من حوارات الخطيبي -25- فاطمة المرنيسي كونت جيلا خاصا يختص بالدراسات النسوية

تساءل دولوز، في كتاب يحمل عنوان “حوارات” Dialogues، ما هو الحوار؟ وما فائدته؟ -فأجاب- ينبغي ألا يتم الحوار بين الأشخاص، بل بين السطور والفصول، أو بين أجزاء منها؛ فهذه الحوارات هي الشخوص الحقيقية” ، وهو في هذا مثله مثل صمويل بيكيت، متحفظ من جدوى الحوارات، ومثلهما أيضا، عبد الفتاح كيليطو، في تردده من إجرائها، لكنه استجاب لها واعتنى بها، وجمعها في كتاب “مسار”.
الكاتب عبد الكبير الخطيبي رجل حوار، أجريت معه حوارات ومقابلات تضاهي ما ألفه من مؤلفات، في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بل حظيت بتأليف مستقل مثل كتاب” La beauté de l’absence” للباحث حسن وهبي، وكتاب” Le chemin vers l’autre” . ونجد من محاوريه، الصحفيين والكتاب أنفسهم: غيثة الخياط، والطاهر بنجلون، وبختي بن عودة، وعبد الله بنسماعين، وعبد المجيد بنجلون، وبول شاوول…
إن انتعاشة الحوارات مع المفكرين والمبدعين لمشير على أنهم أفلحوا، أو يسعون إلى ذلك، في إبداع متلقيهم وصناعتهم، بتعبير الخطيبي نفسه. وهو الذي كان يقول “مطلوب من الكتاب أن يقدم نفسه”. لكن الحوار يضمن شروط نجاحه، إذا تناظمت مهارة حذق السائل وخصلة ثقة المسؤول.
في ما يلي الحوار الذي أجراه معه الباحث والكاتب المسرحي حميد اتباتو:

 

pp كيف هو حال السوسيولوجيا بالمغرب؟

n n تعرف السوسيولوجيا الآن كعلم وكمعرفة وضعا خاصا، حيث إنها مهمشة على المستوى الأكاديمي أولا، وثانيا فإنها تعيش وضعا مبعثرا، بالإضافة إلى هذا، هناك مسألة أخرى هي أن هناك مجموعة من الدراسات في محاور كعلم الاجتماع الريفي وغيره، لكن بدون تنظير وبدون مجهودات نظرية ،وبدون مفاهيم جديدة.

pp هل هذا يعني أنكم لا تطمئنون لوضع السوسيولوجيا وآفاقها؟

n n لي رأي في هذا الموضوع وسأقوله لك، نتحدث عن الحاضر والمستقبل، لكن من الضروري أن نرجع إلى الماضي، حيث نفهم بعض الأشياء منها، وضع علم الاجتماع في المغرب، وهنا أود أن أذكر القارئ ببعض المراحل التي مر منها هذا العلم عندنا، وأبدأ بالقول إن تأسيس مدرسة في علم الاجتماع بدأ في الستينات، وهذا يعرفه الجميع. وكانت منظمة اليونسكو هي التي أسست هذه المدرسة، في سنة 1961. بالإضافة على هذا يجب أن نذكر المجهودات، التي قامت بها بعض الجمعيات، في مجال البحث الاجتماعي خاصة AR.CH، التي اهتمت أساسا بعلم الاجتماع الريفي، حيث كانت تقوم ببعض الدراسات لوزارة الفلاحة في نطاق بعض المكاتب الفلاحية. ومن العلماء الذين كانوا يشتغلون في المجال، نذكر بول باسكون ولازاريف.
لقد كانت هذه المبادرة بداية تأسيس هذا العلم بالمغرب، وقد لعب بول باسكون الدور الأساسي في كل هذا، بل إن الحديث عن عهد ما بعد الاستقلال، يربط دائما بالدور الكبير الذي لعبه بول باسكون، في تأسيس مدرسة مغربية لهذا العلم أولا، وفي تأسيس علم الاجتماع التطبيقي، خاصة في علم الاجتماع الريفي، وقد كان توجه بول باسكون وتوجهي أنا أيضا ماركسيا، أو قريبا من الماركسية.
لعب بول باسكون دورا أساسيا في تلك الفترة، وقد كون العديد من الأطر ك: عبد الله حمودي والناجي والطوزي…إلخ فقد كان باسكون هو العنصر الأساسي في استنبات علم الاجتماع بالغرب في الستينات. كما ساهمت انا بشكل نسبي في هذا الستنيات، خاصة أن باسكون كان قد بدا عمله في البحث السوسيولوجي في وقت سابق، كما كان له تكوين علمي، وله أيضا تكوين في علم الاجتماع وفي الجغرافيا، بالإضافة إلى هذا كان له مكتب فلاحي بالحوز وقبل ذلك في الغرب، وكانت علاقته بالحكومة، تضفي خصوصية على دوره، لأنه بالرغم اشتغاله كباحث مستقل، كان فاعلا في الدولة.
بعد هذه المرحلة كانت هناك مرحلة ثانية، حيث اندمج معهد علم الاجتماع ضمن كلية الآداب، وكانت هناك مجموعة من الأسماء مثل محمد جسوس وفاطمة المرنيسي، وأساتذة من المعهد الفلاحي، كونوا أسماء أخرى، ف: فاطمة المرنيسي كونت جيلا خاصا يختص بالدراسات النسوية، ومحمد جسوس كون بعض الأساتذة الباحثين في ميادين متنوعة، بالإضافة إلى هذا تخرجت أطر أخرى من معاهد أجنبية سواء في بلجيكا أو فرنسا أو كندا، ومن أجل التاريخ الصغير كما يقال، فقد كنت آخر مدير لمعهد علم الاجتماع (1966-1970)، وقد كان تعييني من طرف ناصر الفاسي، نائب كاتب الدولة آنذاك، وكان اقتراح آخر من طرف المرحوم محمد الفاسي يتعلق الأمر فيه بعبد الله العروي، لقد تم اختياري أنا كمدير، ولم يكن ذلك سببا في أي حقد لي من طرف عبد الله العروي، لأن الصداقة الثقافية شيء مختلف عن الصداقة الشخصية، فمثلا يمكن أن تكون لك ثقافة وتبنى على الاحترام
المتبادل وأنا أحترم الإنتاج الفكري والعلمي والإيديولوجي ل: عبد الله العروي دون أن تكون بيننا صداقة شخصية، أي أننا نرتبط بصداقة، عن طريق الكتب والأفكار.


الكاتب : إعداد وترجمة: محمد معطسيم

  

بتاريخ : 20/04/2023