من خلال تنظيمها لورشة مستديرة وندوة قضائية المحكمة الابتدائية بخنيفرة تنخرط في مناقشة تنزيل وتفعيل مقتضيات القانون المتعلق بالعقوبات البديلة

في سياق استعداد المغرب لتنزيل مقتضيات القانون رقم 43.22، المتعلق بالعقوبات البديلة الذي تمت المصادقة عليه ونشره بالجريدة الرسمية عدد 7328 وتاريخ 22 غشت 2024، والذي شكّل نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال السياسة العقابية داخل المنظومة القانونية بالمغرب، وكذا في سياق يعرف مجموعة من المبادرات التشريعية المرتبطة بهذا الموضوع، شهدت المحكمة الابتدائية، في خنيفرة، بعد زوال الثلاثاء 18 فبراير 2025، ورشة مستديرة هامة، في حضور رئيس المحكمة الابتدائية، وكيل الملك، القضاة، وثلة من المنتسبين لأسرة العدالة وكتابة الضبط.

 

خلال كلمته الافتتاحية، تقدم رئيس المحكمة الابتدائية، ذ. سعيد بوهلال، بوضع الحاضرين في دلالة وأهمية اللقاء للتداول في إحدى أهم المستجدات التشريعية التي انخرطت فيها بلادنا بغاية تحقيق مجموعة من الغايات اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، ومبينا بعض فوائدها مثل الحد من التكلفة والتخفيف من اكتظاظ السجون والمساهمة في إعادة تأهيل الجناة ودمجهم في المجتمع، فيما أعرب عن أمله في كسب هذا الرهان وإنجاح هذا الورش الحقوقي الذي يحتاج لما يجب من الموارد البشرية والآليات اللوجيستيكية والإجراءات القانونية.

توجّه حديث وعالمي

أكد وكيل الملك، ذ. حاتم حراث، خلال مشاركته في هذا اللقاء على أهمية العقوبات البديلة بوصفها “طفرة نوعية في المنظومة العقابية والسياسة الجنائية التي ظلت تعتمد على الردع والزجر”، مشيرا إلى انخراط بلادنا في التوجهات الحديثة والعالمية للسياسة الجنائية عبر سن خيارات تشريعية بديلة تنتقل “من نظرة الانتقام إلى فلسفة قائمة على المصلحة العامة وتقوية المجتمع والأسرة”، مذكرا بوجود شباب وراء أسوار السجون من المفروض أن يقضوا عقوباتهم خارج هذه السجون، كما لم تفته الدعوة إلى الحرص على التطبيق والتنزيل السليم والعادل لهذا القانون.
وتميز اللقاء بمشاركة ثلاثة قضاة لدى المحكمة الابتدائية بخنيفرة، هم نائب رئيس المحكمة الابتدائية وقاضي تطبيق العقوبات، ذ. يونس مصباح، الذي تناول في مداخلته عرضا مستفيضا حول القانون المتعلق بالعقوبات البديلة، وبعده النائب الأول لوكيل الملك، ذ. محمد فخر الدين، بمداخلة حول دور النيابة العامة في تفعيل قانون العقوبات البديلة وإشكاليات التنزيل، ثم القاضي بهيئة القضايا العقارية، والرئيس بهيئة الجنح التلبسية سابقا، ذ. المصطفى حافظ، الذي شارك بورقة حول دور قاضي تطبيق العقوبات في تنفيذ العقوبات البديلة.

خطوة لتجاوز أثار العقوبات السالبة للحرية

انطلق ذ. يونس مصباح من محور اللقاء لما له من راهنية في الأوساط القانونية والحقوقية والسياسية، ومذكرا بخطاب ثورة الملك والشعب لعام 2009 الذي دعا فيه جلالة الملك إلى ضرورة تحديث المنظومة القانونية، ما تطلب نهج سياسة جنائية جديدة مواكِبة للتطورات الحاصلة في مجال الحقوق والحريات وسبل تأهيل المؤسسات الإصلاحية، مع التقيد بالتوصيات الأممية المنادية باعتماد بدائل لبعض العقوبات الجنائية لتجاوز مساوئ وآثار العقوبات السالبة للحرية، والحد من اكتظاظ المؤسسات السجنية، وترشيد التكاليف والنفقات.
وفي ذات السياق، أبرز ذ. مصباح ما يُعرف عن المؤسسات السجنية كمكان مخصص لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، والهادفة إلى تحقيق الردع العام والردع الخاص طبقا للسياسات الجنائية، حيث توقف المتدخل عند ما تم تسجيله عن هذه المؤسسات من “عدم نجاحها في مهماتها الأساسية التي وجدت من أجلها، والمتمثلة في إعادة الإدماج في المجتمع، حيث لم يثبت عنها سوى كونها أحد العوامل الدافعة إلى معاودة ارتكاب الجريمة”، طالما أنه غالبا ما يفسد المبتدئين بدلا من إصلاحهم، ما جعل غالبية المهتمين إلى استبدال العقوبة الحبسية ببدائل أخرى.
وبعد تطرقه لما يترتب عن العقوبة، ومنها أساسا القصيرة المدة، من أثار سلبية بإبعاد الجاني عن أسرته وفقده لوضعه الاعتباري داخل المجتمع، مع عدم إغفال اختلاطه بالمجرمين واللصوص، استعرض ذ. مصباح ما أعطاه المشرع من تسميات وتعريفات للعقوبة البديلة في المادة1-35 مقابل “قواعد طوكيو” التي لم تعط أي تعريف للعقوبة البديلة، والقاعدة 2-3 من القواعد أكدت على إمكانية تجنب اللجوء غير الضروري إلى السجن بتنصيص نظام العدالة الجنائية على مجموعة واسعة من التدابير غير الاحترازية.

بديل مع استثناءات
وصلة بالموضوع، حرص ذ. مصباح على الإشارة لما جاء في الفصل 3-35، من القانون المذكور، والذي يؤكد عدم السماح بالعقوبات البديلة للمتورطين في الجنح المتعلقة بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب، الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، غسل الأموال، الجرائم العسكرية، الاتجار الدولي في المخدرات، الاتجار في المؤثرات العقلية، الاتجار في الأعضاء البشرية؛ الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
واستعرض ذ. مصباح ما حدده المشرع بخصوص الجرائم التي يمكن المعاقبة عليها بعقوبات بديلة في الجنح، وظروف استحالة تطبيقها في حالة العود، ومن لهم الحق في طلب العقوبات البديلة، فضلا عما يتعلق بالجنح والجرائم التي لا يشملها قانون العقوبات البديلة، كما حرص ذ. مصباح على تسجيل بعض الملاحظات على ما تم إغفاله ضمن القانون المطروح، مع توصيات تدعو لضرورة تعزيز البنية التحتية، والعمل على التكوين المستمر للكوادر القضائية، وإشراك المجتمع المدني لضمان الفعالية، وتوفير ظروف العمل الملائمة لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبة.

أسئلة التنزيل

بدوره، افتتح ذ. محمد فخر الدين مداخلته بالتعريج على عدد من النقاط الأساسية الواجب الوقوف عندها لفهم واستيعاب القانون المذكور بشكل جيد، فيما لم يفته طرح مجموعة من التساؤلات بخصوص مدى تمكن هذا القانون من اعتباره خطوة مهمة في مسار إصلاح المنظومة الجنائية؟، وهل فكرة العقوبات البديلة هي مستوى متقدم في التعامل مع مفهوم الجريمة والعقاب؟، وماهي الإشكالات العملية والتقنية المرتبطة بتفعيل هذا القانون؟، وحدود تطبيقه في الحد من الاثار السلبية للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدى وتفادي الإشكال المفضي لاكتظاظ السجون؟
وزاد ذ. فخرالدين متسائلا حول مدى فلاح القانون المذكور في تحقيق مبادئ الإصلاح والتهذيب وتيسير الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم؟، ومن هي الجهة التي ستتولى الإشراف على تتبع تنفيذ هذا القانون؟، ومن سيتحمل النفقات؟، وكيف يمكن للقانون ذاته تحقيق التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع؟، وماهي الجهات التي ستسهر على تنفيذه؟، وما هي آليات تفعيله والمتطلبات المالية والإدارية لتنزيله؟، وغير ذلك من الأسئلة التي رآها ذ. فخرالدين ضرورية في خضم النقاش القائم على أبواب تنزيل القانون المذكور.
ومن خلال استعراضه لسياق تنزيل ذات القانون، أبرز ذ. فخر الدين أن “موضوع إخراج هذا القانون إلى الواقع ليس بوليد اليوم بل هو نتيجة لمسار طويل من النقاش وطنيا ودوليا”، مذكرا بالخطاب الملكي في ذكرى ثورة الملك والشعب لعام 2009، وبتوصيات الندوة الدولية المنظمة بمكناس في 2004 حول السياسة الجنائية، فيما ذكر ببنود دستور المملكة لسنة 2011، وبالحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة سنة 2013، وترسيخ القناعة بتبني خيارات تشريعية بديلة تمكن من تجاوز سلب الحرية عبر ترجمة مجموعة من التوصيات.
وإلى جانب إشارته لبعض المواد والفقرات من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقواعد النموذجية الدنيا للأمم المتحدة بشأن معاملة السجناء (جنيف 1955)، انتقل ذ. فخر الدين لتشخيص بعض المبررات بخصوص إقرار قانون 43.22 والغايات منه، ومن ذلك ما “أثارته ظاهرة الإجرام من بحوث حول أفضل الحلول لمكافحتها بظهور العقوبة السالبة للحرية، قبل تطور السياسات العقابية التي لم تعد تقتصر على الردع فقط بل بإصلاح الجاني وإعادة تأهيله للاندماج في المجتمع”.
وعلى الرغم من “أهمية العقوبة السالبة للحرية، وما أبانت عنه من محدودية وقصور، اهتدت السياسة العقابية المعاصرة إلى اعتماد بدائل العقوبات”، من هنا ذكر ذ. فخر الدين بتعمد المشرع المغربي إلى “تبني القانون المتعلق بالعقوبات البديلة لكون العقوبات عجزت عن تحسين المؤشرات المرجوة، مقابل تصاعد عدد السجناء إلى جانب ارتفاع النمو الديمغرافي ومعدلات الجريمة، وتفاقم الاكتظاظ بالسجون ومعه الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، وعدم تحقيق النتائج المطلوبة من مساعدة المحكومين على الإدماج الاجتماعي”.
ذلك قبل توقف ذ. محمد فخر الدين عند مجموعة من أهداف القانون المذكور التي لا تقل عن الرغبة في “أنسنة العقوبات وتجاوز الانعكاسات السلبية للعقوبة السالبة للحرية، وإعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي للمدانين”، قبل قيام المتدخل باستعراض صلاحيات النيابة العامة بخصوص تنفيذ القانون المعني بالموضوع، والعقوبة البديلة التي تحكم بها المحكمة الجنحية، والمبادرات المرتبطة بالتماس العقوبات البديلة، والحالات التي تسمح بهذه العقوبات، والتي يقضي القاضي بتطبيقها، فضلا عن تذكير المتدخل بالمهام التي أوجبها المشرع على عاتق النيابة العامة.

أدوار القضاة

أما القاضي بهيئة القضايا العقارية، والرئيس الأسبق بهيئة الجنح التلبسية، ذ. المصطفى حافظ، فشارك في اللقاء بورقة حول دور قاضي تطبيق العقوبات في تنفيذ العقوبات البديلة، انطلاقا من تذكيره بما تناوله قانون المسطرة الجنائية بشأن مؤسسة هذا القاضي بالتنصيص على كيفية تعيينه والمهام المسندة إليه، إلى تذكير المتدخل بما جاء به القانون المذكور من اختصاصات جديدة تم إسنادها لقاضي تطبيق العقوبات، مع تناوله مجال تدخل هذا القاضي بشأن كل عقوبة على حدة من تلك العقوبات.
ومن جهة أخرى، استعرض ذ. حافظ عددا من المحاور، ومنها محور الأحكام العامة لتنفيذ العقوبات البديلة بناء على ملتمس النيابة العامة، ومسطرة المنازعة في أوامر قاضي تطبيق العقوبة، ثم الأحكام الخاصة بتنفيذ عقوبتي العمل لأجل المنفعة العامة، وكيف أوكل القانون للقاضي تلقي تقارير عن كل محكوم عليه، قبل تشخيص المتدخل لموضوع تدابير المراقبة الالكترونية وما ينتظر الشخص الخاضع لها من عقوبات في حال إخلاله بالالتزامات المفروضة عليه، أو فراره أو تخلصه من أجهزة هذه المراقبة أو تعييبها أو إتلافها.

غرامة، تكريم وختم

وعلى صعيد آخر، لم يفت وكيل الملك، ذ. حاتم حراث، الإشارة لموضوع “عقوبة الغرامة اليومية كبديل للعقوبة الحبسية النافذة، والمتمثلة في مبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها”، ذلك قبل انتقال الجميع إلى فقرة تكريم قاضيين انتقلا من النفوذ الترابي لابتدائية خنيفرة، هما ذ. أحمد عدنان بنيس وذة. إلهام الرقاص، ألقيت في حقهما كلمة أشادت بالمجهودات التي قدماها لجسم العدالة، قبل توزيع هدايا رمزية وشهادات تقديرية عليهما في لحظات مؤثرة متوجة بدعوات التوفيق والحياة الآمنة.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 24/02/2025