فيما يتناول الرئيس الأمريكي جو بايدن أزمات من إيران إلى بورما مرورا بالتغير المناخي، تكشف سياساته عن نهج متسق لافت قائم على التعاون الوثيق مع الحلفاء.
بعد شهر في البيت الأبيض قد يكون من السابق لأوانه التحدث عن “عقيدة بايدن” لكنه بادر بسرعة إلى إلغاء سياسات “أمريكا أولا” التي اتبعها سلفه دونالد ترامب الذي كان يسر بإغضاب قادة ودودين.
في أول خطاب له في محفل دولي، تعهد بايدن الجمعة أمام اجتماع افتراضي لمؤتمر ميونيخ الأمني بالعمل “عن كثب مع حلفائنا وشركائنا”. وقال “دعوني أزيل أي شكوك متبقية: الولايات المتحدة ستعمل عن كثب مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي والعواصم في أنحاء القارة — من روما إلى ريغا — للتصدي للتحديات المشتركة التي نواجهها”.
أعاد بايدن مجددا الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، ووضع حدا لانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، واعتبر التعاون الدولي ضروريا لتحقيق أهم أولوياته المتعلقة بمكافحة جائحة كوفيد-19 والتغير المناخي.
وبعد الانقلاب العسكري في بورما، سعى وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إقامة جبهة موحدة مع الشريكين الهند واليابان، اللتين ترتبطان بعلاقات أفضل مع الدولة التي تسعى الولايات المتحدة لإقناعها.
كما تخلى بايدن عن خطة لترامب تقضي بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا الحليفة، وسعى إلى تسوية خلاف مالي مع كوريا الجنوبية يتعلق بالدعم الذي توفره قاعدة أمريكية، وبدأ مشاورات مع اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفين اللذين تشهد العلاقات بينهما توترا، لرسم خارطة طريق بشأن كوريا الشمالية.
وحول مواجهة الصين المتنامية النفوذ والزعيم اليساري في فنزويلا نيكولاس مادورو، فإن سياسات بايدن لا تعد تغييرا لسياسات ترامب بقدر ما هي وعد لضمان مزيد من الدعم الدولي.
وقال مسؤول أمريكي بعد محادثة هاتفية بين بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ إن “الرئيس بايدن لم ينتقد استراتيجية ترامب لأنها غير متشددة حيال الصين بشأن التجارة، بل لأنه كان يقوم بذلك بمفرده وفي الوقت نفسه يحارب حلفاءنا وشركاءنا”.
وبالعكس، ابتعد بايدن رمزيا عن العديد من الحلفاء الذين دعموا ترامب، لكن سياساتهم تختلف مع بعض أهداف سياسات إدارته، ومن بينهم قادة إسرائيل والسعودية وتركيا.
وسعي بايدن لاتباع نهج الدبلوماسية ليس مستغربا. فخلال نصف قرن من العمل في أروقة واشنطن، تباهى ببناء علاقات ووضع صراحة مسألة إعادة إحياء التحالفات في مقدمة برنامج حملته.
وأظهرت دراسة أجريت العام الماضي حول مساعدي بايدن، ومن بينهم جيك ساليفان مستشاره الحالي للأمن القومي، أن الولايات المتحدة بحاجة “لاستعادة ثقة الحلفاء والشركاء” وأن تطمئنهم إلى أن السياسات والاتفاقيات لا تتغير بشكل جذري مع كل إدارة.
وانبرى بايدن لذلك على الفور. وقال سفير إحدى الدول الحليفة للولايات المتحدة في واشنطن بسرور إنه على تواصل شبه يومي، رغم أنه افتراضي، مع الإدارة. فيما قال بلينكن في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة مازحا إن وزارة الخارجية محظوظة لأنها مدرجة على “برنامج العائلات” للفواتير الهاتفية.
ومسؤولو إدارة بايدن “عكفوا على تمضية السنوات القليلة الماضية في التطلع نحو فرصة لتعزيز تحالفات، لذا أعتقد أنها مساع منسقة”، بحسب زاكاري هوسفورد من مؤسسة “جيرمان مارشال فاند” للأبحاث في الولايات المتحدة.
وستكون مساعي بايدن موضع ترحيب من القادة الذين “اعتقدوا أن الرئيس ترامب نظر إلى التحالفات بشكل شبه حصري، من منظار المبادلات التجارية”، بحسب هوسفورد.
لكن تجربة الرئيس السابق باراك اوباما تكشف عدم مبالغة في تقدير التحالفات.
وكان أوباما يحظى بشعبية واسعة لدى الجمهور الأوروبي، لكنه خاض خلافات حامية وإن كانت مهذبة، مع قادة حلفاء حول مسائل من بينها التجارة والسياسات المالية والإنفاق الدفاعي والحربين الشرستين في ليبيا وسوريا.
ويتوقع هوسفورد أن ينسق بايدن بياناته مع حلفاء لكنه قال إن الإدارة ستشجع أيضا على تنسيق الجهود، مثل فرض العقوبات على منتهكي حقوق الانسان.
وقال “يمكن أن نحقق تأثيرا أكبر بكثير، ليس فقط بصورة رمزية، لكن في حالات يحتفظ فيها المسؤولون بالأموال في الخارج”.
وأضاف “هناك الكثير من العمل الشاق الذي ينبغي القيام به لأن التحالفات وسيلة لتحقيق هدف، وليست هدفا بحد ذاته”.
إيران “المزعزعة للاستقرار”
فيما يتعلق بالخطوة الأولى لإدارته العودة لمسار دبلوماسي مع إيران، انطلقت وزارة الخارجية من مقترح للاتحاد الأوروبي يعرض عقد اجتماع غير رسمي بشأن الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي يكاد ينهار بعد انسحاب ترامب منه.
ودعا جو بايدن القوى الأوروبية إلى العمل معا للحد من أنشطة إيران “المزعزعة للاستقرار” في الشرق الأوسط، بعد ساعات على إبداء إدارة الرئيس الأمريكي الجديد استعدادها للمشاركة في محادثات لإحياء الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى.
وأبلغ بايدن مؤتمر ميونيخ الأمني إن “تهديد الانتشار النووي لايزال يتطلب دبلوماسية وتعاونا دقيقين في ما بيننا”.
وأضاف “لهذا السبب قلنا إننا مستعدون لإعادة الانخراط في مفاوضات مع مجموعة 5 + 1 بشأن برنامج إيران النووي”، في إشارة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا.
وتابع بايدن “يجب علينا أيضا معالجة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسنعمل في تعاون وثيق مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم بينما نمضي قدما “.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس الخميس، إن واشنطن قبلت دعوة المدير السياسي للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا لعقد اجتماع “غير رسمي” يضم إيران. وأشار برايس إلى أن الاجتماع سيناقش “طريقة دبلوماسية للمضي قدما “.
وجددت إيران الجمعة مطلبها رفع العقوبات التي أعاد ترامب فرضها عليها اعتبارا من العام 2018 إثر انسحابه الأحادي من الاتفاق حول برنامجها النووي.
واتخذت الإدارة الأمريكية الجديدة ثلاث خطوات حيال الجمهورية الإسلامية الخميس، أبرزها الاستعداد للمشاركة في محادثات يرعاها الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق المبرم في فيينا عام 2015.
وكتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر “التزاما بـ(قرار مجلس الأمن الدولي الرقم) 2231، ترفع الولايات المتحدة بشكل غير مشروط وفاعل كل العقوبات التي فرضت أو أعيد فرضها أو أعيدت تسميتها من قبل ترامب”.
وأكد “عندها، سنعكس فورا كل الإجراءات التعويضية التي اتخذناها” اعتبارا من 2019، وشملت التراجع عن كثير من الالتزامات الأساسية بموجب الاتفاق، ردا على الانسحاب الأمريكي منه.
ولم يتطرق ظريف مباشرة إلى الطرح في شأن إجراء محادثات. ويأتي ذلك مع 21 فبراير، وهو مهلة حددتها إيران لتقليص عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما لم ترفع واشنطن العقوبات.
وحذرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية المنضوية في الاتفاق، من تبعات “خطرة” للخطوة الأخيرة.
وأبرم الاتفاق بين الجمهورية الإسلامية والقوى الست الكبرى (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا)، وانسحبت منه واشنطن أحاديا عام 2018، معيدة فرض عقوبات اقتصادية انعكست سلبا على الاقتصاد الإيراني وقيمة العملة.
وبعد نحو عام، بدأت إيران التراجع تدريجا عن كثير من التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، والذي وضع إطاره القانوني بقرار مجلس الأمن 2231.
وأبدت إدارة بايدن عزمها على العودة إلى الاتفاق، لكنها تشترط بداية عودة طهران لكامل التزاماتها. في المقابل، تؤكد إيران أولوية رفع العقوبات قبل عودتها إلى التزاماتها.
وطلب مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني من الحكومة بموجب قانون أقره في ديسمبر الماضي، تعليق التطبيق الطوعي للبروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، في حال عدم رفع الولايات المتحدة العقوبات بحلول 21 فبراير.
وسيقيد ذلك بعض جوانب نشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت تبلغها من طهران دخول الخطوة حيز التنفيذ في 23 منه.
أعلنت إدارة بايدن موافقتها على دعوة أوروبية للمشاركة في محادثات تحضرها إيران وكل الدول المنضوية في الاتفاق، والمعروفة بـ “5+1”، في إشارة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا.
لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده كتب على تويتر أنه بسبب الانسحاب الأمريكي “لم يعد ثمة 5+1. الآن ثمة إيران و4+1 فقط”.
وأضاف “البادرات لا بأس بها. لكن من أجل إحياء 5+1، على الولايات المتحدة أن تتحر ك: ترفع العقوبات”، مرفقا تغريدته بو سم (“هاشتاغ”) من ثلاث كلمات مترابطة بالانكليزية هي “التزام”، “تصرف”، “لقاء”، كان ظريف استخدمها أيضا .
وأتى الاستعداد الأمريكي بعد دعوة المدير السياسي للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا الى عقد اجتماع غير رسمي لأطراف الاتفاق الذي يمر في “لحظة حرجة”.
كما اتخذت واشنطن خطوتين رمزيتين بتخفيف القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك، وإبطال إجراء اتخذه ترامب، وذلك بإقرارها رسميا أمام مجلس الأمن بأن العقوبات الأممية التي رفعت بموجب الاتفاق لا تزال مرفوعة.
وقال مسؤول أمريكي إن “الأمر يتعلق اليوم باتخاذ إجراءات دبلوماسية لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا الوصول” إلى هدف بايدن إعادة العمل بالاتفاق.
وأوضح أن الأمر يتعلق بـ”الجلوس إلى طاولة مع إيران وفتح الطريق لمحاولة العودة إلى وضع تكون فيه الولايات المتحدة وإيران متمثلتين مجددا “.
ورأت الخارجية الأمريكية أن محادثات بمشاركة كل أطراف الاتفاق ستسمح “بمناقشة أفضل السبل للمضي قدما في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني”.
وأكدت الخارجية البريطانية مشاركتها في محادثات قد تشكل “خطوة أولى للعودة إلى الدبلوماسية”.
واعتبرت موسكو عبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن تراجع واشنطن بشأن العقوبات الدولية “أمر جيد”، مشددة على أن “المهم هو إعادة إحياء نظام الاتفاق النووي”.
وسبق إعلان واشنطن، تصريح وزراء الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان والألماني هايكو ماس والبريطاني دومينيك راب والأمريكي أنتوني بلينكن في بيان بعد مؤتمر بالفيديو، أن هدفهم هو “رؤية إيران تعود إلى الاحترام الكامل لالتزاماتها” من أجل “حماية نظام منع الانتشار النووي وضمان عدم تمكن إيران أبدا من امتلاك سلاح نووي”.
تعتزم إيران الحد من وصول مفتشي الوكالة الدولية إلى منشآت غير نووية، بما في ذلك مواقع عسكرية يشتبه في أنها تشهد نشاطا نوويا .
ودعت أوروبا والولايات المتحدة طهران إلى تقييم “عواقب إجراء خطير كهذا، خصوصا في هذه اللحظة التي تسنح فيها الفرصة، العودة إلى الدبلوماسية”.
وأعلنت الوكالة، ومقرها فيينا، أن مديرها العام رافاييل غروسي سيصل السبت إلى طهرن “لإيجاد حل مقبول من الطرفين”.
وأكد البيان الأمريكي الأوروبي “القلق المشترك” إزاء “القرار الإيراني الأخير إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المئة واليورانيوم المعدني”، وهو ما يشكل “مرحلة أساسية في تطوير سلاح نووي”.
ورد ظريف بالتأكيد أن “إجراءاتنا هي رد على الانتهاكات الأمريكية والأوروبية”. وأضاف “سنرد على الأفعال بأفعال”.
اترك تعليقاً