مغرب المجاعات والأوبئة بولقطيب يؤكد أن السلطات كانت تستغل الظاهرة لتمرير خطابها بابتعاد العامة عن الدين 20

لازمت الأوبئة كظاهرة اجتماعية مرضية وضرورة حتمية واقتران استثنائي بتاريخ المغرب، فاختلفت طبيعة العدوى الوبائية، وتنوعت أعراضها ودرجة حدتها واتساع رقعة انتشارها ومخلفاتها البشرية، بسبب الجفاف المتواصل والجذب
الحاد والقحط الشديد.
فمنذ قرون عديدة، وكلمة “الوباء” أو “الطاعون” أو “الجائحة” تثير الرّعب في الناس، تقشعر لها الأبدان، وتضيق أمامها النفوس؛ لأنها، ببساطة، صارت في ذهنية المغاربة مرادفًا لفقدان الأهل وللخوف الرّهيب من الموت، إذ تكفي الإصابة به ليَعدّ المصاب نفسه ممن سيلتحقون بطوابير الموتى الملتحقين زمرا إلى العالم الأخروي. هذه النّظرية التي جاء العلم ليفندها ويثبت أنه يمكن التّشافي من الطاعون والعيش بعده طويلًا لنقل الحكايات عنه لمن لم يعرفوه أو يدركوه.
في هذه الحلقات نرصدبرفقتكم محطات من “اوبئة” ضربت بلاد المغرب، فخلفت ضحايا في الخلف من إنس وحيوان.

 

ويؤكد مصطفى شاكيريأن البياض يوضح أن “تركيز المنجمين على عناصر المناخ في حدوث الاضطرابات والفناء بالطوفان يجد تفسيره في توظيف المسبقات والتمثلات الدينية محاكاة للمقدس في تطهير الأرض من المدنس، لاسيما أن العواصف والرياح ارتبطت في مخيال الناس الديني بعلامات الساعة والبعث”.
في سياق متصل، أورد رابحي رضوان، باحث مغربي، من خلال قراءته لكتاب محمد حقّي، الصادر بعنوان “الموقف من المرض في المغرب والأندلس في العصر الوسيط”، أن تفسيرات المرض تتعدد بين أهل التخصص (الأطباء) التي غلب عليها الطابع العلمي والواقعي، وتفسيرات “العامّة” التي زاوجت بين التفسيرات المادية الحسية، وبين الأسطورية التي ارتبطت بالفكر الصوفي.
وتابع الباحث عينه، في مقال له بعنوان “المغاربة والأندلسيون في مواجهة المرض”، منشور في مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، أنه “يتمّ ربط الأمراض بالقوى الغيبية، ولاسيّما الجن والسحر، والإصابة بالعين، حيث يظهر من خلال الدراسة أن المجتمع المغربي كان عرضة لصراع بين الاتجاهين «المادي والغيبي»، وقد أسهم تزايد أدوار الصوفية ابتداءً من القرن السادس الهجري (12م) في ترجيح كفّة التيار الأخير”.
ويضيف شاكيري بأن الفقيد الحسين بولقطيبيعود إلى الحديث عن الكوارث الطبيعية من منظور السلطة، مبرزا أن “السلطة الموحدية نفسها كانت تستغل حلول الأوبئة والكوارث الطبيعية لتمرير أفكارها الداعية إلى الخضوع لمنطقها، وترسيخ فكرة علاقة تلك الأوبئة والكوارث بالخروج عن تعاليم الدين”.
وزاد الأكاديمي عينه: “من اللافت للانتباه أن الدولة غالبا ما تلجأ إلى تبني هذا التفسير في اللحظات العصيبة من حياتها، أي عندما تكثر الفتن، ويظهر الثوار والمنتهزون. ونجد مصداقا لهذه الفكرة في الرسالة التي وجهها الخليفة الموحدي يوسف المستنصر عام 1220 ميلادية إلى كافة سكان الإمبراطورية لحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
ويذهب عبد الهادي البياض في المنحى عينه، موردا أن “أجهزة المخزن ساهمت في تغذية العقلية السحرية التنجيمية، من خلال تقريب المنجمين حرصا على معرفة أسرار الغيب، وكشف الطالع، وقراءة “القرانات”، إذ قلّما كان يخلو مجلس أمير أو خليفة من منجّم أو زاجر، أو راصد يزعم الإخبار بسعد أو نحس القابل من الأيام”.يؤكدشاكيري
لم تكن السلطة هي المستفيدة الوحيدة على صعيد الفكر والخطاب من قسوة المجال على الفئات المستضعفة، حسب بولقطيب، بل إن كوارث القحط، وما ينتج عنها عادة من أمراض وأوبئة، أضفت شرعية سياسية ودينية واجتماعية على تيار اجتماعي كان ما يزال يبحث له عن موطئ قدم داخل الخريطة الدينية والسياسية. ويعني به الكاتب تيار الأولياء والصلحاء، حيث تدخلوا لمناصرة الشرائح الاجتماعية المتدنية من الناحية السياسية، هادفين من وراء ذلك إلى إظهار فشل السياسة الاجتماعية للدولة.
ويؤكد البياض أن “الصعوبات التي واجهت إنسان العدوتين (المغرب والأندلس) في الحقبة المبحوث فيها أملت عليه ردود فعل يكتنفها الاضطراب والارتباك، فهيمن على تفكيره هاجس الخلاص من ضغطها بأي وسيلة متاحة، وتحقيق الحد الأدنى للأمن بمفهومه العام، وخاصة ما يتعلق منه بالغذاء والاستقرار المادي والنفسي؛ فكان طبيعيا أن ينساق مع كل صيحة رامت تلبية حاجياته مهما كانت خرافية”.
ومن المعتقدات الدفينة التي تمثل انعكاسا لدور الكوارث الطبيعية في حياة إنسان العدوتين، تبعا له، جزمه بـ”تأثير نجم سهيل في حدوث الفيضانات وموت الحيوانات ووقوع الأمراض والأوبئة”، مستدركا: “إذا كانت الكوارث الطبيعية ألقت بشرائح واسعة من العوام في دوامة الممارسات السحرية الخرافية العارية من كل منطق علمي، فإنه ليس من الإنصاف حصر هذه الذهنية في صفوف هذه الشريحة فقط؛ وإنما استأثر بها الخاصة من المثقفين والخلفاء والوزراء والولاة والعلماء، حيث أحاطوا ممارساتهم التنجيمية بسرية تامة». يختمشاكيري بحثه حول الاوبئة في مغرب الوسيط .


الكاتب : إعداد مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 24/03/2025