مغرب الثلوج يفتح أبوابه لعشاق التزحلق على الجليد ورياضات الشتاء و يراهن عليه سكان المناطق الجبلية من أجل عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها

 

يعد منتجع أوكايمدن الواقع بإقليم الحوز أحد المواقع الساحرة والجذابة خلال الموسم الشتوي، لاسيما عندما ترتدي الجماعة القروية معطفها الثلجي لاستقبال الساكنة المحلية والزوار على حد سواء.
وتقع محطة أوكايمدن في قلب سلسلة جبال الأطلس الكبير على بعد مئة كيلومتر من مراكش، وتساهم في تنويع العرض السياحي المحلي، لاسيما بالنسبة لرواد التزحلق على الجليد، أو أولئك الذين يبحثون عن مناظر طبيعية خلابة للاستجمام والترفيه.
وبعيدا عن ممارسة رياضة التزحلق على الجليد ورياضات الشتاء، تتيح أوكايمدن سلسلة من الأنشطة الأخرى (المشي على الأقدام، صيد الأسماك، اكتشاف نقوش صخرية)، كما تعد أحد أعلى المحطات للتزحلق بشمال إفريقيا وملاذا لعشاق الرياضات الشتوية.
ويتوفر هذا الموقع على مؤهلات كبيرة “غير مستغلة”، لاسيما خارج فترات تساقط الثلوج، ينضاف إليها ضعف الإقبال المسجل خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الظرفية الاستثنائية الناجمة عن كوفيد-19، وسط آمال من الساكنة المحلية والزوار في مستقبل قريب وأفضل. وفي اتجاه الطريق المؤدية إلى محطة أوكايمدن، ينتصب سد لعناصر للدرك الملكي التي تسهر، رغم برود الأجواء وقساوتها، على تنظيم السير والتثبت من توفر الزوار على رخصة استثنائية وكذا التأكد من عدم إعاقة الثلوج الولوج نحو محطة أوكايمدن على امتداد 12 كيلومترا.
ولا يتردد أبطال الواجب الوطني في تحسيس وتنبيه المواطنين الراغبين في الصعود إلى محطة أوكايمدن، إزاء ضرورة أخذ الحيطة والحذر، مع تذكيرهم عند حلولهم بعين المكان، بأهمية التقيد بالتدابير الوقائية المعتمدة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19). ورصدت عدسة القناة التلفزية لوكالة المغرب العربي للأنباء (م24)، على امتداد الطريق المؤدية لأوكايمدن، سلسلة من المناظر الخلابة والألوان الزاهية، وقرى في أعالي الجبال، وعيون وأشجار مغطاة بالثلوج، تحت سماء قليلة السحب إلى غائمة، تعطي للمتأمل نظرة عن أصالة وغنى الطبيعة المغربية. ومع الاقتراب إلى المحطة، يسود صمت فريد في قلب طبيعة مضيافة وخلابة، يكسره في بعض الأحيان صوت بعض منابع المياه أو نداء للساكنة المحلية مرحبة بالزوار أو بسمة تلقائية على محيا الأطفال الصغار الذين لا يترددون في تحية المارة، في مشهد يجسد لبساطة الساكنة المحلية وحفاوة استقبالها وكرمها وحبها للآخر. وعند الوصول إلى المحطة، يبدو المشهد جميلا وجذابا، لاسيما إذا تزامن مع التساقطات الثلجية التي يصل سمكها إلى 30 سنتمترا، معبأة الوسائل اللوجستيكية للمصالح الجماعية لتسهيل توقف السيارات وإزاحة الثلوج عن المسار المخصص للراجلين.
ويتواجد بالمحطة مدربون يشرفون على تلقين أبجديات التزحلق على الجليد للزوار، وكذا مكتري أدوات التزحلق والباعة الجائلين الباحثين عن زبناء محتملين، بهدف توفير قوتهم اليومي خاصة في ظل هذه الظرفية الصعبة بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19. وتتواجد بالمحطة أيضا، مقاهي صغيرة ومطاعم تتيح للزوار، بعد حصة من التزحلق، تذوق أطباق تضم على الخصوص، الطاجين التقليدي المطهي على الفحم والمحضر بلحوم حمراء أو بيضاء وخضر محلية طازجة، أو طبق مشويات مقدمة مع الشاي. وفي هذا الصدد، عبر مسير أحد المقاهي بأوكايمدن، مصطفى آيت علي، عن فرحه بعودة الثلوج لهذه المحطة الواقعة على ارتفاع 2275 متر، مشيرا إلى أن هذا الموقع الجميل يحتاج، أكثر من أي وقت مضى إلى اهتمام خاص من لدن مختلف الفاعلين.
وأشاد آيت علي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بالجهود المبذولة من قبل مختلف المتدخلين للتخفيف من تداعيات الأزمة الصحية وتمكين الموقع من استعاد ديناميته وجاذبيته، معبرا عن أمله في قرب انتهاء الجائحة واستعادة أوكايمدن لرونقها السابق وتمكن الساكنة المحلية من تحسين مداخيلها بعد سنة صعبة. بدوره، أكد الفاعل الجمعوي ومدرب في التزحلق، علي آيت الحاج، على الجليد بأوكايمدن، أن التساقطات الثلجية الأخيرة على مستوى المحطة خلفت حالة من الفرح والرضا لدى الساكنة المحلية التي تعلق آمالا كبيرة على عودة الحياة إلى طبيعتها في هذا الموقع، بعد إطلاق عملية التلقيح. ونوه آيت الحاج، في تصريح مماثل، بالجهود المبذولة من قبل السلطات الإقليمية قصد صون سلامة الساكنة المحلية إزاء مخاطر موجة البرد، داعيا سائقي السيارات المترددين على أوكايمدن إلى توخي الحيطة والحذر واحترام قانون السير.
أزيلال: بعد أعالي الجبال

بعد تكسيتها لمرتفعات وجبال إقليم أزيلال، أرخت الثلوج خلال الأيام الأخيرة رداءها الأبيض الساحر على وسط المدينة، في مشهد طبيعي أخاذ لم يحدث منذ سنوات.
ويتراوح ارتفاع الثلوج التي تغطي طرق المدينة حاليا ما بين عشرين وثلاثين سنتيمترا حسب معطيات لقسم التجهيز والبيئة بعمالة بإقليم أزيلال.
هذا المشهد غير المألوف ل40 ألف نسمة من ساكنة الإقليم الصغير المنتصب بين ملتقى جبال الأطلس المتوسط والأطلس الكبير، أضفى حالة من البهجة والسرور على الجموع التي حجت لمشاهدة التمثال الشهير للديناصور الذي أقيم بساحة بين البروج وسط المدينة وقد غطته رقاقات الثلوج بعد ليال من التساقطات الثلجية التي انخفضت خلالها درجات الحرارة إلى ناقص 8 درجات وفي بعض الليالي أكثر بينما لا تتجاوز في النهار ال 7 درجات.
وبينما ارتدت المدينة معطفا أبيض جميلا توزع الأطفال على جنبات حديقة 20 غشت لتزيين رجال الثلج قبل اختفاء رقائق الجليد في مشهد نادر حدث لآخر مرة سنة 2016 عندما اجتاح الثلج المدينة بأكملها والطرق والأرصفة والمنازل.
كما قاومت الأسر برودة الطقس وخرجت الى الغابات المحيطة بالمدينة رفقة أطفالها لتمكينهم من فسحة للعب والتزلج والفرح في هذه الأجواء غير المألوفة. وفي هذا السياق قامت السلطات المحلية بالإقليم في وقت مبكر بإخلاء الطرق وتعبئة العديد من الآليات، (كاسحات الثلج وجرافات وآلات تسوية وشحن…)، التي تتحرك جيئة وذهابا لإزالة الجليد أو منع تكونه من جديد بين شوارع وأقة المدينة والطرق المؤدية للإدارات والمرافق العمومية.
كما قامت السلطات بإقليم أزيلال بتعبئة العديد من العناصر بتعاون مع المديرية الإقليمية للتجهيز من أجل تأمين المحاور الطرقية وإزالة الثلوج من على الأرصفة والطرق التي يستخدمها الراجلون الذين يأتون للاستمتاع واكتشاف المناظر الطبيعية الجديدة للمدينة.
وأحيت هذه الثلوج آمال المواطنين في موسم فلاحي جيد وملء السدود الرئيسية بالمنطقة، خصوصا سد بين الويدان ، الذي بالكاد يصل معدل ملئه حاليا إلى 22.1 في المئة.
وخارج مدينة أزيلال تواصل السلطات المحلية اليوم الجمعة فك العزلة عن المناطق النائية والمرتفعات بالإقليم.
فعلى طول الطريق المؤدي من أزيلال نحو كل من آيت بوكماز وزاوية أحنصال إلى أعالي جبال تلوكيت وامسفران وآيت امحمد وغيرها، عززت السلطات المحلية تدخلاتها. وهكذا نشرت مديرية التجهيز 54 كاسحة ثلوج على طول هذه المحاور الطرقية، متقدمة نحو بلدات عزلتها الثلوج التي وصل علوها لأزيد من متر، وهي العملية التي ما تزال متواصلة اليوم بفضل الجهود الكبيرة والتعبئة العامة لجميع المصالح المعنية.
كما كثفت المديرية الإقليمية للتجهيز ببني ملال من عمليات إزالة الثلوج التي طالت مساحة إجمالية من نحو 9300 كيلومتر عقب التساقطات الثلجية التي شهدتها المنطقة مؤخرا.
وإضافة لفك العزلة وفتح الطرقات المغلقة تعزز السلطات المحلية تدخلاتها الميدانية في مختلف البلدات المعزولة من أجل تقديم الدعم والمساعدات الضرورية الأساسية للمواطنين وتخفيف حدة هذه الظروف المناخية الصعبة.

تاغبالوت: نسمة هواء عليل

اكتسى منتجع تاغبالوت بالقصيبة حلة بيضاء بعد تساقطات ثلجية كثيفة لأول مرة منذ 2018، ما أحيى الآمال وأعاد البسمة للساكنة المحلية والتجار والفلاحين.
وبلغ سمك الثلوج مستويات معتبرة بهذا المنتجع، وأغلقت الطريق الرابطة بينه وبين القرى المجاورة في اتجاه عمق جبال الأطلس المتوسط على غرار عدد من البلدات بجهة بني ملال خنيفرة عموما والتي استعادت بعد سنوات عجاف رداءها الأبيض الخلاب.
ويعد منتجع تاغبالوت الذي يعني بالأمازيغية عين الماء الزلال، واحدا من أجمل المنتجعات الشتوية والصيفية بإقليم بني ملال، ووجهة بامتياز للسياحة الجبلية.
فموقعه المتميز وسط غابات الأرز والعرعار والسنديان محاطا بمجاري مياه متدفقة من سلاسل الأطلس المتوسط المجاورة جعل منه منذ عشرات السنين أحد أبرز المصطافات بإقليم بني ملال.
وأضفت الثلوج على المنتجع رونقا بديعا زادت مناظره الطبيعية الخلابة سحرا وجمالا، وخرجت الساكنة في أجواء عائلية للاستمتاع بالمناظر الأولى للتساقطات الثلجية، فيما استعادت المحال التجارية أنشطتها فرغم الأجواء الباردة أصبحت المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية وجهة مفضلة للزوار.
وقامت فرق التدخل المختصة يوم أمس الثلاثاء بفتح عدد من المحاور الطرقية بالمنطقة أبرزها الطريق الجهوية رقم 317 الرابطة بين القصيبة وإملشيل.
واستبشرت ساكنة المنطقة خصوصا وجهة بني ملال خنيفرة عموما خيرا بالأمطار والثلوج التي تهاطلت خلال الأيام الأخيرة، والتي جاءت في وقت مناسب، مما كان لها وقع إيجابي في نفوس الساكنة عامة والفلاحين خاصة.
أمطار وثلوج ستكون لها من دون شك فوائد جمة على الغطاء النباتي والفرشات المائية وبالخصوص إنعاش حقينة السدود بالجهة التي ما تزال حاليا في أدنى مستوياتها إذ لا تتجاوز 24ر16 في المائة بعد أن أنهكتها سنتان متتاليتين من الجفاف.
وأحيت هذه التساقطات الحركية التجارية، هكذا تذوق العديد من أصحاب المطاعم والمقاهي أفراح الثلج بينما اكتست تاغبالوت والقصيبة معطفهما الأبيض، وعلت فرحة الشتاء أوجه الجميع في هذه البلدة الصغيرة (القصيبة) التي يبلغ عدد سكانها 20 ألف نسمة ويعتمد اقتصادها جزئيا على الأنشطة الزراعية وتربية المواشي بالإضافة إلى القطاع الغابوي.
والقصيبة التي تقع على 1200 متر فوق مستوى سطح البحر، غنية بمجالها الأخضر خصوصا أشجار البلوط والعرعار، وتسمح أراضيها الحرجية للعديد من السكان والصناعيين في المدينة بتحقيق مداخيل هامة وخلق وظائف في الأنشطة المتعلقة بإنتاج حطب التدفئة والفحم والأخشاب الصناعية.
ومن ثمة الأهمية التي يكتسيها هطول الأمطار والثلوج بالنسبة لقطاع الغابات والمراعي في هذه المدينة الجبلية.
وبالنسبة لبشير. ج ، صاحب مقهى في تاغبلوت، فالثلج مرادف للازدهار والصحة الاقتصادية الجيدة للمنتجع، متأسفا لتغير لظروف المناخية خلال العقود الأخيرة، إذ لم تعد رقاقات الثلج تنزل الا لماما في هذه المنطقة.
ويضيف أن الأنشطة الاقتصادية والتجارية بالمنتجع تشهد زيادة كبيرة خلال فترة الشتاء خصوصا مع هطل الثلوج حيث تستقطب البلدة سياحا من مختلف مدن المغرب.
وبالنسبة لأمين بلعربي، الكساب بالمنطقة فيعتبر الثلج مصدرا مهما لتطوير الثروة الحيوانية فبعد ذوبانه تنتعش المراعي والحقول وتتعزز الفرشة المائية والوديان بالمياه العذبة لفائدة الأنشطة الزراعية التقليدية بالمنطقة كالحبوب والفواكه والخضروات.
ويحقق النشاط الفلاحي بجهة بني ملال-خنيفرة رقم معاملات يبلغ 12 مليار درهم ، وقيمة فلاحية مضافة تبلغ 9 مليارات درهم ونحو 32 مليون يوم عمل للساكنة المحلية.
وتساهم بلدة القصيبة في هذه القيمة المضافة من خلال عدة قطاعات إنتاجية أبرزها تربية المواشي والخضروات والزيتون والحوامض والقطاع الغابوي.


الكاتب : سمير لطفي - نعمان لعبيدي / عبد الرزاق طريبق

  

بتاريخ : 18/01/2021