مكتبات متنقلة في صنعاء للهروب من رائحة البارود والفقر

تشجع مجموعة من الشباب اليمنيين أن العاصمة صنعاء الغارقة في ويلات الحروب والأزمات، على قراءة الكتب في مكتبات متنقلة، مما يوفر لهم متنفسا، بعيدا من النزاعات والأوضاع الاقتصادية السيئة.
وتتمثل الفكرة في حث اليمنيين على قراءة الكتب التي يمكنهم استعارتها مجانا، ضمن مبادرة تعتمد على تبر عات بسيطة ونادرة.
ووضع القائمون على مبادرة “اليمن تقرأ” خمسة أكشاك للمطالعة في أماكن عامة في صنعاء الخارجة منذ 2014 عن سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، ومن بينها مركز تجاري.
وتعود فكرتها إلى عام 2013 قبل سنة من سيطرة الحوثيين على العاصمة، ولكن تم وقفها بعدما فر القائمون عليها من المدينة خوفا من الحرب.
لكن الشاب فوزي الغويدي (30 عاما) أعاد مع أربعة من أصدقائه إطلاق الفكرة في 2019 وحصلوا على إذن من السلطات الحاكمة في صنعاء.
ويصف الغويدي الفكرة بأنها “شمعة في الظلام”.
وقال لوكالة فرانس برس “عند توزيع أكشاك الكتب، نجعل الناس تشعر أن الحياة مستمرة في اليمن”.
ويشهد البلد الفقير منذ أكثر من ست سنوات حربا بين الحوثيين المدعومين من إيران، والقوات الموالية لحكومة الرئيس المعترف به عبد ربه منصور هادي. وتصاعدت الحرب مع تدخل تحالف بقيادة السعودية لدعم الحكومة في مارس 2015.
وأسفر النزاع عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص غالبيتهم من المدنيين، بينما غرقت البلاد وخصوصا العاصمة صنعاء في أزمات اقتصادية وصحية وتعليمية متتالية.
وفي السابق، كانت صنعاء بمثابة المركز الثقافي لليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، وقد اشتهرت بمدارسها وعلمائها.
بحسب الشاب محمد مهدي (32 عاما)، فإن “رائحة البارود تعم أرجاء الوطن، وتأتي هذه الأكشاك لتعيد لنا الحياة”، مشيرا إلى أن الفكرة “جميلة في بلاد لم تعد القراءة فيها من أولويات المواطن”.
ويضيف مهدي أن “الصدفة” قادته إلى أكشاك الكتب، وبدأ باستعارتها وإعادتها بعد الانتهاء من قراءتها.
وتمكنت الجمعية من تأمين نحو خمسة آلاف كتاب، وتتطلع إلى توفير عشرة أكشاك في العاصمة، بحسب الغويدي الذي يشير مع ذلك إلى أن المهمة ليست سهلة بسبب صعوبة جمع التبرعات خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها اليمن.
وتزايدت معدلات الفقير في صنعاء في السنوات الأخيرة بسبب الحرب، ما ضاعف أعداد المتسولين والعائلات غير القادرة على العيش من دون مساعدة من إحدى المنظمات.
كذلك وضعت الحرب مئات المدارس خارج الخدمة وأبقت ملايين الاطفال من دون تعليم.
ويقول الغويدي إن “المعوق الأساسي الذي واجهنا وهو الدعم. أينما تذهب وتطلب الدعم للكتب يقول لك الناس إن دعم الإغاثة افضل من دعم الثقافة لأن البلاد تواجه مجاعة”.
وتتجنب الجمعية قبول الكتب الدينية والكتب السياسية لأنها وفقا للغويدي “تثير المشاكل في ظل الحرب التي تشهدها البلاد والحالة الاقتصادية التي تعيشها”.
وتابع “نراهن على أن القراءة هي للتنفس، للخروج من الحالة التي يعيشها المواطن” من حرب وغيرها.
وغالبا ما تأتي الطالبة الجامعية فاطمة الكثيري (24 عاما) لاستعارة الكتب من الأكشاك.
وتقول الكثيري التي تدرس مادة الإعلام أن هذه “واحدة من أهم التجارب خلال السنة الأخيرة”، معتبرة أن الاكشاك “توفر كتبا من الصعب الحصول عليها في المكتبات بسبب عدم وجودها أو ارتفاع أسعارها”.
وترى الكثيري أن خزانات القراءة “تعطي الشخص إحساسا بأنه موجود في مكتبه الخاصة، وآلية الاسعتعارة غير معقدة”، مشددة على أن “القراءة تساعد الشخص على تصفية ذهنه وتوسيع مداركه” في زمن الحرب.
أنقاض المدرسة وخراب الحرب

رغم أعمدتها المتضر رة وأسقفها المنهارة وأنقاض جدرانها الاسمنتية، عاد الطلاب إلى مدرسة “الوحدة” اليمنية في أول أيام العام التربوي الجديد هذا الاسبوع، ليستكملوا تعليمهم وسط خراب الحرب.
في المدرسة القريبة من تعز، ثالث أكبر مدينة في البلد الفقير الذي مزقته سنوات من الصراع على السلطة بين الحكومة والمتمردين الحوثيين، لا أبواب ولا نوافذ، ناهيك عن المكاتب وألواح الكتابة الخشبية.
ويستخدم الطلاب دفاتر التمارين القديمة لتدوين دروسهم، حيث يجلسون في فصول دراسية مؤقتة برفقة معلمين تحلوا بالجرأة الكافية لتعليمهم تحت سقوف متداعية تبدو على وشك الانهيار فوق رؤوس الجميع. ويشير علي سلطان، والد أحد الطلاب، إلى جدار كتب عليه بالأحرف الحمراء “احذروا الألغام”، وهو يشرح متحدثا لوكالة فرانس برس السبب وراء القبول بعودة الطلاب لهذه المدرسة.
وتقع المدرسة في وسط حقل ألغام تم تطهيره جزئيا للسماح للطلاب بالعودة بعدما تعرض لمبنى لقصف جوي قبل نحو أربع سنوات.
وقال سلطان عن الأطفال الذين عادوا إلى المدرسة الأربعاء في بداية العام الدراسي “كان الخيار صعبا، إما أن نتركهم في المنزل أو نواجه خطر إحضارهم إلى هنا للدراسة بين هذه الأنقاض”.
وتابع “مررنا بأوقات عصيبة للغاية”، في إشارة إلى القتال في المدينة الجنوبية الغربية التي تسيطر عليها القوات الحكومية لكن الحوثيين يحاصرونها ويقصفونها بشكل عشوائي.
وبحسب عبد الواسع شداد، مدير التربية والتعليم في محافظة تعز، فإن “ما لا يقل عن 47 مدرسة دمرت بالكامل في القتال” في مدينة تعز وحدها، مركز المحافظة.
وقال لفرانس برس “في ما يتعلق بالدمار حصلنا على نصيب الاسد”.
وذكر أنه أجبر على إغلاق تلك المدارس وتوجيه الطلاب إلى المدارس الأخرى التي يمكن أن تستوعبهم، حتى لو كانت في حالة سيئة واضطر بعض الأطفال إلى المشي أميال ا للوصول إليها.
بسبب عدم وجود لوح للكتابة، تكتب جميلة الوافي دروس اليوم بالقلم الرصاص على أحد الأعمدة الاسمنتية الذي نجا من الدمار، بينما يجلس الطلاب على الأرض ويتبعونها باهتمام ويدونون الملاحظات بعناية في دفاتر التمارين الخاصة بهم.
وبمجرد انتهاء الحصة الدراسية، يتسلقون نزولا سقفا منهارا حيث يستخدمونه كسلم للانتقال من الطابق الاول إلى الأرضي.
وقالت مديرة المدرسة جميلة الوافي “لدينا 500 طالب”، داعية “العالم كله لإنقاذ المدرسة التي قد تنهار في أي لحظة”.
وفي الساحة الخلفية، يقوم الأطفال ببعض التمارين الخفيفة قبل بدء اليوم الدراسي والاصطفاف بهدوء في انتظار انطلاق الدروس.
وتقول الأمم المتحدة إن مليوني طفل من أصل سبعة ملايين في سن الدراسة في اليمن لا يذهبون إلى المدرسة على الإطلاق.
وتم إيقاف التعليم في أكثر من 2500 مدرسة بحلول عام 2019، ثلثاها تضرر من الهجمات، والأخرى تستخدمها القوات المتحاربة أو أصبحت ملاجئ للنازحين، وغيرها أغلقت ببساطة بسبب قلة الموارد وعدم القدرة على دفع الرواتب والتكاليف.
ويدور الصراع منذ منتصف 2014 بين المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وجزء كبير من شمال وغرب البلاد، وحكومة يدعمها تحالف عسكري تقوده السعودية.
وتسببت الحرب في مقتل عشرات الآلاف معظمهم من المدنيين، وأسفرت عما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ونزح حوالي 3,3 مليون شخص عن ديارهم بينما يحتاج 24,1 مليون يمني أو أكثر من 80% من السكان إلى المساعدة، وفقا للمنظمة الأممية.وقالت الوافي إنه بالنسبة لمدرسة “الوحدة” ومعلميها وطلابها، فإن البدائل محدودة للغاية.
وأوضحت “يمكنك بالفعل مواصلة العمل في ظل خطر كبير والتوقف عن خسارة جيل من الطلاب يفتقرون إلى التعليم”.


بتاريخ : 14/10/2020