منظمة النساء الاتحاديات تقدم مذكرتها الترافعية لأجل الدفاع عن نساء الجبل

 

تضمنت تشخيصا للأعطاب والاختلالات الحقوقية والمجالية وتوصيات لمعالجتها

حنان رحاب : ما يستغرب له هو تراكم سنوات من الخطاب الضمني أو الصريح حول ضعف عائد الاستثمار في المناطق الجبلية رغم ما تزخر به  إمكانيات هائلة

تأخر الجبل في مخططات التنمية وبرامجها يحرمه من خدمات أساسية في المجالين التعليمي والاستشفائي

 

 

أكدت حنان رحاب، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، أن تخليد التنظيم النسائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لفعاليات اليوم الوطني للمرأة المغربية هذه السنة، عبر الاحتفاء بنساء الجبل والترافع في الآن نفسه من أجل حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال الأنشطة والتظاهرات واللقاءات التي نظمتها مختلف الفروع، لم يكن اعتباطيا أو من قبيل الترف، بل أملته أسباب عديدة ومتداخلة، مشيرة إلى أن فاجعة زلزال الحوز سرعت بالانكباب المستعجل على هذا الموضوع، الذي كان حاضرا عند النساء الاتحاديات منذ مدة طويلة، ضمن انشغالات كثيرة، والتي تبين بأن قضايا النساء بالمغرب هي من الاتساع الذي يفرض إعمال المقاربة التقاطعية.

وأبرزت القيادية النسائية في حزب القوات الشعبية، خلال كلمتها التي قدمتها أثناء اللقاء، الذي تم تنظيمه صباح الجمعة في الدارالبيضاء، من أجل تقديم الورقة الترافعية حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للنساء المغربيات بالجبل، أن المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات لا تخفي تبنيها للخط الديموقراطي الاجتماعي، وانشغالها بقضايا النساء في علاقتها وتداخلها بمختلف مظاهر الإقصاء الاجتماعي، وهو ما تعتبره محددا في رسم الخطوط العريضة لعملها.

وشددت رحاب حنان، على أن المذكرة الترافعية التي أعدتها المنظمة الاتحادية اعتمدت منهجا تقاطعيا بين خطين، أحدهما عمودي مرتبط بوضع ساكنة المناطق الجبلية، وحظها من البرامج التنموية، والآخر أفقي مرتبط بانعكاس هذه الأوضاع على نساء الجبل، الأمر الذي يبين على أنهن يعانين إقصاء مزدوجا، الأول ذو طبيعة مجالية (الجبل)، والثاني من جهة النوع الاجتماعي (النساء). وأبرزت الفاعلة السياسية ارتباطا بالشق المتعلق بالمستوى العمودي المرتبط بالمجال، أن الجبل متأخر في مخططات وبرامج التنمية عن باقي المجالات الأخرى، وهو الأمر الذي يمكن الوقوف عليه بسهولة إذا تم القيام بتشخيص للبنية الطرقية التي هي واحدة من عوامل تعميق عزلة هذه المناطق، حتى عن المجالات الحضرية القريبة منها، وهو الأمر الذي أكدت رحاب أنه ينعكس سلبا على الاستفادة من خدمات أساسية في المجالين التعليمي والاستشفائي، على سبيل المثال لا الحصر.

وأبرزت رئيسة منظمة النساء الاتحاديات أن واقع العزلة يحد حتى من الاستفادة الكاملة من ثروات هذه المناطق الفلاحية والمعدنية والمائية، وثمار اقتصادياتها الاجتماعية الفلاحية والرعوية والحرفية، كما يجعل أشكالا من الإنتاج الثقافي والفني مهددة بالاندثار مع توالي السنوات، مؤكدة أن ما يستغرب له هو تراكم سنوات من الخطاب الضمني أو الصريح حول ضعف عائد الاستثمار في هذه المناطق، في حين أنها على العكس من ذلك تزخر بإمكانيات هائلة، سواء على المستوى الفلاحي الرعوي، أو على المستوى السياحي والثقافي، أو على المستوى الحرفي والتعديني، مشددة على أن من شأن تثمينها باحترام أنماط التنظيم الاجتماعي الخاص بها، أن يساهم في محاصرة ظاهرة الهجرة ذات المسببات الاجتماعية.

وفي الشق الأفقي، المرتبط بأوضاع نساء الجبل، أكدت القيادية الاتحادية أن منظمة النساء الاتحاديات ظلت، وبشكل متكرر، تنبه للمعاناة المركبة لهن، مبرزة أن النساء يظللن التعبير الأوضح عن تهميش هذه المناطق، مشيرة إلى أنهن إذا كن يشتركن مع الرجال في العديد من مظاهر الإقصاء الاجتماعي، والهشاشة الاقتصادية، فإنهن ينفردن بأشكال أخرى مرتبطة بالتمييز على أساس النوع الاجتماعي. وأوضحت الفاعلة السياسية في كلمتها دائما، أنه إذا ما تم القيام بمقارنة بين النساء والرجال في المجال الجبلي، أو في مجالات جغرافية أخرى، فإن النتيجة تبين على أن نساء الجبل هن الأكثر تضررا، مشيرة إلى أنه إذا كان ضعف البنية الطرقية مع صعوبة المسالك والتضاريس، وسوء الأحوال المناخية، نموذجا، هو وضع تعاني منه كل ساكنة الجبل، فإن النساء يضاف لهن مشكل ارتفاع نسبة الوفيات أثناء الولادة، خصوصا أن أغلب المستوصفات، إما لا تتوفر على الحد الأدنى من الخدمات أو الموارد الطبية المرتبطة بالتوليد أو أنها بعيدة عن مناطق عيش السكان، مؤكدة أن نفس الوضع يعرفه مستوى التمدرس، إذ ترتفع نسب الأمية والهدر المدرسي في صفوف النساء والفتيات، مقارنة مع الرجال والأطفال الذكور ( رغم أنه حتى نسبتها في صفوف الرجال غير مطمئنة)، مبرزة أنه رغم بعض مجهودات الدولة التي لا يمكن نكرانها على مستوى تعميم التمدرس في العالم القروي، وخصوصا في أوساط الفتيات، فإن هيمنة الثقافة المحافظة واستشراء مظاهر الفقر يدفعان الأسر إلى وضع حد لتحصيل الفتيات الدراسي عند نهاية الطور الابتدائي في أحسن الحالات.

وعلى مستوى العدالة، أكدت رحاب حنان أن العديد من نساء الجبل يجدن صعوبة في الولوج للمرفق العمومي المرتبط بمختلف الخدمات القضائية، وتتعمق الصعوبات عند الأرامل والمطلقات والمتقدمات في السن، وكذلك عند النساء الناطقات بالأمازيغية فقط، مبرزة أنه في بعض المناطق ما زال الاحتكام يخضع للأعراف المحلية التي تضيع في الكثير من الأحيان معها حقوق النساء (مثلا تحرم بعض النساء من حقهن الشرعي في الإرث إذا ما تزوجن من خارج القبيلة أو الدوار أو الأسرة). وشددت رئيسة منظمة النساء الاتحاديات على أن هذه الأوضاع وغيرها كثير مما جاء في المذكرة الترافعية، يبين هشاشة وضع نساء الجبل، الذي ينعكس سلبا على التمكين الاقتصادي والسياسي لهن، رغم مساهمتهن الكبيرة في إنتاج الثروة، مبرزة أن احتساب العمل المنزلي، والمشاركة في أنشطة الفلاحة والرعي وتربية الماشية، ومختلف الأنشطة الحرفية التقليدية، يجعل مساهمتهن أكبر من مساهمة الرجال سواء على مستوى تنمية الثروة المحلية على ضعفها، أو على مستوى المحافظة على نمط العيش الخاص بالمناطق الجبلية، الذي يمكن اعتباره إرثا لا ماديا من شأن تثمينه وتطويره أن يساهم في التنمية المحلية المستديمة.

وأوضحت رحاب أن مذكرة منظمة النساء الاتحاديات الترافعية، وبعد تشخيص الواقع، تقدم مجموعة من التوصيات التي تراها ضرورية ومستعجلة، والتي تهم عددا من المحاور تشمل البنية التحتية، والجانبين الاقتصادي والاجتماعي وكذا الجانب المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشددة على أن المنظمة تدعو كل الجهات المعنية لا فقط للاستجابة للمطالب المشروعة لنساء الجبل فقط، بل كذلك إلى إعمال كل آليات الحماية والتثمين لما تقوم به نساء الجبل من أدوار اجتماعية واقتصادية وثقافية وبيئية، حتى يتم التمكن من الارتقاء بالمناطق الجبلية إلى مصدر من مصادر إنتاج الثروة المادية واللامادية، وبناء ممكنات نمط خلاق من التنمية المستديمة المندمجة مع محيطها.

وكان اللقاء التواصلي مع نساء ورجال الإعلام الذي نظم صباح الجمعة قد تميز بكلمة تقديمية لسعاد شاغل، الكاتبة الجهوية لمنظمة النساء الاتحاديات بجهة الدارالبيضاء سطات، التي أكدت على مركزية حقوق المرأة في عمل المنظمة التي ترافعت لأجل قضايا النساء من خلال أزيد من 70 لقاء على الصعيد الوطني، مبرزة أن هذا اللقاء يأتي في سياق عام، وآخر خاص، لاسيما بعد زلزال الحوز، الذي بين بشكل كبير على أن العالم القروي يعرف تهميشا، الذي ينعكس أكثر على النساء، وهو ما يجعل الفقر مؤنثا، رغم الاستراتيجيات والبرامج المسطرة لتحقيق التنمية.

وشهد اللقاء كذلك مداخلات لكل من الأستاذة مريم جمال الإدريسي التي قدمت قراءة في التقرير الخاص بالتقدم المحرز على صعيد أهداف التنمية المستدامة على مستوى اللمحة الجنسانية 2023، وتناولت أشكال الفجوات في السياسات العامة وفي الحقوق المختلفة من صحة وتعليم المكرسة للتمييز ولواقع الفقر الذي تعاني منه نساء الجبل على أكثر من مستوى، إلى جانب مداخلة الأستاذة سعاد بنور التي قدمت توصيات المذكرة من أجل مجال قروي وجبلي وولوج مندمج في النسيج التنموي الوطني، ثم الدكتورة إيمان الرازي، التي قدمت الخلاصات مشيرة في هذا الصدد إلى أن واقع المرأة الجبلية مرتبط في جزء منه بالواقع العام للساكنة وللثقافة السائدة، مشددة على أن فك العزلة عن المجال الجبلي والقروي معها من شأنه تمتيع الساكنة ككل بحقوقها كاملة وتشجيعها على الانخراط في المسار التنموي، داعية وسائل الإعلام إلى الانخراط في مشاريع التحسيس والتوعية والتربية، حيث سيتم تنظيم قوافل في مستويات متعددة في الجبل وبأن السنة المقبلة ستكون سنة لنساء الجبل.

 


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 23/12/2023