مفاتيح ديوان «Reniements» للشاعر سعيد عاهد تحت مجهر النقاد بمدينة الجديدة

الذات الشاعرة لسعيد عاهد
أو حين ينكر الشاعر….قبيلته

 

احتضن المركب الثقافي عبد الحق القادري بمدينة الجديدة، يوم السبت 4 أكتوبر 2025، حفل تقديم وتوقيع ديوان الكاتب والشاعر المغربي سعيد عاهد «Reniements»، وهو الكتاب الشعري الذي صدر ضمن منشورات « بيت الشعر» في المغرب. اللقاء كان من تنظيم جمعية فضاء الحوار للثقافة والتراث وصالون مازاغان للثقافة والفن، بتنسيق مع مؤسسة عبد الواحد القادري.
اللقاء شارك فيه كل من الناقد محمد أيت الرامي الذي كتب تقديم هذا العمل الشعري والناقدين، عبد الرحمان أجبور ونور الدين الزويتني، وقدم فعاليات هذا اللقاء الفنان التشكيلي عبد الله بلعباس الذي تتصدر إحدى لوحاته غلاف هذا الكتاب الشعري الذي يعد الرابع في المسيرة الشعرية لسعيد عاهد بعد كل من دواوين: «Un semblant de déraison » / « Rien… ou presque »/ «Résidus d’un autoportrait ».
وحول هذا الإصدار الشعري، كتب الدكتور والناقد محمد أيت الرامي: «إن قراءة هذا الديوان تمنح القارئ الدهشة والمتعة، وهما سمتان تمنحهما السلاسةُ التي تميز هذا العمل الشعري القارئ دون أن تسلبه حق تأويل المعاني. ولعل سلاسة القراءة راجعة إلى المعجم الذي يمتح من مضمون شعري يبدو ظاهريا بسيطا، ولكنه محكم الصنعة في بناء الدلالة، والتأسيس للمعاني».
ويضيف أستاذ التعليم العالي للأدب الفرنسي في كتابته حول هذا العمل: « تنظم الذات موضوعات النصوص الشعرية، وتجذبها إليها، حيث تعتلي «الأنا»، وتصبح مدارا لجذب الوجود. وفي هذه اللحظة تتكسر العلاقة بين «الذات» و»ذاتها»، وقد يتبادلان الأدوار في حركة فعل ورد فعل. تبنى الحركة الشعرية على خلخلة العلاقة بين الذات و»العشيرة»، بين الذات و»الماضي الهارب»…وفي خضم هذا الصراع تتنازع «الذات الشاعرة» مع «الذات الوجودية المتأمّلَة»، هذه الأخيرة قد تبدو في حال من التعالي والتسامي. وما أن تُبنى صورة للذات بخطوط بارزة، أو بلمسات خفيفة تمتحُ من أمكنة ولحظات فارقة، مستلّة من الطفولة واليفاعة ومدينة الجديدة في حالاتها المختلفة… حتى تهدمَ هذه الصورة بسرعة…».
من جهته اعتبر الناقد نور الدين الزويتني، خلال لقاء التقديم، بأن من أهم مفاتيح الديوان الجديد لسعيد عاهد ، الارتكازعلى بنية الإنكار والحنين كقطبين تجتذبان ذات الشاعر.
الإنكار كتوتر داخلي بين ما هو موجود وما هو مرغوب فيه، توتر يكشف عن هشاشة الإنسان أمام قسوة الواقع والحقيقة، لكنه في نفس الوقت يدل على قوة خفية في داخل الانسان قوة الرغبة والقدرة على إعادة تشكيل المعنى…ينظر الى الحنين كأحد تجليات الوعي الزمني، وإدراك الانسان انفصاله عن زمن مضى، ورغبته في استعادته أو التماهي معه فهو بذلك تعبر عن التوتر بين الكينونة والزمن..
ويضيف الناقد والمترجم والشاعر الزويتني بأن من أبرز الفلاسفة الذي تأملوا في الظاهرة/ظاهرة الحنين، مارتن هايدغر الذي اعتبر الحنين يعكس قلق الانسان الوجودي. فهو يعيش في الزمن الحاضر لكنه مشدود إلى الزمن الذي كان، مما يخلق شعورا بالغربة …في حين ناقش بول ريكور الحنين كجزء من الذاكرة السردية حيث يعيد الانسان من خلالها بناء ماضيه ليمنح حياته معنى .ليخلص الناقد نور الدين الزويتني إلى القول: «يمكن القول أن بنية التوتر بين الإنكار والحنين في الديوان تعني أن الحنين ليس استسلاما للماضي بل اعترافا بجمال مضى، حتى لو كان ناقصا ومؤلما، كما أن الإنكار ليس قسوة على الماضي والقوم والقبيلة بل محاولة لفهم الذات خارج القوالب الجاهزة، وشعور الشاعر بكليهما في آن واحد كما نرى في الديوان أي أنه كيان حي يتفاعل مع ذاته ومع العالم بصدق، وهذا التفاعل هو جوهر الحياة الداخلية الغنية، التي لا تقاس باليقين بل بالقدرة على احتضان التوتر والتناقصات».
من جهته قرأ الناقد عبد الرحمان أجبور، عضو مختبر الأبحاث والدراسات حول البين -ثقافي بمدينة الجديدة، العمل الجديد للشاعر سعيد عاهد، من خلال مقاربة أربعة أوجه اعتبرها أساسية في مختلف نصوصه الشعرية بالمجموعة، مؤكدا على فكرة أن العنوان «إنكارات» «يكشف لنا عن أربعة أوجه بمثابة أربعة مفاتيح أساسية لقراءة هذا العمل الذي ارى أن التوجه الشعري داخله هو استمرارية للنصوص الشعرية المنشورة سابقا للشاعر..
المفتاح الأول يدور حول مسألة النفي، حيث يحاول الشاعر نفي/ وإنكار أي مصدر أو انتماء، للدرجة التي يحاول فيها إنكار الكيان الذي أوجده.
المفتاح الثاني، يكشف عن نوع من الخيانة التي يمكن أن ندركها من خلال فعل الإنكار، الأمر الذي تحدث عنه بقية المتدخلين خلال هذه الجلسة النقدية لتقديم العمل، من خلال استحضار الأثر الخلفي البودليري في شعر سعيد عاهد في هذه المجموعة، خاصة قصيدة بودلير الشهيرة Le Reniement de saint Pierre، أكثر من هذا يمكنني القول إنه بإمكاننا قراءة نصوص هذه المجموعة من خلال استدعاء إنكارات رامبو، لأن هذه الفكرة تتكرر أيضا لدى ارثر رامبو في أشعاره.
المفتاح الثالث لقراءة هذا العمل له علاقة قوية بفكرة الرفض، إلى الحد الذي نرى أن الشاعر يتبنى موقف من يتحدث عن الإنكار إلى حد الرفض… فمن جهة هو مرفوض من القبيلة ومن جهة أخرى يرفض هو نفسه هذه القبيلة، فالشاعر هنا يتحول لشخص لا جنسية له، وضعية الرفض هذه تحيلنا أيضا على مفهوم الشاعر المنفي.
المفتاح الرابع والأخير في هذه القراءة المختصرة للمجموعة الجديدة للشاعر هو القلق، فهناك نوع من القلق لدى الشاعر يجعل كلماته أو لفتته الإنكارية مرتبطة بطريقة وجود، وهذا ما نجده في النص الشعري الموجود في الصفحة رقم 8 من المجموعة .
ويمكننا أن نستنتج أن الكيان الشعري بأكمله لهذه المجموعة يندرج ضمن فترة زمنية انتقالية، وأن القارئ يمتلك الحق في التفكير ووضع الفرضيات، باعتبار أن الإنكار هو جزء من استمرارية وواقع مستقبلي.
جدير بالذكر أن الشاعر سعيد عاهد صاحب العديد من الإصدرات المتنوعة والمكتوبة بالعربية والفرنسية معا، يتجاوز اهتمامه الشعر إلى الترجمة والاهتمام بالبحث والتاريخ المغربي، من أهم كتبه المنشورة نذكر: « الجريمة والعقاب في مغرب القرن 16»، « الفتان بوحمارة»، «إضافة للعديد من الترجمات آخرها « طعم المربيات»، «خياطو السلطان» و»كاتارسيس» وغيرها من الأعمال، في حين صدرت له حتى الساعة أربعة مجاميع شعرية باللغة الفرنسية. ينتقل الكاتب سعيد عاهد بسهولة بين الكتابة بالفرنسية والعربية، لكنه رغم ذلك غالبا ما يقف مترددا أمام ترجمة نصوصه الشعرية من الفرنسية إلى العربية، بعيد عن الأضواء لكن جديده الإبداعي يعلن عن صاحبه الذي يشتغل بكل ثقة وهدوء. اشتغل بالإعلام طوال الأربعين سنة الماضية، في مسار مهني حافل، بترأسه لعدد من المناصب داخل جريدة الاتحاد الاشتراكي وإشرافه على الملحق الثقافي لهذه الجريدة العريقة.


الكاتب : الجديدة: ليلى بارع

  

بتاريخ : 11/10/2025