تعتبر معضلة التقسيم الجماعي لسنة 1992 من بين المعضلات المتعددة التي ترخي بتبعاتها على تراب المناطق المعنية ويوميات المواطنين، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، تفريخ 89 جماعة في إقليم تارودانت، 82 منها قروية لم تراع فيها لا الكثافة السكانية ولا الإمكانيات المادية، كما هو الحال بالنسبة لجماعة والقاضي، نموذجا، التابعة لقيادة أضار ظرفذاك، دائرة ايغرم إقليم تارودانت.
كانت قيادة والقاضي جماعة واحدة وصارت بعد تقسيم 1992 ثلاث جماعات، جماعة والقاضي، جماعة النحيت، جماعة تيسفان أقلّ من ثلاثة آلاف نسمة، لدى كل واحدة زمن التقسيم وبدون إمكانيات مادية إلا ما كان من الحصة الهزيلة من الضريبة على القيمة المضافة، ثم بعدها مبالغ التنمية البشرية التي استفاد منها الرؤساء أكثر من استفادة الساكنة لتنتقل الآن إلى العمالات، وهذا موضوع بحاجة إلى دراسات ومناظرات لاستخلاص العبر.
والقاضي النحيت تيسفان .. ما قبل التقسيم
تعتبر جماعة والقاضي الأم قبل تقسيم 1992 تضم حوالي 9000 نسمة يترأسها رئيس واحد تعويضه 650 درهم شهريا، يساعده نائبان، لا تسند أية مهمة للنائبين اللهم إلا ما كان من إمضاء بعض الوثائق ولو كان النائب أميا، خاصة إذا علمنا أن السلطة الوصية ظرفذاك ترتاح للمستشارين الأميين أكثر من المتعلمين، وكان تعويض كل واحد منهما 350 درهم شهريا وقتذاك، بينما كان عدد الموظفين بما في ذلك الأعوان حوالي عشرة.
بعد التقسيم كما تمت الإشارة إلى ذلك، تفرعت جماعتان عن جماعة والقاضي جماعة النحيت وجماعة تيسفان، تطلّب هذا التقسيم بدل رئيس واحد أجرته قبل التقسيم 650 درهما، وبعد التقسيم أصبحوا ثلاثة رؤساء، أجر كل واحد منهم 1400 درهم، في حين أن عدد النواب قبل التقسيم نائبان تعويض كل واحد فقط 350 درهم، عدد نواب الرئيس حاليا ثلاثة فيكون المجموع تسعة أجرة النائب الواحد حاليا 700 درهم.
كاتب المجلس ومقرر الميزانية قبل التقسيم لا يعوضان لأنهما لا يزاولان أي عمل كما هو الشأن الآن، حاليا الكاتب 400 درهم ولو كان الكاتب أميا لا يكتب ولا يقرأ، فشرط التصويت على الرئيس أثناء انتخابه غالبا يتوقف على توزيع المناصب المعوض عنها بقطع النظر عن كون الكاتب يكتب أو لا يكتب وقد عشنا تجارب في هذا المجال كانت تسند المناصب للأميين وبجانبهم مدراء مدارس وغيرها يتركون دون مهمة .
بالنسبة لتقريب الإدارة من المواطنين المرفوع كشعار لم يراع في هذا التقسيم في العديد من الحالات ولم تتم مراجعة الاختلالات من طرف السلطة الوصية رغم مرور ثلاثة وثلاثون سنة على التقسيم، هناك دواوير تابعة لجماعة تبعد عنها بأكثر من خمسة عشرة كيلومترات إلى عشرين، إلى جانبها جماعة لا تبعد عنها إلا بكيلومترين، كنموذج فقط دوار مكط، ودوار تاوريرت، ودوار تالات ن افرض، واكني واكاك على بعد ثلاثة إلى أربعة كيلومترات من جماعة والقاضي، وألحقها التقسيم الجماعي أثناء التقسيم بجماعة النحيت البعيدة عنها بحوالي خمسة عشرة كيلومترات فأكثر. ثم نموذج ثان قرية الكماضن ألحقها التقسيم الجماعي بجماعة إرازان البعيدة عنها بحوالي 25 كلم في الوقت الذي لا تبعد عن جماعة توغمرت إلا بحوالي خمس كيلومترات الخ، وهذا راجع إلى كون أعوان السلطة وموظفيها من المكلفين وقتذاك بإعداد لوائح التقسيم المفبرك لغاية ظرفية انتخابية خضعوا نفسانيا لهاجس القبيلة والعشائرية المتجاوزة في عصرنا وتم تفريخ عشرات المستشارين الجماعيين لاستعمالهم في انتخابات المجالس الإقليمية والجهوية وفي انتخابات الغرفة الثانية بالمقابل أوبدون مقابل.
ونتج عن هذا كذلك تفريخ عشرات الموظفين وعشرات الرؤساء وعشرات المساعدين لهم مع انعدام المداخيل لدى الأغلبية خاصة بالنسبة للجماعات القروية التابعة لإقليم تارودانت، مما يستوجب إعادة النظر في هذه الأخطاء الموروثة عن الماضي والتي تفرز سلبيات غير مبررة ذكرنا جزءا يسيرا منها. شيء آخر لمسته عن معايشة وعن دراسة ميدانية أن مكاتب التصويت غير متساوية وهذا راجع إلى اختيار ونوايا الداخلية ورجالاتها وقتذاك، ليبقى إرثا سلبيا تتوارثه الانتخابات والساكنة ولا أحد يستطيع تغييره مادام الأمر يتعلق بالمغرب غير النافع.
في جماعة النحيت كنموذج لغيرها من الجماعات القروية بدائرة ايغرم إقليم تارودانت هناك مكتب يتكون من ثلاثة دواوير كمكتب 1 ومكتب 6 وهناك مكاتب تتألف من دوار واحد. شيء آخر انعدام المنافسة أو قل استبعادها في أغلبية المكاتب مرشح واحد فقط بدون منافس، عدد المكاتب إحدى عشر مكتبا، سبعة منها ترشح فيها ويترشح فيها مرشح واحد وهذا في نظري راجع إلى انعدام تواجد الأحزاب وعدم توفر التأطير الحزبي والنقابي فقط البحث عن مرشح ما في آخر لحظة، مما يستوجب إعادة النظر في هذا الفراغ السياسي في عالمنا القروي ولابد من الإشارة إلى اختفاء مراقبة السلطة التي كانت في بداية التقسيم الجماعي مما جعل أغلبية الموظفين لا يتواجدون في مكاتبهم إلا يوم السوق الأسبوعي وحضور بعض الرؤساء وبعض المستشارين في الدورات وغالبا ما تلغى الدورة في هذه الجماعة وتلك لعدم توفر النصاب وقد يتوفر في الأوراق وإن لم يتوفر على أرض الواقع…
بعدما تمت الإشارة إليه يتساءل المتتبعون للشأن الجماعي في هذه المناطق المتخلى عنها من طرف المسؤولين ومن طرف سكانها إلا قلة جد قليلة بشهادة الإحصاء الأخير لسنة 2024.
هل لازال التقسيم الجماعي صالحا ولو نسبيا في وضعيته الحالية ؟
إذا رجعنا إلى آخر إحصاء لبعض الجماعات التابعة لدائرة إيغرم قيادة والقاضي كنموذج سيكون الجواب لا تتوفر على الحد الأدنى من السكان، لنأخذ جماعة والقاضي والجماعتين المتفرعتين عنها أثناء التقسيم سنة 1992 أقصد جماعة تيسفان وجماعة النحيت قبل التقسيم 9000 نسمة، بعد التقسيم بلغ عدد سكان جماعة والقاضي 2160 نسمة، سنة 2014 ليبلغ فقط سنة 2024 ما مجموعه 1477 نسمة. 1992 بلغ عدد سكان جماعة النحيت ما مجموعه 1890 نسمة ليبلغ سنة 2024 ما مجموعه 1456. 1992 بلغ عدد سكان جماعة تيسفان 2350 نسمة ليبلغ سنة 2024 : 1414 نسمة. يلاحظ عدم توفر الحد الأدنى من السكان للجماعات الثلاثة فقط ما مجموعه 4377، مما جعلنا نقترح إعادتها إلى ما كانت عليه قبل التقسيم لتكون جماعة واحدة بدل ثلاثة مع الاحتفاظ بمكاتب الحالة المدنية في الجماعتين المندمجتين.
طبعا هذا النزيف المعبر عنه بالهجرة الكلية بعد الجزئية ناتج عن تهميش هذه المناطق بعدم توفير ضروريات الحياة من تعليم وشغل وصحة وغيرها من مستلزمات الحياة كانت الهجرة لدى ساكنة الجماعات الثلاثة وغيرها للبحث عن لقمة العيش في هذه المدينة وتلك قبل الوعي بأن ضمان مستلزمات الحياة للأبناء والأحفاد يستلزم توفير التعليم بمراحله بمؤسساته إسوة بإخوانهم في الحواضر، ولما تعذر ذلك هاجرت الأسر إلى المدن القريبة والبعيدة لضمان الدراسة لأبنائهم وكنموذج على التهميش في هذا المجال تم عقد شراكة بين رؤساء الجماعات الثلاثة المشار إليها والقاضي، النحيت وتيسفان وبين مديرية التعليم بتارودانت لبناء إعدادية وداخلية سنة 2015، ومنح محسن وعاءا عقاريا من هكتارين بعد تحفيظه سلمه لمديرية التعليم بتارودانت، تلت هذا العمل اجتماعات في العمالة في المديرية في الأكاديمية وكتبت تحقيقات في الموضوع في هذا المنبر وتأسست لجنة سداسية للمتابعة قامت بزيارات لكل من له صلة في الموضوع في المديرية، في العمالة، في الأكاديمية، في الوزارة بالرباط.
لما تم الاتصال بالجماعات المجاورة كجماعة امي نتيرت وجماعة سيدي احمد اوعبد الله فرحبوا بإرسال أبنائهم طبعا بواسطة النقل المدرسي لكن وبعد عشر سنوت تقريبا من 2015 إلى 2025 لا شيء غير الوعود رغم توفر الوعاء العقاري ورغم توافد عمال منجم تيزيرت قرب والقاضي لأن أبناء من يملكون قرار الموافقة يتوفرون على التعليم بأسلاكه لأبنائهم قرب سكناهم، أدى هذا إلى الهجرة الكلية تقريبا بعد الجزئية كما نلاحظ في الإحصاء الأخير، لو توفر التعليم والصحة والشغل لعاد الكل إلى منازلهم.
إذن فنحن أمام ثلاث جماعات بدون تعليم إعدادي، وبدون طبيب، والجفاف، ولا شغل لولا التكافل الاجتماعي. المعروف في هذه المناطق من طرف الأفراد والجمعيات لما بقي أحد في هذه الدواوير ولأصبح عالمنا القروي أرضا خلاء، على المسؤولين في جميع الوزارات والجهات والعمالات أن يستيقظوا قبل فوات الأوان، فالعالم القروي شمالا وجنوبا شرقا وغربا قطعة من الوطن يجب العمل على توفير حاجياته الضرورية. مع التذكير بأن أبناء هذه المناطق ساهموا مساهمة فعالة في تحرير الوطن من الاستعمار وساهموا ويساهمون في بناء الوطن اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وفي جميع المجالات وتجب المعاملة بالمثل.