مغاربة العالم مكون أساسي لنموذج تنموي حقيقي

إن الحديث عن النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه عاهل البلاد ما هو إلا استكمال لمسار التنمية الذي شهده المغرب على مدى العقدين الأخيرين، والذي تم من خلاله تكثيف البرامج ذات الطابع الاجتماعي ثم الانتقال إلى مرحلة بدأت منذ 10 سنوات شهدت فيها ميلاد آلية جديدة تحت شعار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي جعلت هدفها الأسمى هو التقليص من الفوارق الاجتماعية والحد من نسب الهشاشة والفقر ثم إدماج وإشراك المواطن في المسلسل الاقتصادي. هذه التجربة التي استكملت دورتها الطبيعية وحققت جزءا مهما من أهدافها، غير أن تقارير صندوق النقد الدولي مازالت تعتبر دائما معدل نمو في حدود 4.5 في المئة بالمغرب ليس كافيا ولا يمكنه التقليص من نسبة البطالة، فالنموذج التنموي المعتمد حاليا يبقى محدودا وتم استهلاكه بشكل شبه كلي، إذ بقي قائما بالأساس على دعم الاستهلاك الداخلي كرافعة للنمو الاقتصادي، في حين مازال يعاني من صعوبات على مستوى خلق القيمة المضافة لإنتاج الثروة وتوزيعها بشكل عادل يمكن من الحد من الفوارق ومدى ملاءمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية، والقدرة على ترجمة نقاط النمو الاقتصادي على المستوى المعيشي للمواطنين مما يضمن نوعا من السلم الاجتماعي.
لقد كان ولابد أن تستمر تلك المبادرات التنموية لكن من خلال خلق نفس جديد يتم من خلاله التفكير في رزنامة حديثة مهمتها تطوير هذا المسلسل التنموي على جميع الأصعدة، أو ما أصبح يطلق عليه الجيل الثالث من البرامج التنموية المهيكلة. فمن خلال ذلك أصبح من الضروري صياغة نموذج تنموي جديد هدفه تلبية الحاجيات المجتمعية، وذلك بعدما تم فتح النقاش عن كيفية خلق الثروة للأفراد وتوزيعها توزيعا عادلا والتصنيف الإيجابي للأفراد كثروة ورأسمال لامادي من خلال اعتبار الفرد دعامة أساسية للبناء في أي مشروع تنموي أو التطور الاقتصادي للبلاد.
إن هذا النقاش يدفعنا إلى ضرورة الانفتاح على فئة مهمة من المواطنين المغاربة والذين يشكلون 10 في المئة من الساكنة داخل أرض الوطن، وهم مغاربة المهجر، هذه الشريحة التي تمتلك طاقات بشرية متنوعة المشارب قد نهلت من بلدان الاستقبال عددا من أشكال التطور والتي يمكن استغلالها كجزء أساسي في هذا البناء التنموي، وهي التي حرصت على الحفاظ على طقوس الانتماء للوطن الأم والارتباط به، ولقنت أبناءها من الجيل الثاني والثالث حب الارتباط بالوطن، فكيف لجيل كان له فضل كبير في تنمية وإعمار دول الاستقبال، ألا يساهم في هذا المشروع الوطني؟
إن مغاربة المهجر كانوا ومازالوا جزءا من الرأسمال المادي واللامادي لهذا الوطن وموردا أساسيا في إنعاش الاقتصاد الوطني، وذلك بمساهمتهم بأكثر من 7 في المئة من الناتج الداخلي الخام وتعد هاته المساهمة المورد الثاني للعملة الصعبة للبلاد.
غير أن مساهمتهم الحقيقية في هذا الورش أكبر بكثير من تلك الأرقام المادية التي قد تحتسب في مؤشرات النمو، فالكفاءات التي تزخر بها بلدان الاستقبال والتي تشكل أزيد من 7 في المئة من مغاربة العالم قد تجعلهم ثروة حقيقية في مجالات عديدة، قد تبدأ من المهن البسيطة وتصل للمهن المؤهلة للكفاءات العليا ومجالات البحث العلمي والقطاعات الحيوية هذا إلى جانب تواجدهم في بعض مواقع صنع القرار من مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقطاع المال والأعمال، والتي يجب أن تستثمر خبرتها لدعم التنمية الوطنية والدفاع عن المصالح الاستراتيجية للبلاد.
إن تقوية حضور مغاربة المهجر في الأوراش الوطنية وإشراكهم في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن يعد تقديرا وعرفانا بالدور الكبير للمغاربة القاطنين بالخارج ولمكانتهم المتميزة في دعم وتقوية النسيج الاقتصادي الوطني، وهذا قد يجعل من هذه الفئة من المواطنين قوة اقتراحية وجزءا من الرهانات الاستراتيجية والمصالح الحيوية بالنسبة للمغرب في الداخل وعلى الصعيد الدولي، هذا ويجب التركيز أيضا على ضرورة إشراك كافة القوى الحية والفعاليات والكفاءات الوطنية في إعداد هذا المشروع التنموي الجديد تفعيلا للمقاربة التشاركية المؤسسة لدستور 2011.

  • عضو المجلس الوطني

الكاتب : * خليل علا

  

بتاريخ : 08/06/2019