دعت إلى ضرورة أن يتوازى تنزيل أسس الدولة الاجتماعية المنشودة مع الدمج بين الماكرو-اجتماعي والميكرو-اجتماعي
تنظم منظمة النساء الاتحاديات سلسلة من الندوات الجهوية لمقاربة أوضاع النساء من ساكنة الجبل، حيث يتقاطع النوع الاجتماعي مع الانتماء المجالي، والتي تعاني من الإقصاء ذي أبعاد متعددة: الجنسي والمجالي والطبقي والدراسي…
اختيار المنظمة لتسليط الضوء على نساء الجبل كان الدافع إليه التداعيات المأساوية لزلزال الحوز الذي كان فرصة لمزيد من الانتباه لأوضاع سكان الجبال، والذين للأسف، تقول المنظمة في ديباجة أرضيتها الخاصة بسلسلة ندوات جهوية ستنظمها حول:» الترافع من أجل نساء الجبل»،
لم يستفيدوا كثيرا من مسلسل التنمية الذي عرف وتيرة متسارعة في السنوات الأخيرة، لكنه لم يرتكز على سياسة تستحضر العدالة الاجتماعية، وهو الأمر الذي انعكس على هذه الساكنة أكثر من باقي المناطق، حيث تصل نسبة الفقر متعدد الأبعاد في بعض المناطق الجبلية إلى 85 في المئة، ولا تتجاوز مساهمة ساكنة الجبال في الناتج الإجمالي عتبة 5 بالمئة، رغم توفرها على غطاء غابوي يشكل 62 في المئة من غابات المغرب، ومخزون مائي يعادل حوالي 60 في المئة من المخزون الوطني، فضلا عن مجموعة من الثروات المعدنية والحيوانية والفلاحية، والإمكانات السياحية، التي لم يتم استثمارها جيدا بما يحقق تنمية مستدامة لهذه المناطق، كما تهدد تدفقات الهجرة القروية نمط عيش هذه الساكنة بأبعاده الثقافية والروحية والعمرانية والقيمية خاصة، التي تندرج ضمن الإرث الإنساني بدلالتيه الرمزية واللامادية التي تحتاج للتثمين.
تداعيات الكوارث الطبيعية والبشرية، والأوبئة، والحروب، وأوضاع الفقر والإقصاء والتمييز، وغياب العدالة الاجتماعية والمجالية، أثبتت الدراسات والتجارب الوطنية والكونية أن عواقبها تكون مضاعفة في حالة النساء، وهو الأمر الذي يقتضي، تؤكد المنظمة، إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في كل مراحل التشخيص والتدخل المرتبطة بمواضيع من مثل التنمية في المناطق الجبلية، والنهوض بأوضاع ساكنة الجبال.
وشددت منظمة النساء الاتحاديات على ضرورة أن يتوازى تنزيل أسس الدولة الاجتماعية المنشودة مع الدمج بين الماكرو-اجتماعي المرتبط بالتوازنات الكبرى، والميكرو-اجتماعي الذي ينطلق من احتياجات الفئات الأكثر تضررا، مبرزة أنه لا يمكن إنكار المجهود الوطني في محاولة بناء أسس عدالة اجتماعية ومجالية، كما لا يمكن ألا تثمن توصيات لجنة النموذج التنموي في هذا الصدد.
وأوضحت المنظمة إن اللقاءات الجهوية التي ستنظمها بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمرأة، والذي سيكون مناسبة للاحتفاء بنساء الجبل المغربيات، ستسير في نفس الاتجاه الذي سارت عليه ندواتها خلال السنة الماضية المرتبطة بتعديل مدونة الأسرة، وذلك بالاعتماد على الجمع بين الإنصات والقرب من جهة، والتشخيص والتحليل من جهة أخرى، باستحضار مداخل مختلفة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، وصولا إلى بناء أسس ترافع قوي وعلمي واقتراحي ينتصر لمطالب ساكنة الجبال، وخصوصا النساء منهم.
وفي هدا الصدد اقترحت المنظمة بعض الموضوعات التي تراها مستعجلة، مع ترك الحرية للمشاركين/ات في اختيار مواضيع أخرى من وجهة نظرهم/ن ومجال تخصصهم/ن لتسهيل عمل المشرفات على التنظيم، والأستاذات والأساتذة المدعوين/ات للمساهمة في هذه الندوات…
وعليه تقترح المنظمة مواضيع:
محاربة كافة مظاهر الفقر متعدد الأبعاد:
تعتبر نساء الجبل في مقدمة ضحاياه الفقر، ما يستدعي التركيز على المداخل التي تؤمن الحد الأدنى للاكتفاء الذاتي للنساء من حيث تأمين احتياجاتهن الأساسية، وهو الأمر الذي يتطلب دعم منظمات الاقتصاد الاجتماعي التضامنية التي تقودها النساء، خصوصا في الشق المتعلق بالتعاونيات، مع مساعدة النساء في المناطق التي لا تزال تعتمد أنماطا إنتاجية غير مهيكلة على تأسيس تعاونيات خاصة بهن، خصوصا وأن مناطق الجبل تتوفر على إمكانات فلاحية ورعوية بخصوصيات غير موجودة في المناطق السهلية، غير أن غياب قنوات فاعلة لتجميع الإنتاج وتسويقه يحد من استفادة الساكنة، وخصوصا النساء اللواتي هن الفاعل الأساس في هذه الأنماط الاقتصادية المحلية بالجبال.
المحافظة على نمط عيش ساكنة الجبال:
يمثل نمط عيش ساكنة الجبال موروثا وطنيا باذخا، وفي الآن نفسه إرثا إنسانيا ثقافيا مهما، وقد دعت منظمة اليونسكو إلى حماية هذا الإرث الإنساني في مختلف مناطق العالم، وخصصت السنة الماضية للتحسيس والترافع بقيمته الحضارية ومساهمته في الإثراء الفني والثقافي في العالم بأسره، وبسبب ظاهرة هجرة الرجال من ساكنة الجبل في المغرب إلى التجمعات الحضرية من أجل العمل، فإن النساء أصبحن تقريبا هن المؤتمنات على استدامة هذا النمط المتفرد من فن العيش وقنواته التدبيرية وقيمه التكافلية والتضامنية، وهو نمط يأخذ خصوصيته من ملاءمة النشاط البشري مع خصوصيات المناخ والتضاريس، ومن تشابك خلاق مع الطبيعة بما يحافظ على البيئة ويسهم في توازنها واستدامتها، سواء في أساليب الفلاحة والرعي والصناعة التقليدية والمعمار والأزياء وأشكال الفرجة المختلفة، وتكمن أهميته كذلك في تلك القدرة على تدبير الندرة وهو ما أبانت فيه نساء الجبل عن كفايات تدبيرية خلاقة.
وفي هذا الصدد، دعا جلالة الملك الحكومة، عبر خطابه بمناسبة ذكرى عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2013 «إلى إحداث وكالة خاصة، تعمل على ملاءمة الاستراتيجية الفلاحية، مع محيط المجال الترابي لساكنتها، ولا سيما في المناطق الجبلية، التي تعرف تخلفا في استغلال الأراضي، وذلك في تكامل تام مع برامج التهيئة المجالية».
تقليص الفوارق الطبقية والمجالية:
يجب العمل على تقليص الفوارق الطبقية والمجالية باعتماد مقاربة تمييز إيجابي لصالح ساكنة الجبل في ما يخص الخدمات العمومية، ذلك أن هذه المناطق لاتزال تعرف تأخرا في ما يخص المسالك الطرقية، والخدمات الاستشفائية، والبنيات التعليمية، وغيرها مما يرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص على حمايتها دستوريا، وتعاني النساء كثيرا من جراء هذا الوضع، ويمكن التدليل على ذلك بارتفاع نسبة الوفيات أثناء الولادة في هذه المناطق مقارنة بالمعدلات المسجلة في باقي المناطق، مع صعوبة الانخراط في برامج التربية الصحية والإنجابية، وبارتفاع نسبة الأمية عند النساء وضعف إدماجهن في أنشطة محوها سواء الجمعوية أو الرسمية، وبارتفاع نسبة الهدر المدرسي في صفوف الفتيات، مع شبه غياب تام للتربية غير النظامية بها.
تثمين مساهمة النساء في التماسك الأسري:
يعتبر التماسك الأسري العمود الفقري لاستدامة نمط عيش سكان الجبال، إذ تمثل العائلة بنوعيها الممتد والنووي الخلية الأساس في التركيبة القبلية والثقافية، وبسبب الهجرة المكثفة للرجال نحو المدن، مع ترك الزوجات والأبناء بالدواوير، تضاعفت مساهمة النساء في تدبير الأسرة، مما يضاعف من الأعباء الملقاة على عاتقهن، بحيث يتكلفن بالصغار وكبار السن في الآن نفسه، ويحمين مصادر الدخل القليلة، ويهتمن بما توفر من ماشية ودواب، ويقمن بعمليات الرعي والاحتطاب والزراعة وغيرها، وقد يعتقد البعض أن هذا نمط أميسي، والحال أنه ليس اختيارا مجتمعيا، بل هو اضطرار فرضته ظاهرة الهجرة «الرجالية» الحديثة التي بدأت بوادرها الأولى في فترة الحماية، ثم بدأت تتصاعد تدريجيا، خصوصا في لحظات الجفاف الحادة، مما جعل أعباء النساء تتضاعف، دون أن يستفدن من هذه المساهمة، إذ لا زالت مساهمة نساء الجبل ضعيفة في إنتاج القرار المحلي الجماعي، سواء في الأطر التقليدية (الجماعة) أو في الأطر التنظيمية الحديثة مثل الجماعات الترابية القروية.
حماية حقوق ساكنة الجبل:
تقتضي حماية حقوق ساكنة الجبل، خاصة الحقوق من الجيل الثالث، أن يتم إقرارها تشريعيا وتنظيميا عبر سن مقتضيات تكفلها وتنظم كيفيات التمتع بها. وهي الأداة القمينة بإعمال تمييز إيجابي لفائدة ساكنة هذه المناطق من أجل تأهيلها لتجاوز الإكراهات التي تفرضها الطبيعة وانعدام البنية التحتية وسياسة تغييبها عن السياق التنموي الوطني. حيث إن خصوصية الحياة الجبلية تستدعي أن يكون لها انعكاس على مختلف القوانين التي تنظمها وتؤثر في سيرها.