من أحمد بيضي إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي : رسالة مفتوحة حول مواطن معتقل بسجن خنيفرة بعد الحكم عليه بـ 10 سنوات بناء على تهم من «صنع شهود الزور»

ليس غريبا السيد الوزير المحترم، أن يظل ملف المواطن موح بني، المدان بعشر سنوات سجنا نافذا، والقابع وراء أسوار السجن المحلي بخنيفرة تحت رقم 41235، قائما على سطح النقاش العام، بل لم يتم إهمال أو تجاهل حالة هذا المواطن، وسط مطالب بإعادة النظر في قضيته التي أثارت جدلا واسعا، ويأتي ذلك بعد الكشف عن تورط «شبكة شهود الزور» التي سبق للنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بخنيفرة أن أمرت بتفكيكها واعتقال بعض أعضائها، مما دفع العديد من المتتبعين إلى التساؤل حول مصير المواطن بني، الذي يعتقد أنه أحد ضحايا هذه الشبكة.
ولعلمكم السيد الوزير، أن موح بني بن يدير، البالغ من العمر 62 عاما، والمعروف بـ»الحديديوي»، يكسب قوته من رعي الغنم، ويعيش ظروفًا اجتماعية صعبة مع أسرته الصغيرة، ولم يكن يتوقع أن تنقلب حياته رأسا على عقب بعد وقوعه ضحية مؤامرة حيكت ضده من قبل عناصر نافذة في المنطقة، والتي استغلت شهادته ضد أحد أفرادها لتوريطه في قضية اعتداء لم يرتكبها، وتشير المعطيات إلى أن هذه الشبكة كانت تعتمد على التهديد والوعيد ضد السكان، مستغلة نفوذها لتلفيق التهم زورا لمن يقف في طريقها أو يتجرأ على التبليغ بأفعالها.
وتعود وقائع القضية، السيد الوزير، إلى سنة 2020، عندما تقدم عون سلطة بشكاية إلى الدرك الملكي يدّعي فيها تعرضه لاعتداء من قبل عصابة مجهولة، مشيرا إلى أنه لم يتعرف سوى على شخص واحد من المهاجمين، وهو الراعي موح بني، مستندا في ذلك إلى شهادات أفراد من «شبكة الزور»، ورغم غياب بني عن المنطقة بسبب انشغاله في إملشيل، إلا أن الدرك اعتبر ذلك دليلًا على «الفرار المقصود»، مما دفع السلطات إلى إصدار مذكرة بحث وطنية في حقه، وعند علمه بالأمر، بادر إلى تسليم نفسه للدرك متفاجئا بالاتهامات الموجهة إليه.
ورغم نفيه القاطع لكل التهم المنسوبة إليه، فإن مجريات التحقيق لم تكن كافية لإثبات براءته، خصوصا بعد أن رفض عون السلطة تقديم هاتفه الشخصي للتفتيش بحجة أنه ضاع منه، ومع ذلك، تمت إحالة القضية على القضاء، حيث تحولت من جنحة إلى جناية، ليصدر في حقه حكم ابتدائي بسنة واحدة، قبل أن يتم رفع العقوبة استئنافيا إلى 10 سنوات نافذة، تحت تهم «تكوين عصابة، السرقة الموصوفة، والتعدد والعنف»، وهو ما لم يمر كأي أحكام طبيعية بعد اتساع موجات التضامن مع المعني بالأمر على مستوى الهيئات الحقوقية والإعلامية.
وللإشارة، السيد الوزير، قد فات للنيابة العامة المختصة بإحالة المعني بالأمر إلى الاستعلامات العامة للتحقيق، إثر تصاعد المطالب بالكشف عن حقيقة الملف، لتتوالى التطورات التي كشفت عن وجود «عصابة الزور»، ليتم توقيف أفراد رئيسية منها، والحكم عليهم بعقوبات اعتُبرت مخففة مقارنة بحجم الجرائم المرتكبة، ورغم أن المدانين قضوا مدة العقوبة، إلا أن موح بني ما زال يقبع في السجن، حيث نُقل من سجن بني ملال إلى خنيفرة، في انتظار إنصافه وتبرئته لإنهاء معاناته وإعادته إلى أسرته مع تعويضه عن الضرر الذي لحقه.
ويوما بعد يوم، السيد الوزير، ترتفع الدعوات لإعادة النظر في ملف المواطن موحى بني، وسط مطالب حقوقية بإنصافه ورد الاعتبار له، بعد أن أمضى ما يقارب حوالي أربع سنوات خلف القضبان من أصل العقوبة المحكوم بها عليه، وفي ظل هذا الوضع، تعرضت أسرته لمآسٍ اجتماعية خانقة، دفعت زوجته (ش. فاطمة) إلى مغادرة منزلها والانتقال إلى منطقة إغرم العلام، ضواحي مدينة القصيبة، للعمل في الضيعات الفلاحية بأجر زهيد، محاولةً توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لها ولأطفالها، فيما الابن القاصر اضطر للعمل بضواحي مراكش.
وللتذكير، السيد الوزير، فالملف لم يكن ليحظى بالاهتمام لولا تحرك عدة جهات حقوقية التي تابعت القضية باهتمام بالغ، إلى جانب اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة بني ملال-خنيفرة، التي انكبت على دراسة ملابسات الملف مع عقد لقاء بالمعني بالأمر، تزامنا مع إصدار المجلس الأعلى للسلطة القضائية لدورية تستهدف ضبط الشهود عبر آلية معلوماتية جديدة ضمن نظام تدبير القضايا الزجرية، في خطوة ترمي إلى الحد من ظاهرة «شهادة الزور»، التي تحولت إلى معضلة داخل بعض المحاكم المغربية.
وبينما قام وفد من اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، صباح الخميس 21 مارس 2024، بزيارة للمواطن المعني بالأمر، بالسجن المحلي لخنيفرة، وإعداد تقرير بشأن حالته المثيرة، دعا فرع «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» بخنيفرة، ل «وقفة احتجاجية بالشموع»، مساء الأربعاء 27 مارس 2024، وشهدت هذه الوقفة حضوراً واسعاً من المواطنين والمواطنات، إلى جانب أفراد من عائلة المعتقل، إضافة إلى عدد من ضحايا شهادات الزور، حيث استعرضوا في كلماتهم تجاربهم الشخصية ومعاناتهم مع هذه الظاهرة.
ولعلمكم، السيد الوزير، هناك تحركات جديدة بين عدة أوساط حقوقية ومدنية بإقليم خنيفرة لأجل تجديد المطالب المنادية بإطلاق سراح «الحديديوي»، معتبرين قضيته نموذجا لما لا يمكن إلا وصفه بالظلم الذي يمكن أن يتعرض له أي مواطن بسبب شهادات كاذبة، كما يقترح البعض نقل الاحتجاج نحو محكمة الاستئناف، مع إمكانية التصعيد وصولاً إلى وزارة العدل، سعيا لتحقيق العدالة وإيقاف ما لن يوصف إلا ب «مافيا الزور» التي تتلاعب بهيبة القضاء وتزج بالأبرياء في غياهب السجون ظلما وعدوانا.
والمؤكد، السيد الوزير، أن قضية موحى بني تعيد النقاش مجددا حول ضحايا يقبعون سقطوا في السجون بسبب شهادات «مزيفة»، وهو ما دفع بمجموعة من المتضررين بمدينة خنيفرة إلى تقديم شكاية جماعية للنيابة العامة، يعبرون فيها عن معاناتهم مما أسموه بـ»مافيا شهود الزور»، التي يقودها أشخاص يُشتبه في تناوبهم بين دور الضحية ودور الشاهد وفق المصالح والأهواء، ذلك في انتظار ما ستؤول إليه قضية «الحديديوي»، وسط أمل عائلته في تحقيق العدالة وعودته إلى أسرته.
وأنتم، السيد الوزير، أول من يعلم بما ينص عليه القانون الجنائي المغربي من نصوص تنص بوضوح على معاقبة شهادة الزور، حيث تتراوح العقوبات ما بين خمس إلى عشر سنوات في القضايا الجنائية، ورغم ذلك فالممارسات على أرض الواقع تظهر أن الظاهرة لا تزال متفشية، مما يستوجب تدخلا حازما لضمان نزاهة العدالة وحماية حقوق الأفراد من أي ظلم محتمل، وفي انتظار تدخلكم، يبقى الأمل معقودا على إنصاف المعني بالأمر وإيقاف معاناته خلف أسوار السجن، مع تأكيد ثقتنا الكاملة في قضائنا المغربي وعدالتنا الموقرة.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 04/03/2025