“عطب الذات… وقائع ثورة لم تكتمل” كتاب يواجه فيه الدكتور “برهان غليون” بجرأة الواقع الذي وصلت إليه الثورة السورية و دون خوف أو خطوط حمراء عما تعيشه الثورة في الوقت الحالي.
“برهان غليون” من أبرز الشخصيات الوطنية السورية المعارضة من مواليد مدينة حمص 1945، وعمل أستاذا لمادة علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، ثم رئيسا لمركز دراسات الشرق المعاصر في ذات الجامعة، ثم عمل رئيساً للمجلس الوطني السوري.
حوار أجرته “بوابة سوريا” مع الدكتور “برهان غليون” للحديث عن كتابه وتطلعاته للحل في سوريا جاء فيه:
– كيف تقيم أداء القوى السياسية المتنوعة في الثورة؟ تحديداً، الإسلاميين، حزب الشعب، الناصريين، والمثقفين المستقلين؟
– لو كان لأحد هؤلاء أداء جيد لكانت مشاكل الثورة التنظيمية والسياسية والايديولوجية والإعلامية والتربوية أقل مما نعرفه الآن بكثير. النقص واضح في كل المجالات. ليس لدينا إعلام ولا برنامج ثقافي للرأي العام، ولا تنظيم للكتائب يليق بثورة قدمت حتى الآن اكثر من مئة وخمسين ألف شهيد على أقل تقدير. ونحن الآن نعيش بداية الانقسام والنزاع الايديولوجي الذي لم يكن له وجود في الثورة على الإطلاق. لا أريد أن أقول أن الهيئات السياسية كانت جميعها قاصرة ولكني أقول إنها لم تستطع ان ترتقي بتفكيرها وعملها إلى مستوى تطلعات الشعب، ولا احتياجات تنظيم شؤون الثورة وقيادتها. لذلك بقيت ثورتنا يتيمة بالفعل، لا قيادة حقيقية لها سوى إحساس شبابها الناشط والمقاتل على الأرض، وما تفجر في قلوب هؤلا من روح وطنية عارمة واحلام تحررية عميقة أصبحت مهددة اليوم بسبب انتشار العديد من مظاهر التسلق على الثورة واستخدامها من قبل المتطفلين عليها لتحقيق مآرب شخصية.
هذا ليس من باب النقد على الإطلاق. فلا أعتقد أن أي تنظيم سياسي كان بإمكانه أن يواكب ثورة من هذا النوع، أجبرها العدو على أن تطور من استراتيجياتها وتعيد تنظيم صفوفها كل يوم من دون سابق إنذار أو تفكير. فقط التنظيمات التي تعمل على الأرض قادرة على مثل هذا التكيف والتأقلم السريعين. كان من الممكن للتنظيمات السياسية أن تواكب بشكل ما الثورة لو بقيت سلمية ولم تتحول إلى ثورة مسلحة. لكن هنا يكمن اكبر التحديات.
– ساهمت بنفسك في تشكيل “هيئة التنسيق الوطنية”، وكنت أحد أهم شخصيّاتها قبل تشكيل المجلس الوطني. لم تنضم هذه الهيئة إلى المجلس الذي ترأسته حال تشكيله. تشكّل لاحقاً أيضاً المنبر الديمقراطي السوري. فشلت كل محاولات توحيد هذه الأطراف. إلامَ تعزو ذلك؟
– السبب الرئيس هو ثقافة الخوف والشك وغياب الثقة بالنفس وبالآخر. وهي من أهم ما يعيش عليه نظام الطغيان والإرهاب الذي عرفناه خلال عقود طويلة. كل فرد يشك بالآخر، ويخاف على نفسه من الخطأ وبالتالي الخسارة. لا أحد مستعد لأخذ مخاطر جدية، سواء بالنسبة لاسمه أو صورته أو الافكار التي يؤمن بها، بينما لا يمكن لعمل كبير أن يتحقق من دون القبول بحد أو آخر وأحياناً بمخاطر كبيرة. الإسلاميون يخافون من العلمانيين والعلمانيون يخافون من الإسلاميين لأدنى خلاف، والإسلاميون يخافون من إسلاميين مختلفين عنهم، والعلمانيون أيضا منقسمين إلى علمانيين معتدلين ومتطرفين. لا أحد يشعر بالراحة والثقة مع أحد. الكل يقزم الكل ونفسه معهم. في لعبة التقزيم المتبادل الجميع خاسر وهذا حال القوى السياسية السورية.
عندما قبلت أن أرأس المجلس كنت أعرف أنني سأواجه مسألة إحباط الشارع الذي ينتظر من المجلس جلب التدخل العسكري غير المحتمل. لكنني قبلت المخاطرة، واعتقدت أنني أستطيع أن أجد الطريق السالكة بين تدخل غير مطروح وسلمية مهددة بعنف غير مسبوق. لكن كان لا بد من تعاون الآخرين، وعدم استغلال الرأي العام من هذا الاتجاه أو ذاك لتوتير الموقف وكسر التوازن المنشود، والمغامرة بغرق المركب الحامل للجميع. إنما خوف البعض، وتشكك البعض الآخر، وانعدام الثقة، قضى على هذا الاحتمال، وانقسمنا على أرضية التدخل أو عدمه، وإشكالية الداخل والخارج الذي ارتبط به، وهو غير موجود وغير مطروح، خلال سنتين.
– أين يقف الدكتور برهان غليون اليوم تجاه الائتلاف الوطني، وما الذي يريده المجتمع الدولي من التحالف الأكبر للمعارضة السورية برأيك؟ هل ترى أن تخوفات البعض من توجهات الغرب ممثلاً بالثنائي شوفالييه- فورد محقة؟ وكيف يمكن للمعارضة السورية صياغة استراتيجية لمواجهة تناقص الدعم الدولي للثورة في الآونة الأخيرة؟
– الائتلاف الوطني، بعكس المجلس الوطني، لا يحلم بأن يكون قيادة للثورة. هو واجهة للعمل الدبلوماسي. هكذا تكون، وهكذا أريد له ان يكون. وقد مال بسرعة إلى وظيفته كما هو واضح بعد فترة قصيرة من تكوينه. وقد كونه المجتمع الدولي لأنه يريد مفاوضين، ولا يريد التدخل مهما حصل. ونحن قبلنا به كي نعطي ما لقيصر لقيصر. لكن الحاسم في مصير الثورة لن يكون الائتلاف ولا أصحابه وإنما المقاتلون على الأرض، على شرط أن نبلور منذ الآن استراتيجية فعالة لتوحيدهم وتنظيمهم وتمكينهم من وسائل النصر.
ومن طرفي، لم أراهن ولا ساعة على المجتمع الدولي، ولست من المغرومين به. كنت أعتقد أن من الضروري إنشاء خيمة تقينا من عداء الغرب وتآمره، لكن الرهان الرئيسي ينبغي أن يكون على العرب. وهذا واضح جداً في خط المجلس واختياراته في الفترة التي رأسته فيها، ليس من دافع قومي ولا ديني ولا أخوي او أي سبب آخر، ولكن لان أرجلهم في الفلقة معنا. ومن مصلحتهم، وأعني هنا بشكل خاص دول الخليج، التي كانت حتى الآن مصدر الدعم الأساسي في المال والسلاح، أن يتحرروا من طغيان الهيمنة الايرانية التي لا تخفي مطامعها، وأن يستفيدوا من ثورة الشعب السوري ليعيدو التوازن في العلاقات الإقليمية. قلت لهم أكثر من مرة أن هناك تقاطع في المصالح بيننا، لكننا نحن الذين نضحي بالدم، وأنتم تقدمون المساعدات، ونحن نشكركم عليها. لكن لا شيء يعادل قطرة من دماء شبابنا الذين يستشهدون، ليس دفاعاً عن حق الشعب السوري في حياة حرة كريمة فحسب، وإنما عن امنكم واستقلالكم وشرف الانسان العربي أيضاً. وأنتم مديون لهؤلاء الشباب الشجعان مهما قدمتم من مساعدات.