مغاربة فرنسا: بين غياب إمكانية دفن موتاهم بفرنسا واستحالة ترحيلهم إلى المغرب

بسبب انتشار جائحة كورونا وإقفال الحدود بين المغرب وفرنسا وباقي البلدان الإفريقية، لم يعد بإمكان المغاربة إرسال أمواتهم للدفن إلى البلد الأصلي، كما اعتادوا على ذلك سابقا بالنسبة للأغلبية الساحقة منهم، لكن المفارقة أن بعضهم لا يجد أماكن داخل المقابر الفرنسية التي لا يتوفر أغلبها على فضاءات أو مربعات خاصة بأموات المسلمين، وهو ما يجعل العائلات المغربية في وضعية جد صعبة بين الحزن والألم اللذين يرافقان فقدان أحد الاقرباء وبين الاحتفاظ بالجثمان دون دفن، وهو ما يتناقص مع العادات الإسلامية التي توصي بدفن الأموات في أسرع وقت، بالإضافة إلى عدم إمكانية إقامة طقوس العزاء لصعوبة الإجراءات، وإيجاد مكان بأحد المقابر الفرنسية خاصة بالضاحية الباريسية، بعد أن امتلأت مقبرة بوبيني لأموات المسلمين.

وبعد توقف المغرب عن استقبال موتى المغاربة المقيمين بفرنسا بسبب جائحة كورونا، أصبحت أغلب العائلات التي فقدت قريبا لها تبحث عن حل لن يكون سهلا، الشيء الذي خلق جدلا كبيرا جعل المنتخبين يقومون بتقديم بعرائض، ودفع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى التوجه إلى الرئيس الفرنسي والحكومة من أجل إيجاد حل بأسرع وقت.
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية طالب بتخصيص مربعات لمسلمي فرنسا بالمقابر الفرنسية، وحسب محمد الموساوي، رئيس هذه المؤسسة، فإن فرنسا تضم 35 ألف مقبرة تتوفر فقط على 600 مربع مخصص للمسلمين، وهو ما يصعب على العائلات إيجاد مكان لفقدائها، إضافة إلى أن 80 في المائة من المسلمين يفضلون الدفن ببلدهم الأصلي قرب أقربائهم. وبسبب هذه الوضعية الصحية التي تعيشها فرنسا اليوم فإن عائلات كثيرة لا تجد مكانا بالمقابر، خاصة في الضاحية الباريسية.
وكان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد دعا، يوم الاثنين الماضي، السلطات الفرنسية إلى إتاحة الأماكن المخصصة لدفن المسلمين المتوفين جراء وباء فيروس كورونا المستجد. وأكد المجلس «أن عدد ضحايا وباء فيروس كورونا آخذ في الارتفاع، مما يجعل الكثير من الأسر تواجه آلام الحداد وإمكانية عدم دفن موتاها وفقا لطقوسها الخاصة. واليوم، نحن نواجه أزمة خطيرة تتطلب تدخلا عاجلا من قبل السلطات العمومية»، كما توجه بتاريخ 23 مارس الماضي، بطلب «رسمي» إلى رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، من أجل إحداث فضاءات جديدة للدفن. وأكد المجلس، الذي سبق له تنبيه كلا من رئيس الوزراء إدوارد فيليب، ووزير الداخلية كريستوف كاستانير، ورئيس مجلس الشيوخ جيرارد لارشي، ورئيس جمعية رؤساء بلديات فرنسا فرانسوا باروان، حيال «ازدياد خطورة الوضع»، أن «هذا الإجراء حظي بدعم مشترك من طرف ممثلي باقي الديانات في فرنسا». وأعرب ائتلاف من المنتخبين الذين يمثلون مختلف الأحزاب السياسية الفرنسية، يوم الجمعة الماضي، عن مخاوفه حيال الخصاص في أماكن دفن المسلمين المتوفين خلال الأزمة الناجمة عن وباء فيروس كورونا المستجد.
وكتب هؤلاء المنتخبون في مقال تم نشره بجريدة لوموند «نحن، منتخبو الجمهورية المنتمون لجميع الأحزاب السياسية، نرغب في إطلاق نداء رسمي من أجل تحسيس أكبر عدد ممكن بشأن الوضعية التي تعيشها العديد من الأسر.»
وأكد الائتلاف، الذي يضم 62 منتخبا مسلما ينحدرون، على الخصوص، من البلدان المغاربية، أنه «مع إغلاق الحدود، أضحى من غير الممكن بالنسبة للأحياء، كما الأموات، عبور الحوض المتوسطي ليواروا الثرى بمرقدهم الأبدي»، مشيرا إلى أنه بالنظر إلى أن إعادة فتح الحدود لا يبدو أنها ستتم خلال أجل قريب، فإن الأمر يتعلق بـ «عناء مزدوج بالنسبة للأسر التي فقدت فردا عزيزا عليها، والتي ستحرم من دفن يفي بآخر أمنيات المتوفى».
ودعوا في هذا الصدد السلطات، على المستويين المحلي والوطني، إلى «الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي يواجهها جزء من مواطنينا»، مؤكدين على ضرورة القيام على المدى القصير بتعزيز التعاون بين المقاطعات من أجل تيسير الولوج إلى الأماكن الموجودة بعدد كبير، مع العمل على المستوى المتوسط على إحداث أماكن جديدة حيثما دعت الضرورة إلى ذلك.»
فرنسا تكتشف اليوم أن لمواطنيها المسلمين أموات في حاجة إلى أماكن دفن، وهو المشكل الذي لم يكن يطرح في السابق، فاغلبهم (حوالي 80 في المائة) كان يختار إعادة الجثامين إلى البلدان الأصلية، خاصة المغرب والجزائر، وهو ما أصبح اليوم مستحيلا بفعل إقفال الحدود.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 20/04/2020