة فتزيد في إضعاف شخصية التلميذ وتدفعه بالهروب من واقعه ومحيطه , بل تكون أحيانا هذه الكوابيس المزعجة أكثر سادية رغبة في تحطيم الآخر(المدرس – المؤسسة ) أو مقاومة محيطه الصادم ؟؟؟؟.
يعيش الممتحن أجواء الامتحان وهو تحت تأثير الضغط مع إحساسه بمخاطر الفشل . انه يكون في حالة اختلال أو غير متزن , يعيش عدم استقرار نفسي لشعوره بالقلق والتوتر الناتج عن تعرضه لضغوطات اجتماعية ونفسية وإحباط وخوف من الفشل .
إن الخوف من الفشل يزيد من التوتر والتعصب , كما أن العوامل الثقافية المتوارثة ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام ,,, كلها قد تساعد في تنامي وثيرة الخوف والقلق وكذلك التنشئة الاجتماعية وأساليب المكافأة والعقاب التي يتلقاها التلميذ المراهق في حياته إما من خلال : القوانين التربوية الزجرية أو قوانين السلطة الاجتماعية الأبوية والمؤسساتية.
يقول أمبري Embree أن ازدياد التوتر و التعصب هو نوع من أنواع النرجسية أو عشق الذات . فمغالاة الأفراد في حبهم لأنفسهم أو إعجابهم بها وكل ما يماثلها أو يلوذ بها تجنح بهم إلى ضروب مختلفة من كره ومقت للآخرين الذين يختلفون عنهم .
إن العلاقات السيكو دينامية السوية بين (ألهو) و(الأنا ) و(الأنا الأعلى ) تهتز في حالة الشخصية الواقعة تحت سيطرة الضغط أو التعصب أو التوتر: فا (الأنا) هذه الشخصية الضعيفة التطور لدرجة انه يعجز عن الاستيعاب الناجح لمطالب (ألهو) و(الأنا الأعلى)ويكون ضعيفا جدا لدرجة انه لا يوائم بين دوافعه ومطالب (ألهو) بيركمان – bergmann (1994)
إن الصراع الذي يحدث بين (الأنا والانا الأعلى) أي بين تمثلاتهما الداخلية (الأب – الأستاذ – الجماعة -) يقود إلى ما يسمى بالصراع الاوديبي الذي يتميز بمشاعره المتضاربة (ازدواجية المشاعر) فالخوف من الفشل أو الإحباط أو الألم الذي يحدث خلال الصراع مع الآخر أو يحدث حين الفشل من الامتحان قد يتحول إلى عدوان أو يسبب الشعور بالكراهية تجاه الآخر (السلطة – ) كما أن هذه المشاعر تتعرض باستمرار إلى الكبت أو تتحول بسبب أن مصدر الخوف يكون قويا جدا وان العدوان ضده سيجلب العقاب آو قد يكون بسبب أن الشخص ينظر إليه باعتباره صاحب انفعالات متضاربة (خوفه من والده على الرغم من حبه له ) الدكتور احمد زايد .
عند اقتراب الامتحانات تزداد معاناة التلاميذ من كثرة القلق و الاضطراب و قلة التركيز الناجم عن الخوف من الفشل مع ارتفاع درجة الإعياء والإنهاك إلى مستوى الانهيار النفسي والجسمي والذهني , فالتلميذ ينهك كل قواه الذهنية والنفسية والعقلية والجسمية خلال المراجعة الشاملة بشكل فردي أو جماعي وفي فضاءات مختلفة (الشوارع –المقاهي – المقابر – البيوت – الحدائق – القاعات -….. )
فتزداد وتيرة الخوف والقلق والفزع والكوابيس المزعجة عند التلميذ والطالب الممتحن , أما الآباء و الأمهات وأولياء الأمور فيعانون من ضغوطات اجتماعية ونفسية , ومن تخوفات لا تمكنهم من مساعدة فلذات أكبادهم من التخفيف عليهم من هذه الكوابيس الامتحانية .
وهكذا يضاعف نظام التقويم الأكاديمي من معاناة التلاميذ وحتى الأساتذة والأطر الإدارية التربوية والآباء والأمهات وتتكرر هذه المعاناة في كل سنة خلال فترة الامتحانات فيزداد الإرهاب النفسي والقلق الذي يعيشه التلميذ من جراء هاجس البكالوريا – مثلا – و الذي ما يزال شبحا مخيفا وهاجسا مسيطرا على النشاط الدراسي للتلميذ .
هكذا لم تتغير وظيفة الامتحان رغم تغيير نظامه , فلم يتم الانتقال من الامتحان باعتباره أداة تكفل تكافؤ الفرص بين المتعلمين(كما حددته الرؤية الإستراتيجية) من خلال :
تطوير دلائل مرجعية دقيقة حسب المستويات والأسلاك للأنشطة التقييمية , سواء التشخيصية منها أو التكوينية أو الاشهادية أو المندمجة في إطار المراقبة المستمرة.
تبسيط ومعيرة آليات التقييم والدعم التربوي ضمانا لتوفر المتعلمين على حد مقبول للنجاح.
إن التقويم التربوي عليه أن يعمل على قياس مدى التقدم الحاصل في اكتساب المعارف والمهارات اللازمة لموقف تعليمي معين مع جلب الفائدة والإمتاع دون توتر أو معاناة من الأجواء القمعية , لان تامين الجو النفسي الملائم يزيح الأحلام المزعجة والكوابيس المرعبة ويخفف الضغوطات النفسية عن الممتحن ويقلل من تخوفاته وتوتراته .
*مدير ثانوية بالدشيرة الجهادية


الكاتب : ذ: محمد بادرة

  

بتاريخ : 14/05/2018