مع برهان غليون الإسلام السياسي انتهى كمشروع تاريخي 3/2

برهان غليون، مفكر سوري ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ علم الاجتماع السياسيّ في جامعة السوربون بباريس. اختير رئيسًا لأوّل مجلس وطنيّ سوريّ جمع أطياف المعارضة السوريّة بعد انطلاق الثورة السوريّة في مارس 2011.
له مؤلّفات عديدة بالعربيّة والفرنسيّة. حاصل على شهادة دكتوراه الدولة في العلوم الإنسانيّة وأخرى في علم الاجتماع السياسيّ من جامعة السوربون في باريس.

– يصنف كتاب “عطب الذات” لبرهان غليون في خانة كتب المراجعة. ماذا أراد براهان غليون ان يراجع؟ ولماذ احتل عدنان العرعور مكانا في هذه المراجعة؟
– هي مراجعة الثورة نفسها، والتامل في خياراتها وأخطائها في ما يتعلق بالمسائل الخمس الأساسية التي واجهتها: الأولى بناء الإطار السياسي لتسيق جهودها وتوحيدها، وفيه بين الكتاب أسباب إجهاض المجلس الوطني السوري وإفشاله، والثانية مسألة التدخل الأجنبي الذي دغدغ قطاعا واسعا من الرأي العام السياسي المنخرط في الثورة، والذي قسم صفوفها، والثالثة مسألة تسليح الثورة وتجاوزها الالتزام بالسلمية التي أعلنتها كما هو الحال اليوم في الانتفاضات الشعبية العربية، ثم بعد انتشار السلاح، لماذا لم ننجح في ضبط السلاح وتجاوز خطر الفصائلية وانفلات الجماعات المسلحة واختراقها من قبل جميع القوى المعادية للثورة بما فيها النظام ذاته، والرابعة مسألة اسلمة الثورة أو بالأحرى أسلمة أجندتها وتحويلها من ثورة حرية وكرامة، أي مواطنة حرة ومتساوية، إلى ثورة إسلامية تهدف إلى تمكين تيار سياسي واحد من السيطرة عليها وعلى السلطة التي ستخرج منها، أو توحي بذلك على الأقل، والخامس مسألة التحالفات الإقليمية والدولية والعلاقات مع المجتمع الدولي عموما. وهذه هي المسائل الرئيسية التي طرحتها الثورة وشكلت موضوع المراجعة التي حاولها كتاب عطب الذات. أما الفصل المكرس للشيخ العرعور فهو يقع في الجزء الذي يناقش مسألة الأسلمة وتغيير طابع ومحتوى اجندة الثورة الشعبية.
ومن المعروف ان عدنان العرعور ينتمي إلى تيار السلفية الوهابية ولعب دورا كبيرا في هذه الأسلمة والتعبئة الطائفية أو في حرف الثورة عن اتجاهها الوطني الديمقراطي الرئيسي.

– ماهو برأيكم مستقبل مشروع الإسلام السياسي في البلاد العربية؟ ما صحة الحديث عن نموذج إسلامي اطلسي؟
– انتهى الإسلام السياسي كمشروع تاريخي كما انتهت جميع المشاريع السياسية الحزبية الأخرى. ولا أعلم شيئا عن النموذج الإسلامي الأطلسي. ما أعرفه هو أن النماذج الكبرى للسلطة الإسلامية الحديثة الموعودة من قبل الإسلام السياسي قد أظهرت فسادها بالمطلق، وفي نظري كانت قمة نجاحها ثورة الولي الفقيه الإيرانية التي لا تزال تحكم دولة كبرى في المنطقة تتمتع بموارد كبيرة مادية ومعنوية.
وقد تحول حكمها إلى حكم أمبرطوري تيوقراطي يقوم، كما كان الحال في تأسيس الامبرطوريات جميعا، على الغزو وحملات الإبادة والقتل من دون رحمة لكل ما يقف في وجهه، في الداخل والخارج.
وقد كان أول ضحايا سياسة التوسع الامبرطوري الدموي، في السياق التاريخي المعاصر الشعب الإيراني ذاته ثم الشعوب العربية المحيطة به. أما التجارب الإسلامية الأقل اكتمالا كتلك التي ظهرت في أفغانستان والسودان وغيره فلم تستطع أن تقيم حكما مستقرا ولا أن توحد الشعب ولكنها قسمته بشكل أكبر وقادت إلى المزيد من الحروب والفوضى والخراب.

– هل يمكن لسوريا ان تبعد عن إيران؟
-ليس المطلوب من سورية أن تبتعد عن ايران أو أي بلد آخر، سواء كان ديمقراطيا او غير ديمقراطي، عربيا أو أجنبيا. المطلوب أن توقف ايران مشروع السيطرة والهيمنة العسكرية والسياسية والثقافية والدينية على سورية.
المطلوب وقف مشاريع الوصاية والتدخل العسكري والاحتلال واغتصاب إرادة الشعوب وحقها في اختيار الحكومات ونظم الحكم التي تمثلها وتخدم مصالحها لا أن تكون أدوات لتحقيق طموحات الدول الإقليمية أو الكبرى التوسعية والجيوستراتيجية.
وقد قلت للايرانيين عندما كنت رئيسا للمجلس الوطني إننا لا مصلحة لنا بقطع العلاقات مع ايران بل بالعكس لدينا مصالح كبيرة اقتصادية معها، لكن الحاق سورية عسكريا واستراتيجيا بطهران، حتى لو كان باسم الممانعة والمقاومة، يهدد استقرار سورية ويلغي سيادتها وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه، ويربط مصيرها بسياسات طهران، بما في ذلك فرض الحكم الأسدي عليها ضد إرادة شعبها، وفصلها عن محيطها العربي والدولي، ويبرر كما حصل اجتياحها بالميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية والأفغانية وغيرها.

– هل النخب العربية ديمقراطية؟
– لا تولد أي نخبة ديمقراطية أو بروح ديمقراطية. الديمقراطية هي ثمرة نجاح الشعوب، من خلال الثورات والانتفاضات والتظاهرات والاحتجاجات، في تدجين النخب النازعة إلى احتكار السلطة والفساد ما لم تخضع للمساءلة والمحاسبة والعقاب على الأخطاء والانحرافات، وإجبارها على احترام سيادة الشعب وإرادته. وهذا ما نحن بصدده اليوم وهو محتوى نضالات شعوبنا ومجتمعاتنا في الحقبة الراهنة وهدف الانتفاضات الشعبية التي تشهدها جميع الدول العربية.

– هل برهان غليون ” حالة فردية “؟
– برهان غليون واحد من مئات ملايين الناس الذين يمقتون الظلم ويحنون للعدالة ويحركهم الأمل بتقدم الانسان وتمكين الأفراد من العيش بكرامة وحرية في نظام يضمن المساواة والاحترام المتبادل، ويقضي على ظواهر التهميش والتمييز والإذلال في كل بقاع العالم، وفي هذه الفترة في سورية والبلاد العربية بشكل خاص.وأنا أؤمن بأن دفاعنا عن حقوق الآخرين المتساوية هو أصل الوفاء والالتزام الجماعي والاستجابة لشرف المسؤولية التي تقع على عاهل المثقف والسياسي وتعطيه قيمته الرمزية والمعنوية

– كيف يمكن برايكم حلحلة الازمة في سوريا؟ هل من وصفة تستجيب لطموحات وحاجات الانسان العربي السوري؟
– يتعلق الامر اليوم بالنسبة للسوريين بزحزحة الصخرة الكبيرة التي تقبع على صدورهم وهي صخرة الاحتلالات الأجنبية التي تستخدم الأسد دريئة وحجابا تحاول من ورائه إضفاء نوع من المشروعية على وجودها وحضورها العسكري والسياسي والاقتصادي وتحويل سورة إلى منطقة نفوذ ومنطقة تفريغ لنزاعاتها الدولية.
والتخلص من هذه الصخرة وإسقاط نظام العبودية الذي أصبح مصدر إهانة للسوريين ورمز حرمانهم من حقوقهم الطبيعية في الكرامة والحرية، تستدعيان من السوريين توحيد قواهم ورأيهم وتنظيم صفوفهم وإيجاد القاسم المشترك بينهم، أي إعادة اكتشاف هويتهم الوطنية.
وهذا ما ينبغي أن نعمل عليه ونتبنى قضيته. وهذا هو الطريق للتعافي السوري والخروج من الكارثة وتدشين معركة إعادة الإعمار واستعادة سورية هويتها ودورها في عالمها العربي وفي العالم على حد سواء.


الكاتب : حاوره: مراد بن جمعة

  

بتاريخ : 08/06/2020