من تأنيث الكتابة إلى تأنيث اللغة

تجارب نسائية تبحث عن أفق مشترك سقفه الإبداع

هل يفضي تأنيث الكتابة الى تأنيث اللغة، وهل استعادت المرأة علاقتها باللغة أم ظلت رهينة ذكوريتها، خوفا من النسق الذكوري للثقافة الذي احتكر سلطة الإبداع والخيال لأمد طويل؟
هل تكفي الكتابة عن الذات والجسد لإعادة التوازن لهذه اللغة، بل كيف وظفت الكاتبة هذه اللغة بين فضائها الخاص الذي تخبر دهاليزه، والفضاء العام الذي تتوجه إليه؟
ثلاث تجارب نسائية، تطارحت تأملاتها حول الكتابة والذات والعلاقة مع الجسد ومع الآخر خلال ندوة « الكتابة وتأنيث العالم» بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط، شاركت فيها الروائية والناقدة والصحفية اللبنانية علوية صبح والشاعرة والروائية عائشة البصري والكاتبة والمفكرة التونسية رجاء بنسلامة، وسيرتها الناقدة حورية الخمليشي.

 

اعتبرت الناقدة حورية الخمليشي أن أدب المرأة لم يغب عن المجتمع العربي منذ زمن بعيد، رغم أنه لم يصلنا من إنتاجاتهن إلا القليل بسبب عدم الاهتمام بتدوين أدب المرأة، ضيفة أن مصطلحات «الأدب النسائي» أو «الأدب النسوي» أو «أدب المرأة»، أو «الأدب الأنثوي» مصطلحات حديثة عرفها الأدب العربي في مرحلة النهضة تبعا للحركات النسوية التحررية التي ظهرت في القرن العشرين،والتي جعلت المرأة تنخرط في جميع مجالات الحياة الثقافية، وأولها الكتابة التي أضافت زخما قويا لمسيرة الابداع، بعيدا عن أي تصنيف جنساني مقابل الانتصار لأدبية وفنية النص.

علوية صبح: الكتابة عن الجسد خرجت عن إنسانيتها حين دخل الجسد إلى منطقة السلطة

ترى الروائية والصحفية والناقدة اللبنانية علوية صبح أن الحديث عن تأنيث الكتابة لا يتم إلا حين تمتلك الكاتبة القدرة على استنطاق دواخل النساء وعذاباتهن، ألمهن وفرحهن، وهو ما تسعى إليه شخصيا في كل رواياتها من ‹دنيا» إلى «اسمه الغرام» و»نوم الأيام»، «مريم الحكايا» الى آخر رواية لها صدرت حديثا بعنوان «أن تعشق الحياة»، أي إعلاء صوت المرأة في النص الإبداعي، عبر لغة تبني من خلالها عالما من لحم ودم تحمل فيه الشخصيات قول المرأة، بما فيه من رغبة للتعبير عن الذات والجسد، وهنا بالضبط يكمن ، حسبها، امتحان الحرية عند الكاتبة، فبدونها لن تستطيع الكاتبة خلق تمثلاتها اللغوية للتعبير عن ذاتها وعن جسدها، بعيدا عن أي تمثل بورنوغرافي. ومن هذا المنطلق ، ترى علوية صبح أن الكتابة عن الجسد يجب ألا تكون ابتزازا للقارئ أو فعلا فضائحيا ، بل يجب عن تتم ضمن المجال والجانب الجمالي للأدب.
عن علاقة الكتابة بالجسد، تعتبر علوية أن الكتابة عن الجنس والجسد خرجت عن نطاق العلاقة الإنسانية حين دخل الجسد إلى منطقة السلطة، وهي حين تكتب ، فلتقارب الحياة ولتتعامل مع شخصياتها في علاقتهن بالآخر وبالجسد في محاولة لتكسير الصور النمطية وتعرية الواقع.
لا تخفي علوية صبح أنها في مشروعها الروائي تظل مهجوسة بالحفر في دواخل النساء، وبالكتابة من أجل التعلم من شخصيات رواياتها، محاولة عبر الكتابة، ومن خلالها، بناء وعيها. وهي في كل ما كتبته، لم تنقطع عن التراث العربي ولا انفصلت عن التراث الانساني العالمي. فالكتابة لديها أشبه برحلة نحو المعرفة تقوم خلالها بالحفر في الشخصيات وفي عمقها وفي علاقتها بالأشياء وبالآخر المختلف، دون أن تستعير لغة الرجل التي كتب بها عن المرأة ، لغة نمّطت الجسد وتملكته. لغة للمرأة الكاتبة اليوم الحق في امتلاكها ليس بدافع الانتقام من المجتمع أو الرجل، بل من منطلق الحق في التعبير الإنساني لأن المعرفة تظل ناقصة إذا قدمت من طرف الرجل، وهي بهذا الفعل تشاركه في إنتاج المعرفة.

عائشة البصري:» الكتابة تحميني من انفجار يحمل شظاياي وشظايا الأم والجدة والبنت

اختارت الشاعرة والروائية عائشة البصري عنوانا دالا لمداخلتها، يختزل واقع التهميش والإقصاء الذي تمارسه اللغة بدورها على المرأة، وهو «خمس نساء وكبش يمشون فوق العشب»، بما يحتويه من حمولة تنقيصية تظهر تحيز اللغة للمذكر.
صاحبة» ليالي الحرير» ترى أن شعار تأنيث الكتابة أصبح كناية عن تلقيح العالم المنذور للقسوة والعنف بلقاح من النعومة واللطف، بما تحمله الجملة من صدى لخطاب ذكوري.
وحذرت مؤلفة ‹الحياة من دوني» من مخاطر بعض التعبيرات والأفكار الجاهزة حول المرأة عموما والمرأة الكاتبة، وهي الأفكار التي يتم الاستسلام لها أحيانا لكنها تضمر تسويق صورة هشة عنها عبر عبارات مسكوكة تعلّب المرأة وتدغدغ مشاعرها في محاولة لإبقائها بعيدة عن تحولات ودينامية المجتمع وأسئلته الراهنة.
وفي نفس السياق، لفتت صاحبة «السابحات في العطش» و»حفيدات غريتا غاربو» الى أن السؤال الملح طرحه اليوم هو : كيف تنتقل الكاتبة بكتاباتها من «هوية اجتماعية إلى هوية نصية، ومن الكتابة كرد فعل إلى الكتابة كفعل خلاق ومنتج للتاريخ والمعرفة ومنتج لذات أنثوية جديدة»، وهو الصراع الذي تؤكد بصدده أنه يجب أن يتم في المجتمع وفي اللغة قبل أن يجد له امتدادات في الكتابة، مشيرة الى أن معركة الكاتبة تتم داخل الكتابة التي تعاني خلالها وبعد ولادة النص الذي تكتبه البصري كي لا تنفجر انفجارا غير لائق، يحمل شظاياها ومعه شظايا الأم والجدة والبنت والحفيدة.

رجاء بن سلامة: كتابة تلتفت الى ما لا يكاد يُرى

المفكرة والكاتبة التونسية، رجاء بن سلامة، اعتبرت أن أصوات النساء في العالم العربي لم تصلنا إلا عبارة عن مرويات عن الرجال، أمام صمت مريب حول أدب المرأة ، مشيرة في هذا الصدد الى أن ما ضاع من التراث الأدبي للنساء أكبر بكثير مما ضاع من التراث العربي غير المدون.
وأضافت صاحبة «نقد الثوابت: آراء في العنف والتمييز والمصادرة» أن مقولة أن التاريخ يكتبه الأقوياء تلخص واقع الإبداع النسائي العربي قديما، خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل كتابة تاريخ النساء من باب اقتفاء الأثر ، قبل أن تأتي رياح النصف الثاني من القرن العشرين بنقلة حضارية نوعية جعلت أصوات النساء تصل مباشرة دون وسيط، فقط بواسطة كتابة تلتفت الى ما لا يكاد يُرى والى الضئيل والهامشي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 11/06/2022