منها غياب رؤية لإصلاح منظومة تموين الأسواق وغياب الإرادة لمحاربة الاحتكار والمضاربة  .. مرصد العمل الحكومي يعدد إخفاقات الحكومة وعجزها عن وضع حد لارتفاع الأسعار، وهذه توصياته 

 

سجل مرصد العمل الحكومي التابع لمركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، في إطار متابعته المتواصلة والدقيقة لمختلف تدخلات الحكومة في ما يتعلق بتدبير أزمة التضخم وارتفاع الأسعار، عدم امتلاك الحكومة لأي رؤية في ما يتعلق بمعالجة وإصلاح الاختلالات البنيوية التي تعاني  منها بنية ومنظومة تموين الأسواق المغربية بمختلف المنتجات والمواد، وغياب الإرادة لدى الحكومة لمحاربة الاحتكار والمضاربة، خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية، رغم إقرار أعضائها ومكوناتها، بوجودها ومسؤوليتها في تأزيم الوضع، وامتناع الحكومة عن معالجة إشكال الاحتكار في ما يتعلق بالمحروقات، وتغاضيها عن التقارير
الرسمية في هذا الصدد، وخاصة التقرير الصادر عن مجلس المنافسة، الذي أكد بشكل واضح على خضوع سوق المحروقات للاحتكار.
وسجل مرصد العمل الحكومي في تقرير له،غياب الرؤية الاستشرافية اللازمة في استباق إيجاد الحلول للأزمات، والتماطل غير المبرر لإيجاد الحلول المناسبة لمنع استفحال أزمة غلاء الأسعار خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية المرتبطة بالمجال الفلاحي، حيث أن الأزمة المتعلقة باللحوم والحليب، يقول المرصد، طرحت على طاولة الحكومة منذ أكثر من سنة، حيث عطلت الحكومة التوصل للحل إلى أن استفحلت الأزمة وطالت آثارها القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى غياب أي تصور لإصلاح منظومة تسويق المنتجات الغذائية، ومساراتها، التي تشهد فوضى ريعية، لا ينتج عنها إلا بروز هوامش ربح متكررة سواء في مرحلة الإنتاج، أو في مرحلة الوصول إلى أسواق الجملة، التي تعرف منظومة تدبيرها تغلغل الاستغلال الريعي للفضاءات والمناطق المخصصة للبيع داخلها، وهو ما يزيد في استفحال أزمة غلاء الأسعار ويضرب القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي إطار تقريره، وقف المرصدعلى تردد الحكومة في إعادة صياغة الخريطة الزراعية المغربية، بما يتوافق والحاجيات الأساسية للمغاربة من الزراعات الاستراتيجية، المتعلقة أساسا بالحبوب والنباتات الزيتية، بما يحصن الأمن الغذائي المغربي، في مقابل التشبث بالزراعات التسويقية التي تستهدف التصدير.
ورصد المرصد، التردد غير المبرر للحكومة في تسريع خطوات الانتقال الطافي نحو الطاقات المتجددة، بما يضمن الأمن الطاقي المغربي، ويخفف من الفاتورة الطاقية المرتفعة، ويحصن الإنتاج الوطني من التبعية الطاقية للخارج، ويجنبه التقلبات الناتجة عن التوترات والاختلالات التي تطرأ على أسواق الطاقة العالمية، وانعكاساتها المباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين، مع تسجيل ضعف التوجيه الضريبي للحكومة، ليشمل تقوية القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال وقف  استيفاء مجموعة من الضرائب التي تخضع لها مجمل المنتجات الغذائية الأساسية خلال مرحلة البيع، خاصة في ظل الأزمة الحالية .
وسجل التقرير التوجيه غير المتكافئ للمخصصات المالية المتحصلة من المداخيل الضريبية الاستثنائية لسنة 2022 التي بلغت أزيد من 36 مليار درهم، في اتجاه القطاعات والفئات الأكثر قدرة على الصمود على حساب الفئات الهشة والطبقات المتوسطة، وغياب الزخم اللازم في ما يتعلق بالمراقبة والتتبع للأسواق الوطنية، والسهر على تجنب الزيادات غير المبررة في الأسعار وخاصة المواد الغذائية الأساسية، وأيضا غياب الآلية المؤسساتية لمراقبة مجلس المنافسة، وتعطیل أدوارها بغياب النصوص التطبيقية المؤطرة لمجال تدخلها وعملها .
ولاحظ التقرير ضعف التواصل الحكومي في ما يتعلق بالأزمة وطمأنة الرأي العام الوطني، وضبابية التفسيرات المقدمة من طرف الحكومة وأعضائها في هذا الصدد.
وأوصى مرصد العمل الحكومي من خلال قراءته للوضعية الاقتصادية الوطنية ومتابعته لمجمل تدخلات الحكومة للتعامل مع الأزمة، بتعزيز آليات مراقبة وتتبع حركية الأسواق الوطنية وتطور أسعار المواد الغذائية الأساسية، من خلال إعادة توجيه الموارد البشرية للقطاعات المعنية، نحو تعزيز التركيبة البشرية المكلفة
بالمراقبة الميدانية، الإيقاف المؤقت لاستخلاص عدد من الضرائب المتعلقة ببيع المواد الغذائية الأساسية موضوع أزمة غلاء الأسعار، وفي مقدمتها الضريبة على القيمة المضافة، خلال فترة الأزمة الحالية، وإيقاف العمل بالنظام الحالي لأسواق الجملة، وتجنيب المستهلكين أداء الهوامش الربحية الريعية وفرض قواعد مؤقتة تلغي المكوس والأتاوات الحالية، مع التفعيل الآني لأدوار مؤسسة مراقبة المنافسة وتطبيق القانون في ما يتعلق بالاحتكار الممارس من طرف شركات المحروقات، والتسريع بإخراج المراسم التطبيقية لقانون مجلس المنافسة.
وعلى المدى المتوسط، أوصى المرصد يوضع نظام تسويق للمواد الغذائية، بمسارات واضحة، عبر خلق مؤسسة وطنية للتسويق، تمكن المنتجين والمستهلكين من التوفر على معروض يستجيب للطلب الحقيقي دون الدخول في سلسلة المضاربات والهوامش الربحية الريعية، الإصلاح الشامل للنظام القانوني لأسواق الجملة الذي يعود إلى سنة 1962، بمعايير حديثة وبدفاتر تحملات واضحة، تلغي أي إمكانية لاستمرار الريع المشكل للنظام الحالي، مع الاستثمار في تمكين القطاع الخاص من إنشاء منصات للتوزيع والتعبئة، بشروط تنافسية واضحة، وضرورة وضع آليات حقيقية للتسويق الإلكتروني، تمكن المنتجين من توزيع منتجاتهم بما يضمن الفعالية وتوافق العرض مع الطلب.
تسريع الانتقال الطاقي نحو الطاقات المتجددة واستغلال الإمكانات التي يتوفر عليها المغرب، والتي تضعه بين 5 أول دول في العالم من حيث الإنتاج الطاقي انطلاقا من الطاقات المتجددة، بما يمكن من تخفيف التبعية الطاقية ويخفف من الفاتورة الطاقية.
وأكد  مرصد العمل الحكومي، أن التضخم وصل إلى مستويات غير مسبوقة في المغرب، حيث أنهى الاقتصاد المغربي سنة 2022 على وقع ارتفاع نسبة التضخم إلى %6.6، وارتفاع مؤشر أسعار المواد الغذائية ب%11، وهي أرقام ومؤشرات تبين الوضعية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد الوطني، في ظل وضعية اقتصادية دولية متأزمة، تتميز بحالة الشك واللايقين جراء الأزمات المتعددة التي ضربت العالم وفي مقدمتها جائحة كورونا وتبعاتها السلبية التي تحتاج إلى سنوات طويلة للتعافي، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها الهائلة على سلاسل التوريد والإنتاج العالمية والارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية، هذا بالإضافة إلى توالي مواسم الجفاف التي ضربت البلاد، وعدة
عوامل ذاتية أخرى من قبيل الاحتكار والمضاربات التي زادت من استفحال الأزمة وعمقت مستويات التضخم وارتفاع الأسعار، مما أدى إلى تأزم الوضعية الاجتماعية للمغاربة، وزاد من وضعية الهشاشة والفقر، حيث أشارت أرقام المندوبية السامية للتخطيط إلى ارتفاع عدد المغاربة الذين انضموا إلى لائحة الفقر والهشاشة ب 3 ملايين و 200 ألف شخص إضافي، ما يمثل فقدان 7 سنوات
من التقدم المحرز في جهود القضاء على الفقر والهشاشة .


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 17/02/2023