من حوارات الخطيبي -31- تصوير الجسد في الثقافة

تساءل دولوز، في كتاب يحمل عنوان “حوارات” Dialogues، ما هو الحوار؟ وما فائدته؟ -فأجاب- ينبغي ألا يتم الحوار بين الأشخاص، بل بين السطور والفصول، أو بين أجزاء منها؛ فهذه الحوارات هي الشخوص الحقيقية” ، وهو في هذا مثله مثل صمويل بيكيت، متحفظ من جدوى الحوارات، ومثلهما أيضا، عبد الفتاح كيليطو، في تردده من إجرائها، لكنه استجاب لها واعتنى بها، وجمعها في كتاب “مسار”.
الكاتب عبد الكبير الخطيبي رجل حوار، أجريت معه حوارات ومقابلات تضاهي ما ألفه من مؤلفات، في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بل حظيت بتأليف مستقل مثل كتاب” La beauté de l’absence” للباحث حسن وهبي، وكتاب” Le chemin vers l’autre” . ونجد من محاوريه، الصحفيين والكتاب أنفسهم: غيثة الخياط، والطاهر بنجلون، وبختي بن عودة، وعبد الله بنسماعين، وعبد المجيد بنجلون، وبول شاوول…
إن انتعاشة الحوارات مع المفكرين والمبدعين لمشير على أنهم أفلحوا، أو يسعون إلى ذلك، في إبداع متلقيهم وصناعتهم، بتعبير الخطيبي نفسه. وهو الذي كان يقول “مطلوب من الكتاب أن يقدم نفسه”. لكن الحوار يضمن شروط نجاحه، إذا تناظمت مهارة حذق السائل وخصلة ثقة المسؤول.
في ما يلي الحوار الذي أجراه معه الباحث والكاتب المسرحي حميد اتباتو:

 

pp هل ما تقترحونه الآن هو صيغة أخرى من أجل عدم التفريط في صورة المغرب البديع والمتعدد؟

n n إن الفنانين والمفكرين يحاولون، على طريقتهم، إغناء الحياة اليومية بما هو جمالي وفكري ولا يجب ان ننسى أن هؤلاء يمنحون حياتهم للآخرين، ويضحون بها لأجلهم، لأن لهم رغبة في ذلك ويدون إضفاء نوع من الجمال على الحياة اليومية، ولهذا بالضبط يجب تشجيع هؤلاء، وليس هذا فحسب، بل يجب وضع مقاييس وهياكل لهذا وليست الدول وحدها مسؤولة عن تشجيع الإبداع بل الجميع، لأن الإبداع منتوج للجميع. وانا شخصيا منذ القديم، كنت أهتم باليومي في المجال المغربي، وبالتبديد الثقافي الذي يميز وضعنا، ويجعل حياتنا فقيرة للغاية.

pp ما الذي يفعل لديكم هذا الاشتغال الكبير بجرح الاسم الشخصي، وبالذاكرة الجمالية والثقافية المغربية خاصة بأبعادها المنسية واللامفكر فيها، كالأمثال والزربية والجسد والثقافة الشعبية وثقافة الصورة والوشم …إلخ.

n n في “الاسم العربي الجريح”، ركزت على الجسد، لأن الجسم مادي وله ابعاد تاريخية ورمزية… وما حاولت أن أدرسه، هو كيفية تصوير الجسد في الثقافة ومن ثمة اهتممت برسم هذا الجسد، عن طريق الوشم. كما اهتممت بالأمثال كلغة لهذا الجسد…إلخ فالأبحاث التي أقوم بها تكون في بعض الأحيان تجريدية ولكن أكثرها يبدا بطريقة إحساسية باطنية، ثم بعد ذلك تتحول إلى فكرة، ثم إلى افتراض، ثم تصير متماسكة ومبنية.
لقد فكرت دائما في المكبوت المغربي، وفي الثقافة الشعبية ولم أفكر أبدا في الهجرة لماذا؟ لأنني عاشق للمغرب بكل جهاته، وعاشق لأهله، وليس لي نفور من هذه الأرض ومن أهلها، ولذلك بالضبط فأنا أشتغل على قضاياها الفكرية والجمالية والمغربية.

pp الأمازيغية تراث وذاكرة وهو معطى في كياننا المستقبلي، كيف يمكن أن ننهي مع الاستغلال المزدوج المميز للتعاطي مع المسالة الأمازيغية، وكيف يمكن توضيح السلم اللساني التي بإمكانها أن تخفف من مسلسل الإقصاء؟

n n لقد قلت هذا الأمر منذ مدة، لأن السلم الاجتماعي يبدا أولا بالسلم اللساني بين جميع العناصر المكونة للمجال الثقافي المغربي، فالسؤال المطروح هو بصدد مسالة التعليم، أي كيف يمكن أن تعطى للأمازيغية مكانتها في الساحة الثقافية واللغوية والعلمية، فالأمازيغية جزء من الثقافة والتراث بالمغرب، ولهذا يجب ان تعطى لهذه الثقافة مكانتها الطبيعية، ولذلك نتساءل عن كيفية تحقيق هذا من الناحية التقنية، ولا بد أن يكون جواب عن هذا الأمر.

pp ما الذي بإمكانه أن يصحح المنسي الثقافي، واللامفكر فيه الجمالي والإبداعي والفكري وكيف يمكن أن نفسح المجال لهذا المنسي في إغناء المشهد المغربي؟

n n المغرب كما يعرف الجميع معروف بتراثه إلا أن هناك تبديدا لهذا التراث، وهناك أشياء جميلة اندثرت وغابت من المغرب، وللمفارقة ففي عهد الحماية عمل الاستعمار على تأسيس إدارة خاصة، واعطاها بعض المقاييس للحفاظ على جزء من التراث المغربي، وفي هذه الفترة كانت النظرة الفولكلورية في التعاطي مع التراث الخاص موجودة، ولا تزال هذه النظرة موجودة لحد الآن، ونحاول نحن أيضا في تسييدها في الوقت الذي يحتاج فيه تراثنا إلى اهتمام علمي، وبالإضافة إلى هذا يجب أن نهتم بمسألة أخرى وهي التراث الجديد.
فالتراث جزء من الماضي، لكنه يجب أن يتجدد حتى لا يتحول إلى أشباح، وحتى لا يبقى بعيدا عنا، وهذه مسؤولية الجميع.

pp ألا يمكن اتهام جهة محددة بتسييد القبح والسماجة، وبتبديد ملامح الجمال في المجال المغربي عامة؟

n n ربما لكن ما هو أساسي هو الجهل…
*بصيغة أخرى إلى ماذا يمكن ان نرجع جهل الإنسان المغربي بعمق وإبداعية بعض المجالات الخاصة كالرقصات والإيقاعات والفنون المحلية، هذا في الوقت الذي يعرف فيه كل شيء، عن إبداعات الآخر الغربي والشرقي؟
-معك حق… ورأيي منذ القديم هو أن الرقص الأطلسي مثلا، تراث هام ويشمل على الكوريغرافيا بمعناها الحقيقي، فكل مكونات الكوريغرافيا تتوفر في الرقص الأطلسي، ولهذا بالضبط يجب تدريسه في المدارس، ويجب التعريف بكل أنواع الرقص المغربي. فمعك حق في قولك ان الناس عندنا تعرف اشياء عن الرقص الأمريكي ولا تعرف أي شيء عن رقصنا نحن، وفي هذا يمكن أن نتهم تعليمنا، كما يمكن أن نتهم أشياء أخرى.

pp المؤسسات في المغرب لم تعلمنا الإنصات إلى عمق الأشياء، في المجال المغربي، سواء بالنسبة للأسرة أو بالنسبة للتلفزيون؟

n n إني أقول نفس الشيء وبالإضافة إلى هذا هناك جهل، وهناك عدم الانتباه للأشياء الأساسية والعميقة وهناك أشياء أخرى أيضا، من مثل قلة الإنتاج في بعض الميادين، وغياب الاهتمام بالتراث نهائيا.


الكاتب : إعداد وترجمة: محمد معطسيم

  

بتاريخ : 29/04/2023