تساءل دولوز، في كتاب يحمل عنوان “حوارات” Dialogues، ما هو الحوار؟ وما فائدته؟ -فأجاب- ينبغي ألا يتم الحوار بين الأشخاص، بل بين السطور والفصول، أو بين أجزاء منها؛ فهذه الحوارات هي الشخوص الحقيقية” ، وهو في هذا مثله مثل صمويل بيكيت، متحفظ من جدوى الحوارات، ومثلهما أيضا، عبد الفتاح كيليطو، في تردده من إجرائها، لكنه استجاب لها واعتنى بها، وجمعها في كتاب “مسار”.
الكاتب عبد الكبير الخطيبي رجل حوار، أجريت معه حوارات ومقابلات تضاهي ما ألفه من مؤلفات، في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بل حظيت بتأليف مستقل مثل كتاب” La beauté de l’absence” للباحث حسن وهبي، وكتاب” Le chemin vers l’autre” . ونجد من محاوريه، الصحفيين والكتاب أنفسهم: غيثة الخياط، والطاهر بنجلون، وبختي بن عودة، وعبد الله بنسماعين، وعبد المجيد بنجلون، وبول شاوول…
إن انتعاشة الحوارات مع المفكرين والمبدعين لمشير على أنهم أفلحوا، أو يسعون إلى ذلك، في إبداع متلقيهم وصناعتهم، بتعبير الخطيبي نفسه. وهو الذي كان يقول “مطلوب من الكتاب أن يقدم نفسه”. لكن الحوار يضمن شروط نجاحه، إذا تناظمت مهارة حذق السائل وخصلة ثقة المسؤول.
في ما يلي الحوار الذي أجراه معه شاكر نوري:
pp أود أن أسألك ما الوازع الذي جعلك تزور إسرائيل على الرغم من الراي العام المغاير؟
n n إذا قدرت أن أذهب إلى جهنم وأعود من أجل المعرفة لفعلت ذلك. والوازع الذي تحدثت عنه هو أنني أردت أن أعرف كيف يعيش الإسرائيليون، وموقفي كمحلل واضح، وأعتقد أن الإسرائيليين ليسوا شياطين بل هم بشر، ولا أريد أن أقع في عملية (شيطنة) الاخر، إنني أحترم نفسي، وأحترم شعبي والشعوب العربية.
pp ألا تعتقدون أن الإرهابي يمكن أن يتحول إلى شيطان؟
n n هناك إرهابي وإرهابي، في كوسوفو الآن الذين يدافعون عنها هم مناضلون، إذن كلمة إرهاب فيها الكثير من المغالطة وخلط المفاهيم. إذا أراد شعب معين أن يتحرر فله الوسائل والإمكانات لذلك، في رأيي أنها مرحلة من المراحل.
pp لنعد إلى الشطرين التاليين من سؤالي السابق، فيما يتعلق بالحصار المفروض على الشعب العراقي، والقصف الأمريكي على السودان وأفغانستان.
n n في رأيي أن موقف الجامعة العربية منطقي، نعرف أن الأمريكيين لهم قيم خاصة تتجسد في فرض هيمنتهم على العالم، وهي مسألة مادية اقتصادية بالدرجة الأولى، ففي إفريقيا مثلا ثمة صراع بين أمريكا والبلدان الأخرى للسيطرة على ثرواتها. أما يخص القضية العراقية، هناك أولا الحصار المفروض على الشعب العراقي، لكن هناك مسؤولية النظام العراقي، ولو أنني لا أتوافر على معلومات كافية عن هذا الموضوع، فالمسؤولية في نظري مشتركة. ينبغي أن ننظر أولا إلى نوعية العلاقة الموجودة بين النظام العراقي وشعبه. ففي غضون عشرين عاما أرسل هذا النظام الشعب إلى أتون الحرب مرتين، مرة ضد إيران، ومرة أخرى ضد الكويت. هذا سلوك غير معقول وكأن المجتمع العراقي وصل إلى مستوى متطور ومتقدم من الناحية التكنولوجية، وقد تهدم كل ذلك، فالسؤال يجب أن يطرح من هو المسؤول؟ إذن لندع التاريخ يحكم على ذلك. إذن المسؤولية مشتركة، مسؤولية النظام العراقي في احتلال الكويت، ومسؤولية الإدارة الأمريكية في تجويع الشعب العراقي وقتل أطفاله. ينبغي أن تطرح القضية على الصعيد الدولي بهذه الروحية. صحيح أن الأمريكيين يتحدثون عن حقوق الإنسان لكنهم لا يحترمونها، فالأولى بالعرب أن يقوموا بمحاكمة ولو رمزية حول موضوع حصار في مكان حيادي، في هولندا مثلا، ويديروا الندوات العالمية حول ذلك لكي يتعرف العالم بأكمله على ما يحصل، إذن لابد من أسلوب جديد في التعامل مع الأحداث.
pp وما يتعلق بالقصف الأمريكي على السودان وأفغانستان بحجة ردع “الإرهاب”؟
n n في الحقيقة لم أتابع هذا لانشغالي بالموضوع الغربي، لكنني تابعته عبر الأخبار، على أية حال القصف الأمريكي غير معقول وغريب.