من النت إلى الميادين: لماذا خرج جيل Z؟

لم تعد الشوارع تعبيرًا عن التذمّر وحده، بل تحوّلت إلى منبر واعٍ يلوح به جيلٌ جديد، يرى أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قد بلغت حد الانفجار. لقد خرجت فئة كبيرة من شباب «جيل Z» أولئك المولودون بين أواخر التسعينيات والعقد الثاني من الألفية – في عدة مدن مغربية للتظاهر والمطالبة بإصلاح جذري، تحت شعارات العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وتحسين الخدمات التي تُعتبر بديهيّة في أي دولة تحترم مواطنيها.
تشير تقارير مختلفة إلى أن نسبة بطالة الشباب تتجاوز 35.8٪، بينما تصل نسبة البطالة بين الخريجين إلى حوالي 19٪. كما أن الحكومة تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب مطالب المواطن العادي في التمتع بخدمات صحية وتعليمية لائقة، وهو ما أثارته الاحتجاجات فور اندلاعها.
وبالرغم من أن التحرك جاء بلا قيادة مركزية واضحة، فإنه عبّر عن حالة إحباط عميقة، وعن فقدان الثقة في المقاربة التنموية التي اعتمدتها الحكومة في السنوات الأخيرة.
بهذه الخلفية، يمكن فهم أن المطالب التي يرفعها اليوم المتظاهرون ليست جزئية أو عابرة، بل هي مطالب أساسية تُلامس حياة المواطن اليومية، ويجب أن تُقرأ كخريطة طريق للتغيير الاجتماعي الحقيقي.

الاحتياجات الشعبية: بين الخطاب الواقعي والمطالب الملحّة

حين نراقب الواقع الاجتماعي في القرى والمدن، نلمس أن المواطن المتضرّر لا يرفع سوى مطالب أساسية: مدرسة لأطفاله، طبيب عندما يمرض، سكن لائق، عمل يضمن الكرامة، أسعارُ معقولة، بنية تحتية لا تنهار، وخدمة عامة شفافة تخضع للمحاسبة.
هذه الاحتياجات ليست رفاهيات، بل هي حاجات أساس. وما يُفرّخ الغضب الشعبي ليس العجز عن الحلم، بل الشعور بأن تلك الحاجات قد تمّ تأجيلها مرارًا وتكرارًا، أو أنها تُضَخّم فيها الرسوم لتمويل مشاريع لا تصبّ في صالح المواطن.
في ضوء هذا السياق، يمكن أن تُبنى المطالب التالية، مع التأكيد على أن أي وعد يجب أن يُرفقه جدول تنفيذ ومتابعة شعبية.

1. المطالب الاجتماعية

أ) التعليم

تعليم مجاني وجيد للجميع : لا يكفي أن نقول “التعليم مجاني” إذا بقي الواقع يُشير إلى أقساط، أو تجهيزات مفقودة، أو مدارس غير صالحة. يجب أن يكون التعليم فعليًّا مجانيًا من المرحلة الأولى حتى البكالوريا، مع ضمان الجودة.
سد الخصاص في الأساتذة والحد من الاكتظاظ : تحديد سقف لعدد التلاميذ في القسم (مثلاً لا يزيد عن 30 في المرحلة الابتدائية)، وإطلاق مباريات توظيف شفافة تستهدف المناطق النائية أولًا.
تحديث المناهج والرقمنة : إدماج مهارات القرن الحادي والعشرين: التكنولوجيا، التفكير النقدي، اللغات، المشاريع التعاونية، وتأهيل الأساتذة بانتظام لتطوير مهاراتهم الرقمية.
بناء وتجهيز المدارس في القرى والمناطق النائية : إطلاق مشاريع بناء مدارس جديدة مجهزة (حواسيب، سبورات ذكية، إنترنت، مكتبات) في جميع المناطق التي تعاني نقصًا.
دعم النقل المدرسي : توفير حافلات مدرسية مدعومة، وتخفيف الرسوم أو إلغاؤها عن الفئات الهشة.
اعتماد الإنجليزية كلغة ثانية بدلًا من الفرنسية : تطبيق تدريجي للإنجليزية كلغة ثانية أساسية مع تكوين الأساتذة وتوفير كتب وموارد تعليمية داعمة.

ب) الصحة العامة

رفع مؤشر الأطباء لكل 1,000 نسمة : جعل الهدف الوصول إلى 1.5 إلى 2 طبيب لكل 1,000 نسمة – وهو ما يقتضي فتح مقاعد بكليات الطب والتمريض، وربط التوظيف بالإلزامية في المناطق المعزولة لفترة محددة.
توفير المستلزمات الطبية الكافية في المراكز الصحية : المستلزمات الأساسية يجب أن تكون متوفّرة دومًا: الأدوية، الأدوات الجراحية، أجهزة التشخيص، التحاليل المخبرية.
دعم الإنتاج المحلي للأدوية: تحفيز الصناعة الصيدلانية المحلية عبر إعفاءات ضريبية، قروض ميسّرة، شراكات بحثية، من أجل إنتاج الأدوية المكافئة محليًا وتخفيض أسعارها للمواطن.
تطوير خدمات الإسعاف والنقل الصحي في القرى : سيارات إسعاف مجهزة، فرق إسعاف متنقلة، زمن استجابة محدد، تجهيز المراكز الصحية الثانوية في القرى بنفس المقاييس.
رقمنة المواعيد لتقليص وقت الانتظار : إنشاء منصة وطنية موحدة لحجز المواعيد، إشعارات عبر الرسائل، إعادة جدولة آلية، وتقييم الخدمة من المستخدمين.

ج) العيش الكريم والبُنى التحتية

سكن لائق وبأسعار معقولة : إطلاق مشاريع سكنية موجهة لذوي الدخل المحدود أو المتوسط، مراقبة أسعار العقار، وتطبيق ضوابط تمنع المضاربات على الأراضي.
تحسين وسائل النقل العمومية : زيادة عدد الحافلات أو القطارات، تحديث الأساطيل، تخفيض أسعار التذاكر للفئات الضعيفة، وربط الأقاليم بطريقة فعالة.
الحد من تهميش المناطق القروية / فك العزلة : تعبيد الطرق، ربط بالكهرباء والماء والإنترنت، تشجيع المشاريع الاقتصادية في القرى (زراعة، حرف، سياحة قروية).
توفير ماء صالح للشرب بجودة عالية : الاستثمار في محطات المعالجة، صيانة الشبكات، الكشف عن التسربات، مراقبة دورية علنية لجودة المياه.
إعطاء الأولوية لترميم البنية التحتية : تخصيص ميزانيات صيانة دورية لإصلاح شبكات الصرف الصحي، الإنارة العامة، الأرصفة.

2. المطالب الاقتصادية

تخفيض الأسعار ودعم المواد الأساسية : دعم مباشر للفئات الهشة، مراقبة المضاربات، وتحديد سقف للزيادة السنوية في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية.
تحسين الأجور ومعاشات التقاعد : ربط الأجور الدنيا بمستوى المعيشة الفعلي، ورفع المعاشات التقاعدية لتُتيح للمتقاعد العيش بكرامة.
خلق فرص عمل للشباب والحدّ من البطالة : إطلاق برامج تشغيل مباشر في إعمار البنى التحتية، الخدمات، الاقتصاد الأخضر، وربط التكوين المهني بسوق العمل الفعلي.
مكافحة الاحتكار وتشجيع المنافسة العادلة : فرض تشريعات ضد الممارسات الاحتكارية، وتعزيز دور الجهة الرقابية المستقلة.
تسهيلات للمقاولات الصغرى والمتوسطة : تقديم قروض ميسّرة، إعفاءات ضريبية في السنوات الأولى، مرافقة إدارية، تسهيل التصدير، دعم رقمنة هذه المقاولات.
تشديد الرقابة على الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات : فرض ضرائب عادلة، الشفافية في العقود، إلزامها بالاستثمار في الاقتصاد المحلي، منع التهرب الضريبي وضمان حقوق العمال.
الحد من الخوصصة : إعادة تقييم كل عملية خصخصة، خصوصًا في الصحة والتعليم والماء والكهرباء، ووضع آليات رقابية شفافة.
الاستثمار في الشركات المغربية : تشجيع الاستثمار المحلي في المشاريع الكبرى والصغرى، تفعيل صناديق استثمار محلية، وحفز المواطنين على الاستثمار في اقتصاد وطنهم.
إعطاء الأولوية لتسديد القروض الدولية : التفاوض لإعادة هيكلة الديون أو إرجاء الدفع، وتحويل جزء من فوائد الدين إلى مشاريع تنموية محلية.

خلاصة

ما يطرحه الشارع اليوم ليس قائمة تمنيات، بل خطة إنقاذ. جيل Z بصرخته الأخيرة أعاد ترتيب الأولويات: التعليم الجيد، الصحة في المتناول، العيش الكريم، والعدالة الاقتصادية. هذه ليست شعارات، بل شروط حياة كريمة وبلد متوازن.

(*) نائب البرلماني