لا يزال اعتقال الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال بمطار الجزائر يوم 16 نونبر 2024، يثير ردود فعل داخل الإعلام والوسط السياسي الفرنسي، وهو الاعتقال الذي أكدته وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية دون أن تحدد تاريخ ذلك.
الاعتقال يرجح أنه جاء على خلفية تصريحاته لمجلة “فرونتيير”، حيث تبنى فيها الرواية التاريخية للمغرب ضد الاستعمار الفرنسي وذكر إن أراضي مغربية كثيرة انتزعت من المملكة تحت سيطرة الاستعمار لصالح الجزائر المستعمرة. وهو نفس العمل الذي قامت به السلطات الاستعمارية تجاه أراضي بلدان أخرى مثل تونس وليبيا، بعد ان كانت فرنسا تعتقد انها ستستمر في إدارة أراضي الجزائر التي كانت تسمى إقليما فرنسيا مدة قرن وعشرين سنة. وهو موقف لم يغفره النظام الجزائري للكاتب واعتبر موقفه المؤيد للحقيقة التاريخية للمغرب تجاوزا للخطوط الحمراء.
وفي الوقت الذي امتنع فيه أعضاء الحكومة الفرنسية عن التعليق على هذا الاعتقال، سواء وزيرة الثقافة رشيدة داتي أو وزير الخارجية جون نويل بارو، وذلك ما يبدو بأمر من رئيس الحكومة ميشيل بارنييه من أجل تجنب تعقيد وضعية الكاتب المعتقل، عبر عدد من القادة السياسيين الفرنسيين خارج الحكومة عن قلقهم، أبرزهم رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب الذي يرى أن الكاتب “يجسد” بشكل خاص “الدعوة إلى العقل والحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية”. كما أبدى عدد كبير من الكتاب دعمهم لبوعلام صنصال في محنته، بينهم الفرنسي نيكولا ماتيو الذي تحدث عن “فخ” نصب له، أو الكاتب الطاهر بن جلون الذي دعا إلى “تحرير” صنصال. وكتب مواطنه ياسمينة خضرا في بيان لوكالة فرانس برس “اعتقاله يزعجني. المثقف مكانه حول طاولة مستديرة، في جلسة لمناقشة الأفكار، وليس في السجن”. وفي مجلة “لوبوان” الفرنسية، ندد الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود بوجود “أخيه” “خلف القضبان، مثل الجزائر بأكملها”.
و أعرب عدد من الحائزين على جائزة نوبل عن تضامنهم وشجبهم لهذا الاعتقال التعسفي منهم أني أرنو، جون ماري لوكليزيو، أورهان باموك، وول سوينكا، بالإضافة إلى كتاب آخرين مثل سلمان رشدي وروبيرطو سفيانو، ليلى سليماني، الطاهر بنجلون، علاء الاسواني، ميشال برازان، باسكال أوري، بيتر سلوتردجيك، أيام سورو، فيليب فال، فاليري زيناتي، جون كريستوف روفان، جون ماري روار، بيير نورا…
وبحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لمجلة “فرونتيير” الفرنسية، واعتبرت ذلك “خطا أحمر” بالنسبة إلى الجزائر، قد يؤدي إلى اتهام الكاتب بـ”المساس بسلامة ووحدة الوطن” ، كما أن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية انتقدت، الجمعة، فرنسا لدفاعها عن “مفكر يشكك في وجود الجزائر واستقلالها وتاريخها وسيادتها وحدودها”، واصفة الكاتب بأنه “دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر”.
يعتبر بوعلام صنصال من الأسماء البارزة في الأدب المعاصر الناطق بالفرنسية، حيث عرف بكتاباته الملتزمة ضد الظلامية ومن أجل الديموقراطية، وبأسلوب لاذع في بعض الأحيان، كما وصفته وكالة الأنباء الفرنسية.
بدأ بوعلام صنصال المولود عام 1949 في الجزائر، لأب من أصل مغربي وأم تلقت تعليما فرنسيا، الكتابة في عمر 48 عاما، ونشر روايته الأولى “قسم المتوحشين”بعد عامين على ذلك. ويروي في هذا الكتاب صعود قوة الأصوليين الذي ساهم في إغراق الجزائر في عقد من الحرب الأهلية التي خلفت 200 ألف قتيل بين عامي 1992 و2002. وبعدما كان مدرسا ورجل أعمال وموظفا حكوميا كبيرا، فصل من وزارة الصناعة عام 2003 بسبب موقفه النقدي ضد الحكومة، ولا سيما في ما يتعلق بتعريب التعليم. تقول نفس الوكالة.
بوعلام صنصال يؤدي اليوم ثمن جرأته، وترديده لحقيقة تاريخية بالمنطقة، وهو عملية البتر التي قامت بها فرنسا الاستعمارية لصالحها عندما كانت بالجزائر، والمقصود الصحراء الشرقية والعديد من المناطق بالشمال الشرقي، وهي مازالت مناطق تتميز بممارستها للعادات والثقافة المغربية وهو ما يجعل جزءا كبيرا من المغرب التاريخي جزءا من أراضي الجمهورية الجزائرية اليوم.
الإدلاء بهذه الحقيقة جعل النظام الجزائري، حسب عدد من المتتبعين، يتهم الكاتب بوعلام صنصال ” بالمساس بسلامة ووحدة الوطن”، مما سيجعل النظام متشددا تجاهه خاصة أن أصول عائلته مغربية، مما سيسهل إلصاق العديد من التهم به كما هو متداول بالإعلام الجزائري وشبكاته الاجتماعية.
كما أن أغلب كتبه منعت ببلده الأصلي الجزائر ويتم اتهامه بمعاداة الإسلام وهي التهمة التي رد عليها بالقول “لم أقل قط أي شيء ضد الإسلام من شأنه أن يبرر هذا الاتهام”، لكن “ما لم أتوقف عن إدانته هو استغلال الإسلام لأغراض سياسية واجتماعية”.
من بينهم إدوار فيليب، لوكليزيو، أرنو، سوينكا، باموق : سياسيون وحائزون على جائزة نوبل للآداب يتضامنون مع الكاتب بوعلام صنصال
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي
بتاريخ : 25/11/2024