تشهد مدينة بنسليمان هذه الأيام حملة واسعة وغير مسبوقة لتحرير الملك العمومي، أطلقتها السلطات المحلية وبدأت أولى مراحلها من شارع الحسن الثاني، حيث تم اتخاذ تدابير صارمة في حق المقاهي والمحلات التجارية التي استولت على الأرصفة وحولتها إلى امتداد خاص بها، دون احترام للفضاءات العامة. هذه الحملة، التي أصبحت محور حديث الرأي العام المحلي، تحظى بترحيب كبير من طرف الساكنة التي رأت فيها بادرة أولى نحو استعادة النظام والمظهر الحضري للمدينة، وإن كانت في عمقها بمثابة محاولة متأخرة لتدارك فوضى عمرانية طال أمدها.
فبنسليمان، التي عانت ولا تزال من اختلالات صارخة، ظلت غارقة لسنوات في فوضى عارمة، كان أبرز ملامحها التوسع العشوائي لاحتلال الملك العمومي، وغياب أي مؤشرات للتنظيم أو التشوير الطرقي. وتحولت الأرصفة إلى فضاءات خاصة بالمحلات والمقاهي، وانمحت معالم المدينة تحت وطأة الفوضى، مما أثر سلبًا على جودة الحياة اليومية للمواطنين.
هاته العشوائية بالمدينة لم تكن عرضية أو وليدة الصدفة، بل استفحلت نتيجة تراكمات وتواطؤ ممنهج على مدى سنوات، حيث غذّتها ممارسات انتخابية ضيقة، حين لجأ بعض المنتخبين إلى توزيع التراخيص بشكل اعتباطي في سبيل توسيع قاعدتهم الانتخابية وكسب الولاءات، ضاربين بعرض الحائط جمالية المدينة والتنظيم العمراني والمصلحة العامة. ولم يكتف بعض ممثلي السلطة في فترات سابقة بالتغاضي عن هذه المظاهر التي تشوه المدينة، بل كانوا طرفا مبارًا في هذا التدهور، إما من خلال الصمت أو التسهيل أو التواطؤ المكشوف، مما سمح للفوضى بأن تستفحل وتخنق المدينة في صمت.
واعتبر بعض المتتبعين للشأن المحلي أن الحملة الواسعة التي تقوم بها السلطات المحلية حاليا لتحرير الملك العام، تأتي في الواقع كتصحيح متأخر لأوضاع أفسدتها قرارات وتواطؤات سابقة. فقد كانت هذه السياسات المتراخية هي التي أدت إلى تفشي العشوائية، مما يجعل (الحملة) منها، ليست مجرد خطوة لتحرير الملك العمومي، بل ضرورة ملحة لاستعادة النظام والهيبة للمدينة.
وما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الحملة لم تكن مجرد قرار إداري معزول أو ردة فعل ظرفية من السلطات المحلية، بل تأتي في سياق تحولات استراتيجية كبرى يشهدها المغرب، وعلى رأسها الاستعداد لاستضافة كأس العالم 2030. هذا الحدث الرياضي العالمي لا يُمثل فقط موعدا كرويا منتظرا، بل يُشكل نقطة تحول فارقة للمدن المنخرطة ضمن مخطط التنظيم، ومن بينها بنسليمان التي توجد اليوم في قلب هذا التحدي الوطني. فالمشروع المرتقب لبناء أكبر ملعب في العالم على تراب الإقليم، والذي يُرجّح أن يحتضن المباراة النهائية، يضع المدينة أمام مسؤولية تاريخية لإعادة هيكلة ذاتها، وتدارك تراكمات الماضي، والارتقاء بمرافقها وبنيتها التحتية إلى مستوى تطلعات المرحلة.
إن بنسليمان، التي لطالما ظلت على هامش مشاريع التنمية الكبرى، تجد نفسها اليوم أمام فرصة نادرة لإعادة التموقع، ليس فقط على الخارطة الوطنية، بل ضمن المشهد الدولي، وهو ما يفرض تغييرات جذرية في الرؤية، والنموذج التنموي، وطبيعة الحكامة المحلية. ولم يعد الرهان اليوم مقتصرًا على إصلاح الأرصفة أو تجميل الواجهات فحسب، بل لابد أن يتجاوز ذلك ليشمل تحديًا أعمق وأوسع، وهو إعادة بناء هوية مدينة بنسليمان على أسس حديثة ومتطورة، رغم حجم المدينة المتوسط، وهي لا تحتاج إلى معجزات، بل إلى تخطيط حضري متقن، وبنية تحتية قوية، وشوارع نظيفة، وإنارة عمومية منظمة، وفضاءات خضراء تحافظ على طابعها البيئي. إلى جانب ذلك، فإن تحرير الملك العمومي، وتنظيم حركة السير والجولان، وتعزيز الأنشطة الرياضية، ودعم الفاعلين الثقافيين والبيئيين، واستقطاب السياحة، هي خطوات عملية قابلة للتحقيق إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية المستقبلية الواضحة.
ومع كون بنسليمان معروفة بجمالها الطبيعي ومساحاتها الخضراء وهوائها النقي، وتحمل فخر لقب «إفران الشاوية»، فإن هذه المشاريع ستساهم بلا شك في إعادة تعريف المدينة وتعزيز مكانتها كوجهة حضرية وسياحية مميزة. ولا تقتصر إعادة الهيكلة المنتظرة على تحسين البنية التحتية فحسب، بل تشمل أيضًا تنظيم المجال العام، وتعزيز التشوير الطرقي، وترسيخ ثقافة النظافة والتنظيم، بما يعكس صورة حضارية تتماشى مع تطلعات المدينة لاستقبال حدث عالمي استثنائي.
ومع هذا التغيير والإصلاح الذي ستشهده مدينة بنسليمان، يجب أن يصاحبه تحول جذري في الثقافة الفكرية والسياسية لسكان المدينة. فالتغيير الفعلي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان لكل فرد دور في المساهمة الفعالة، سواء من خلال الحفاظ على نظافة المدينة، أو المشاركة في الحفاظ على المساحات الخضراء، أو العمل على تنظيم الحركة المرورية بشكل فعال. علاوة على ذلك، يجب أن يتم تشجيع النخب والكفاءات المحلية على دخول غمار الانتخابات، والمشاركة في تدبير الشأن المحلي لتأهيل المدينة وطي صفحة الماضي بكل ما تحمله من فوضى وعشوائية، وفتح صفحة جديدة نحو مدينة حديثة منظمة ومتطورة.
من خلال «الرهان» على مونديال 2030 .. بنسليمان تطلق خطة لتصحيح أخطاء الماضي وتخطي سنوات من الفوضى

الكاتب : إلياس الحرفوي
بتاريخ : 14/04/2025