من التربية الدامجة إلى المجتمع الدامج.. أي مسارات ممكنة؟

 

نظمت مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين وجمعية جهات المغرب، ندوة دولية امتدت ليومين متتاليين تحت عنوان «من التربية الدامجة إلى المجتمع الدامج أي مسارات ممكنة؟»، والتي انعقدت بمدرجات مؤسسة محمد السادس ذاتها وشهدت نقاشات حقيقية ومداخلات هادفة شرحت بالأرقام والتفصيل مسألة التربية الدامجة بالمغرب وما يعيق عملية إدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بمختلف إعاقاتهم المتوسطة والشديدة الحركية منها والذهنية، في سبيل دمجهم في المجتمع دمجا فاعلا ومسؤولا بما يمكنهم من العيش بكرامة داخل مجتمع تسود فيه تمثلات وصور جاهزة عنهم تعيق اندماجهم أو أنها تساهم في عزلتهم وتزيد من تقوقعهم على ذواتهم، وتجعل بينهم وبين المحيط أسوارا من قوالب جاهزة أكبر بكثير من معاناتهم وعدم التكفل بهم بشكل يليق بهم ويمكنهم من العيش بكرامة.
وقد افتتح د. محمد الدرويش، رئيس مؤسسة «فكر للتنمية والثقافة والعلوم» بكلمة افتتاحية لهذه الندوة الدولية التي عرفت مشاركات من عدة دول شقيقة.
وبمناسبة اليوم الوطني للإعاقة، الذي يصادف الثلاثين من مارس من كل سنة، وهو اليوم الذي وجب فيه على مدبري ومهتمي الشأن العام حكومة ومجالس منتخبة، وتنظيمات سياسية وحقوقية ومدنية، تقديم تقييم حقيقي لأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة لما أنجز وما لم ينجز بعد، وما هي الإكراهات والصعوبات، التي تعترض تنفيذ ما يتم التخطيط له وكيف السبيل إلى تحسين أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، وبهذا المنظور ومن هذا المنطلق، حسب د. الدرويش، نظمت مؤسسة «فكر للتنمية والثقافة والعلوم» بشراكة مع جمعية جهات المغرب ومساهمة مؤسسات دستورية وحكومية ومدنية بغية إظهار قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وتجديد إخراجها للنقاش العمومي لتكون أولوية من أولويات القائمين على تدبير الشأن العام، لما لها من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وتنموية بأبعادها الوطنية والدولية.
كما ذكر د. الدرويش بمجهودات قيمة تشريعيا منذ سنة 1999 ، والتي ترجمها منطوق الخطب الملكية السامية نذكر منها ما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2002 إذ قال جلالته:
( ونجدد التأكيد في هذا الشأن على الأهمية الخاصة التي نوليها للأشخاص المعاقين باعتماد برامج مندمجة تؤهلهم للانخراط التام في الحياة العامة من خلال تكوين ملائم يوفر لهم أسباب العيش الكريم).
وكما أكدت عليها المقتضيات الدستورية خصوصا ما تنص عليه المادة 34 تمتيعا للأشخاص ذوي الإعاقة بالحقوق والحريات وتوفير كل ضمانات الحماية ضدا عن كل تمييز، وكذا القوانين المنظمة منها القانون الإطار 97.13 وما تم بلورته في المخطط الخماسي 2021-2017 للعمل الوطني للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. وكذا مساهمة المملكة المغربية في الإعداد لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، دوليا وعربيا وإفريقيا، وبذلك تكون المملكة المغربية قد أولت اهتمامات خاصة بالسياسات الاجتماعية، والتي سجلت تحولات نوعية من خلال المشاريع التنموية استنادا إلى كون التنمية مدخلا من مداخل حقوق الإنسان،علما أن وضعيات أغلب الأشخاص ذوي الإعاقة تظل تسائل السياسات العمومية في بلدنا إذ لم تسعفهم المقتضيات الدستورية والقانونية من ضمان الحقوق كاملة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وهو الأمر الذي رصدته تقارير وطنية ودولية في تناقض مع منطوق دستور المملكة، والذي يؤكد في المادة 34 منه على السلطات العمومية أن تقوم ب (وضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة ولهذا الغرض تسهر هذه السلطات خصوصا على ما يلي:
– معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات والأطفال والأشخاص المسنين والوقاية منها.
– إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية حركية أو عقلية وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع).
وانطلاقا من هذا التطور والمسارات إيجابا وسلبا حاولت القطاعات الحكومية ملاءمة مجالات تدخلها وبرامجها للانتقال من منطق خيري صرف إلى منطق الحقوق والحريات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية بغية تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الاستفادة الكاملة من خدمات التربية والتكوين والصحة والإدماج المهني والمجالات الترابية.
وأضاف د. الدرويش بأن انعكاسات كوفيد 19 أثرت بشكل سلبي على الجميع خاصة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة خصوصا، إذ زادت، حسب رأيه، هاته الانعكاسات السلبية من معاناة مجموعة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة بل أن هاته الانعكاسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية أكدت بما لا يدع مجالا للشك أننا جميعنا ذوو احتياجات خاصة.
ومما لا شك فيه ان نجاح تنفيذ أي استراتيجية وطنية للنهوض بحقوق المواطنات والمواطنين في وضعية إعاقة تتطلب بذل مجهود جماعي تنخرط فيه كل المؤسسات والقوى في إطار مقاربة تشاركية بين القطاعات الحكومية المعنية ومكونات المجتمع المدني المختص والمجالس المنتخبة، من أجل تجاوز كل الإكراهات والمعيقات التي تحول دون التنفيذ الجيد للمشاريع والبرامج، والتي تضمنها مخطط العمل الوطني 2017ـ2021، ولابد هنا من التذكير بأن الحاجات التي تحظى بالأولوية لدى الأشخاص ذوي الإعاقة تظل هي المجالات الاجتماعية، الصحة والتعليم والسكن والشغل، وتوفير شروط وظروف الحياة الكريمة مما يجعلهم يتمتعون بالحقوق والحريات.
وقد قدم د. الدرويش عدة توصيات نذكر منها التفكير في إنشاء صندوق خاص بالمشاريع المرتبطة بالأشخاص ذوي الإعاقة يمول مثلا من الشركات الكبرى وكذا من نسبة من 1 إلى 10 في المائة من مداخيل كل ورقة سفر عبر الطائرة وعبر البواخر…
وقد شهدت أشغال الندوة الدولية مشاركة العديد من الفاعلين والباحثين والممثلين عن المؤسسات الحكومية والدستورية حيث قدموا جميعا مداخلات قوية وهادفة تشرح جميعها وضعية الأشخاص ذوي الإعاقة من أجل انخراط سلس في الحياة العامة.
وقد نص دستور المملكة في المادة 34 على تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بكافة الحقوق على قدم المساواة مع أقرانهم الأسوياء، حيث قدم في هذا الاتجاه مختار مكور، ممثل وزارة التعليم العالي، مداخلة أكد فيها أن أي فرد مصاب بأي اضطراب مؤهل، مادام يملك شهادة الباكالوريا، للالتحاق بأسلاك الجامعة، وأن أي إقصاء لأي شخص لاعتبارات أو إعاقة ذهنية أو جسدية فهو مرفوض جملة وتفصيلا. كما أضاف مكور بأنه لا يجب اختزال التربية الدامجة في إدماج المعاقين بل يجب أن نتجاوز ذلك إلى استقبال المهاجرين واللاجئين خاصة أن بلدنا لم يعد بلد عبور وإنما أصبح بلد استقبال. وأكد ذ. مكور أن الجامعة الدامجة مدخل للمجتمع الدامج وأن المجتمع ليس دامجا بما يتناغم مع الأفق الجديد الذي أوصى به النموذج التنموي مع ضرورة وضع آليات للمواكبة تحفز على تكافؤ الفرص عبر إرساء نظام أساسي للطالب والحياة الطلابية ما يجعل الفضاء الجامعي شاملا جامعا لكل الفئات الطلابية بمعنى أن تصبح الجامعة ذلك الفضاء الدامج، وذلك المجتمع المصغر والنموذج لأي مجتمع نريد.
من جهتها أكدت هند بنيشطو، ممثلة عن وزارة الأسرة والتضامن، أن السياسة العمومية المندمجة مرجع أساسي إلى جانب القانون الإطار 97/13 الذي يحدد الأهداف الأساسية للدولة في مجال الإعاقة. حيث أقرت الممثلة ذاتها، بأن الوزارة الوصية تعمل في إطار اتفاقيات وشركات تجمعها بعدد من المؤسسات العمومية من خلال برنامج تحسين الأطفال في وضعية إعاقة حيث تم تأهيل الموارد البشرية خاصة برنامج رفيق الذي يتيح تكوين 3000 ممارس ميداني في تكوين أطفال التوحد وتأهيلهم سلوكيا وتواصليا.
لكن في غياب موقف واضح من الإعاقة والمشاكل الحقيقية في الولوجيات والتعليم والتشغيل وانعدام التكوين، طرح في هذا السياق مولاي اسماعيل العلوي جملة أسئلة حارقة من قبيل ما هي القواعد التي تلزمنا بأن تكون لنا تربية دامجة ؟ ولماذا نتكلم عن الإدماج في بلدنا؟ وما الذي يلزمنا في تحقيقه؟ رغم أن الدستور يقر بضرورة تفعيل الإدماج إلا أننا نكاد نكون أبعد من ذلك رغم كل المحاولات الحثيثة من طرف الدولة والمجتمع المدني، ما يحيلنا على طرح سؤال حارق، هل المجتمع المغربي بدوره مجتمع دامج؟ متسائلا عن السبب الرئيسي في ذلك، هل هي المنظومة أم المجتمع أم النظام الاقتصادي أم الدولة أم المجتمع؟ حيث أكد العلوي أن المسؤولية تتقاسمها كل هذه الأطراف خاصة الدولة بشكل كبير لما لها من إمكانيات أخلاقية لحسم التعايش في مجتمعنا، كذلك الحال بالنسبة للمجتمع المدني، كما أن النخب تتحمل مسؤوليتها كاملة في ردم هوة التمثلات الجاهزة التي تجعل المجتمع رافضا للإعاقة مهما تظاهر بعكس ذلك.
وفي السياق ذاته، أجمع كل من محمد منصوري وهو باحث من تونس الشقيقة وملم بقضايا الإعاقة، وعبد الباسط بيومي وهو إعلامي مصري من ذوي الإعاقة، على الدور الكبير للإعلام في عملية الدمج حيث تقدم هذه الوسائل المعاق للأسف الشديد وكأنه ضحية وعالة ومثير للشفقة، في الوقت الذي وجب عليها أن تقدم نماذج ناجحة في المثابرة والاجتهاد وأن تعرض لكل هذه النماذج لكي تردم كل الصور النمطية السلبية التي تجعل من المعاق إنسانا ناقصا وغير مفيد لا لنفسه ولا لمحيطه ولا لوطنه، كما استهجنا معا العرض الموسمي لوسائل الإعلام لمعاناة المعاقين في قالب استعطافي بئيس يبعد المعاق تماما عن الدمج وأن الإعاقة ليست إعاقة جسدية وانما إعاقة مجتمعية جمعية بامتياز.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 07/04/2022