من أجل تحصينه من كل اضطراب تعاقدي .. قضاة وموثقون وخبراء يسلّطون الضوء على الإشكالات المتعلقة بشكل وصحة العقد التوثيقي

 

بشراكة مع الودادية الحسنية للقضاة ومحكمة الاستئناف بأكَادير والمجلسين الجهويين لهيئة الموثقين لمراكش وهيئة الموثقين لبني ملال وخنيفرة، نظم المجلس الجهوي لهيئة الموثقين بأكَادير وكَلميم والعيون، يوما دراسيا، بتاريخ الجمعة 7 فبراير الجاري بمركب الأعمال الاجتماعية بأكادير التابع لوزارة العدل، في موضوع «صحة العقد التوثيقي بين الممارسة التوثيقية والعمل القضائي».
وفي كلمة له أكد رئيس المجلس الجهوي لهيئة الموثقين بأكَادير وكَلميم والعيون الأستاذ مصطفى أمغار، أن هذا اليوم الدراسي يأتي بعد سلسلة من اللقاءات العلمية التي عُقدت سابقًا في كل من مراكش وبني ملال، في سياق ترسيخ منظومة التوأمة والشراكة المهنية والعلمية بين هذه المجالس الجهوية الثلاثة، مشيرا إلى أن اليوم الدراسي يروم تعزيز الأداء المهني للموثقين والارتقاء بمستوى تكوينهم من خلال مناقشة أبرز التحديات والإشكاليات المرتبطة بالممارسة التوثيقية، سواء من الناحية القانونية أو القضائية أو العملية. وأثنى الرئيس في كلمته على كل الشركاء المساهمين في إنجاح هذا اليوم الدراسي من خبراء وقضاة وموثقين ساهموا بمداخلاتهم وإفاداتهم لإغناء للنقاش من جهة وتعميق رؤية الموثق والقاضي من جهة ثانية، بشأن تحصين مهنة الموثق وحرصها على تجويد عمل التوثيق من أجل صناعة عقد توثيقي فعال يضمن للمتعاقدين كامل حقوقهم من جهة وحقوق الدولة من جهة أخرى.
من جانبه أكد رئيس المجلس الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالدائرة القضائية لإستىنافية أكادير، ووكيل الملك بابتدائية إنزكان الدكتور هشام الحسني، أن العقد التوثيقي يعد بين المحررات الرسمية التي تتسم بالقوة في إثبات العقد التوثيقي والتنفيذ، بحيث أحاطه المشرع المغربي بنصوص قانونية تجعل منه السند الذي يلجأ إليه المتعاقدون لتوثيق تعاملاتهم من أجل حماية حقوقهم ومصالحهم المشروعة قانونا ولهذا كرس له المشرع المغربي مجموعة من الضوابط والشكليات التي يجب أن يحاط بها العقد التوثيقي، مبرزا مدى أهمية انعقاد هذا اليوم الدراسي للإحاطة بالجوانب القانونية للعقد التوثيقي ومدى فاعليتها في إنشاء عقد تتوفر فيه القوة القانونية في الإثبات والتنفيذ، وكذا القيمة الحقيقية التي يلجأ إليها المتعاقدون في إبرام معاملاتهم التجارية والعقارية مما يحقق الثقة لديهم ويجعلهم مؤتمنين على أموالهم وممتلكاتهم، خاصة أن مهنة التوثيق تحتل مكانة متميزة ضمن المهن القانونية والقضائية بالمغرب.
فالتوثيق أولاه المشرع المغربي، يقول رئيس مجلس الودادية الحسنية للقضاة، أهمية قصوى لأنه الأساس والمحوري والمرتبط بالأمن القانوني والمساهم في ضمان واستقرار المعاملات الخاصة في الاستثمار واستقطاب مناخ الأعمال، لاسيما بفضل الخدمات الحيوية التي يتولاها الموثق وتدخله الفعال في إضفاء الشكل الرسمي على التصرفات إلى جانب ترسيخه للعلاقة التعاقدية في الأنواع المتعددة للعقود المبرمة بين المتعاقدين من حيث الإثبات والتنفيذ.
ومن جهته شدد الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بأكَادير، على أهمية شكل وصحة العقد التوثيقي لكونه يحقق الثقة والأمن القانوني، معتبرا إياه بمثابة أداة قانونية توفر الحماية القانونية وتساهم في استقرار المعاملات وفي تفادي النزاعات القانونية بين الأطراف المتعاقدة خاصة أن المشرع المغربي حدد في القانون رقم 90.23 مجموعة من الشروط الأساسية الواجب توفرها في الموثق، من أجل توفير ثقة المتعاقدين في مؤسسة الموثق، مضيفا أن الشروط التي حددها المشرع المغربي غايتها هي ضمان الحماية اللازمة للمتعاقدين لضمان حقوقهم وتحقيق مزيدا من الأمن لديهم في هذا المجال، مشددا على ضرورة توخي هذا الحرص الذي حدده المشرع المغربي لضمان الأمن القانوني والتعاقدي، باستحضار الجانب الأخلاقي لدى الموثق مما يحتم عليه استبعاد كل الصفات التي تفتقر للانضباط والشرف والنزاهة والأخلاق.
وأكد المتحدث في كلمته على أن مؤسسة التوثيق تفرض على ممارسها أن يكون ملتزما في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة والشفافية وبأعراف وتقاليد المهنة المرتبطة بالكرامة والاستقامة وأيضا بالكفاءة المهنية التي يجب أن تتوفر في الموثق خلال ممارسته لمهامه، ولهذا ترتبط مهنة التوثيق، يقول الوكيل العام، بالجانب العلمي والعملي، والإلمام بكل القوانين المرتبطة بمهنة التوثيق، وكذا المشاركة في مجال التكوين وإعادة التكوين من أجل صقل المهارات، خاصة مع المتغيرات التي يفرضها صدور القوانين الجديدة والتعديلات التي تلحق بالقوانين المرتبطة بمهنة التوثيق، وكذا ما يعرفها المجتمع من تطور على المجالين الاقتصادي والتكنولوجي ومن هنا تكمن أهمية التكوين والتكوين المستمر لفائدة الموثقين.
وقال الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بأكادير الأستاذ سعيد الشايب إن هذه «المبادرة ستسهم في تذليل العقبات التي قد تواجه المهنة، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للمهن القانونية والقضائية الأخرى، مما يعزز من قدرتنا الجماعية على إيجاد حلول عملية وفعالة لما تواجهه مهنة التوثيق من تحديات مختلفة». وأضاف المتحدث بقوله «لايخفى على أحد أن مهنة التوثيق تحتل مكانة محورية في المنظومة القانونية والقضائية، حيث تزداد الحاجة إليها يومًا بعد يوم، نظرًا لدورها الأساسي في ضمان الأمن التعاقدي وصون الحقوق والالتزامات خاصة أن مقتضيات القانون 32-09 في ترسيخ هذه المكانة، مما جعل التوثيق حجر الزاوية في المعاملات المدنية والتجارية، وهو ما يعكس حجم المسؤولية التي يتحملها الموثقون في تأمين المعاملات وضمان استقرارها».
وثمن من جهته أهمية تنظيم هذا اليوم الدراسي لأنه «يسلط الضوء على المسؤولية الثقيلة التي يتحملها الموثق في حفظ الحقوق وصيانتها. فالعقد التوثيقي، يضيف الرئيس الأول، لا يكتسب حجية قانونية إلا إذا استوفى كافة شروطه الشكلية والموضوعية، مما يضمن سلامته القانونية وقابليته للتنفيذ وأن أي إخلال بهذه الشروط قد يؤدي إلى ضياع الحقوق وإرباك المعاملات مما يستوجب من الموثق الدقة والنزاهة ضمانا لعقود سليمة وفعالة»، موضحا أن «مهنة التوثيق تطورت في بلادنا بشكل ملحوظ، حتى أصبحت اليوم قطاعًا متخصصا يتطلب مواكبة مستمرة للتطورات القانونية والتشريعية». إلا أن هذا التطور ، يقول المتحدث «يصطدم ببعض التحديات، أهمها ضرورة تحديث الإطار القانوني المنظم للمهنة، بحيث يتلاءم مع المستجدات الاقتصادية والتكنولوجية، بما يضمن استمرار التوثيق كدعامة أساسية في تحقيق الاستقرار التعاقدي وتعزيز مناخ الاستثمار».
وختم المتحدث بتأكيده على أن «العمل التوثيقي داخل الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بأكادير يسير بشكل إيجابي، بالرغم من بعض الحالات الاستثنائية التي لا تعبر عن الممارسة العامة للمهنة، وبالمناسبة، أشاد بالنزاهة والالتزام المتحلى بهما من السيدات الموثقات والسادة الموثقين في هذه الدائرة، وأن القضاء يظل دائمًا على استعداد لدعمهم وتقديم التسهيلات التي تندرج ضمن اختصاصاتهم، بما يسهم في تحسين الممارسة التوثيقية وضمان جودة العقود المبرمة».
وتناولت مداخلات الأساتذة القضاة والموثقين والخبراء من الكفاءات العلمية في مجال التوثيق والقضاء خلال هذا اليوم الدراسي مجموعة من المحاور ذات الصلة بهذا الموضوع، حيث تم تسليط الضوء على الشروط الشكلية والموضوعية لصحة العقد التوثيق، ونواقص القانون رقم 32.09 المعرقلة لصناعة العقود التوثيقية، ثم المراقبة المزدوجة لمكاتب الموثقين بين المحدودية والفعالية، إضافة إلى العقود التوثيقية وتحديات سرعة الرقمنة والبطء التشريعي، وأهمية واجب النصح والسر المهني ومحدوديتهما، وكذا مسؤولية الموثق المدنية والجنائية من خلال تحرير العقود التوثيقية، فضلا عن محاور أخرى.


الكاتب : عبد اللطيف الكامل

  

بتاريخ : 13/02/2025