ملف التأشيرات يوشك أن يفجر أزمة صامتة بين باريس والرباط

مازالت السفارة الفرنسية في الرباط ومصالحها القنصلية في المملكة تواصل إعاقة دخول وسفر المواطنين المغاربة إلى التراب الفرنسي بعد عام على قرار باريس تخفيض تأشيرات الدخول الممنوحة لدول المغرب العربي، وهو ما أجج غضب عشرات الآلاف من المغاربة بسبب رفض طلباتهم دون مبرر مقنع، وتسبب في تعطيل مصالحهم وحرمانهم من زيارة العائلة واستكمال الدراسة أو العلاج.. ويوشك هذا الملف أن يكون سببا مباشرا في تفجير أزمة ظلت صامتة بين باريس والرباط من عدة أشهر.
ويرفض الدبلوماسيون الفرنسيون المعتمدون في المغرب الحديث عن هذا الموضوع الذي بات حديث الساعة، وفي اتصال أجرته «الاتحاد الاشتراكي» بمصلحة الإعلام والتواصل بالسفارة الفرنسية في الرباط، أخبرتنا موظفة هناك أن « السفارة لم تعد مخولة للحديث في هذا الموضوع، وأن هناك تعليمات بعدم التواصل مع الصحفيين في هذا الشأن، وإحالتهم مباشرة على وزارة الخارجية الفرنسية في باريس» وهو إجراء يثير الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى مصلحة الاعلام والتواصل بالمغرب مادام «الكي دورسي» هو المخول الوحيد للقيام بهذه المهامة.
ومازالت باريس تصر على أن تقليص التأشيرات هو قرار صارم لكنه ضروري، مرجعة ذلك إلى أن البلدان المغاربية لا توافق على استعادة رعاياها غير المرغوب فيهم من طرف فرنسا.
غير أن تنزيل هذا القرار جاء بعيدا عن الوعود التي أطلقها الرئيس ماكرون الذي أكد أنه “لن يكون هناك تأثير على الطلاب ومجتمع الأعمال. سنقوم بالتضييق على الأشخاص ضمن النظام الحاكم، الذين اعتادوا على التقدم بطلب للحصول على تأشيرات بسهولة. وهي وسيلة ضغط للقول لهؤلاء القادة إنه إذا لم يتعاونوا لإبعاد الأشخاص الموجودين في وضع غير نظامي وخطير في فرنسا، فلن نجعل حياتهم سهلة».
وهو القرار الذي انتقدته العديد من الشخصيات السياسية الوازنة في فرنسا، وعلى رأسها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الذي اعتبر أن “هذه الطريقة تؤذي بلاد داعٍ، دون أن تكون فعالة في السيطرة على الهجرة غير الشرعية”. هولاند و مقالة رأي نشرها على موقع صحيفة “لو فيغارو”، وصف الروابط بين بلاده ودول المغرب العربي ب”العلاقات الاستثنائية” لما تحويه من مزيج مكوّن من تاريخ وجغرافيا وتبادلات شتى نتجت عن تيارات الهجرة التي “شكّلت فرنسا نفسها وربطت بين مجتمعاتنا بعيدا عن اللغة”.
من جهته اعتبر الكاتب المغربي الطاهربن جلون أن أن باريس “أرادت معاقبة البلدان المغاربية بتقليص التأشيرات، لكن الأمر أثار احتجاجات شعبية وسط المغاربة، وتداولته الصحافة بنحو غير مسبوق”. وأضاف في مقال نشرته صحيفة “لو بوان” الفرنسية، أن “فرنسا تحججت برفض البلدان المغاربية استعادة مواطنيها في وضعية غير قانونية لاتخاذ القرار”، وزاد: “أخبرني السفير المغربي السابق بفرنسا، شكيب بنموسى، بأن المغرب لم يرفض أبداً إعادة المهاجرين غير النظاميين، لكن الشرطة ترسل له غالبا المهاجرين الجزائريين أو التونسيين الذين لا تستطيع الاهتمام بهم”.
في غضون ذلك، تستمر مصالح السفارة الفرنسية بالمملكة في رفض معظم طلبات التأشيرة من الموظفين العاملين في القطاعين العام والخاص مثل المهندسين والأطباء والوزراء السابقين.. كما يفشل العديد من الطلاب في الحصول على تأشيرة فرنسية لاستكمال الدراسة، على الرغم من استيفائهم جميع الشروط والوثائق المطلوبة في الملف. وتقدر مصادر عدد التأشيرات المرفوضة بالنسبة للمغاربة بحوالي 70 في المئة، فيما تربح فرنسا عن كل تأشيرة 100 أورو، سواء قُبلت أو رفضت من طرف القنصليات الفرنسية بالمملكة.
غير أن ما زاد من استياء المجتمع المغربي في هذا الشأن، هو الرفض الفج وغير المبرر الذي يصدر عن السفارة الفرنسية في كثير من الأحيان تجاه طلبات التأشيرة لأجل العلاج، ومن بين الأمثلة الكثيرة على ذلك، رفضت السفارة منح تأشيرة الدخول لسيدة تتابع منذ سنوات العلاج بأحد أكبر المراكز الاستشفائية المتخصصة في أمراض السرطان بأوربا، حيث لم تشفع وثائق المؤسسة المعترف بها دوليا في منح التأشيرة للمريضة المغربية، وتقاس على هذا الملف العشرات من الملفات المشابهة التي لايبدو أن السفارة تراعي فيها الشرط الإنساني.
وعلى الرغم من أن هذه القضية وصلت إلى البرلمان المغربي وشكلت موضوع تنديد من طرف العديد من مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن الحكومة مازالت تلتزم الصمت حيال الملف وترفض الخوض فيه أو اتخاذ أي قرار في هذا الشأن.
وكانت سفيرة فرنسا في المغرب، هيلين لوغال، أعلنت عن تخفيض بنسبة 50 في المئة في منح التأشيرات للمواطنين المغاربيين، لكن هذا المعدل هو في الواقع حوالي 70 في المئة للمغاربة .. ففي عام 2019، تمكن 3 ملايين و46 ألف مغربي من الحصول على الفيزا الفرنسية، بينما لم يتجاوز العدد 98 ألف تأشيرة عام 2020،
. وخلال السنوات الأخيرة، تقلص حجم التأشيرات الفرنسية الممنوحة للمغاربة. وبحسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية فقد كان المغاربة في 2019، على رأس المستفيدين من التأشيرة في شمال أفريقيا بـ 346 ألف تأشيرة، غير أن هذا الرقم تقلص ب 70 في المائة بعد قرار باريس نهج سياسة جديدة تجاه بلدان المغرب العربي.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 24/08/2022