من رسائل غيثة الخياط إلى عبد الكبير الخطيبي 28 : الرسالة 15: أيها الأطباء الأوغاد !

«مراسلة مفتوحة» هي سلسلة رسائل كتبت ما بين دجنبر 1995 و أكتوبر 1999، بين غيثة الخياط، هي في ذات الوقت كاتبة ومحللة نفسية، وعبد الكبير الخطيبي، وهو كاتب أيضا وجامعي وباحث في العلوم الإنسانية. وهما سويا ينتميان بذلك إلى الحضارة الإسلامية ونظامها الاجتماعي الأبوي. وهي تعرض تبادلا خاصا وأكثر تفردا في العالم العربي.
«مراسلة مفتوحة» هل هو فن للصداقة، أم شكل أدبي عبر الرسائل، أم رغبة في التقاسم الفكري، أم صيغة لركوب المغامرة؟ هكذا سأل الناقد حسن وهبي صديقه عبد الكبير الخطيبي.
أجاب الخطيبي: كان لها هدف إجرائي واضح: الإعلان عن صداقة فكرية بين امرأة ورجل، في العالم الإسلامي ونظامه البطريركي. فهي أكثر منها شهادة، هذه المراسلة المفتوحة تراهن على الحقيقة الخطيرة، عبر هذا النوع من التبادل. كسر بعض المحظورات التي تكبل النقاش العمومي بين الناس، منشورا ومقروءا ومتداولا بالنسبة لإمكانات أخرى من النقاش المكبوح بين الرجال والنساء، كما يقول الخطيبي في تقديمه لهذه المراسلة.
ومن الخطأ مقارنة هذه الرسائل، بتلك المتبادلة بين مي زيادة وجبران خليل جبران؛ لاختلاف طبيعة العلاقة بين هؤلاء، بين الحب والصداقة، وبين العلاقة العاطفية والصداقة الفكرية. وهو سوء الفهم لصق بذهنية البعض. لكن غيثة الخياط نفت هذه الشبهة، ذات الهيمنة الذكورية. ولو كان الأمر صحيحا لجهرت به، كما تكرر دائما، بقدر ما جرأت على الكتابة معه، وليست عنه كما تؤكد أيضا.
انضبطت الرسائل -بلغت تسعا وخمسين رسالة- منذ البداية لمفهوم «التحاب» الذي عرفه الخطيبي، في تقديم الكتاب، كالآتي: « أقصد ب «تحاب» لغة الحب التي تثبت المحبة الأكثر نشاطا بين الكائنات، والذي يستطيع أن يمنح شكلا لتوادهم ولمفارقاته. أنا مقتنع أن محبة، من هذا القبيل، بإمكانها تحرير بعضا الفضاءات حيث تحظر المباهج بين الشركاء. مكان للعبور والتسامح، معرفة بالعيش المشترك بين الأجناس والحساسيات والثقافات المختلفة» حرص الخطيبي على تحويل الكلام إلى كتابة رغبة منه في التوثيق، وإيمانا منه أن البقاء للأثر في مواضيع تناسب الصداقات الفكرية، ومقاومة للنسيان الذي يعتور الكلام.
مر أكثر من عقد ونصف، على صدور هذه المراسلات بين دفتي كتاب «مراسلة مفتوحة» تتأسف غيثة الخياط متحسرة على أن هذه المراسلات لم تعرف طريقها إلى لغة الضاد، وتعتبر الأمر كارثة، في حين ترجمت إلى لغات أخرى كالإنجليزية والإيطالية.
تحاول الخياط استعادة رسائلها. وقد كتبتها بخط اليد وأحيان على ورق رسمي. وقد صارت الآن إرثا لعائلته قبل أن تصير إرثا للذاكرة الثقافية لمغربية، في انتظار تأسيس «مؤسسة الخطيبي».
كتب الخطيبي مقدمة قصيرة للكتاب واختار عنوانه وناشره. لكن الخياط ستكتب مقدمتها في النسخة المترجمة إلى الإنجليزية ولم يقيض للخطيبي قراءتها لأنه كان يحتضرـ كان ذلك اليوم 16 مارس 2009.
لم تعرب الرسائل، وهم ما حز في نفس الكاتبة. واعتبرت الوضع كارثة في العالم العربي، وهو المعني بمحتواه أكثر من البلدان الأخرى. تمنت لي غيثة الخياط قراءتها بالعربية فانجذبت إلى ترجمتها، إلى اللغة نفسها. وقد أذنت لي بذلك ووافقت. كانت الخياط حافزا مباشرا لإنجاز ترجمة هذه الرسائل ورسائل أخر. لعلها تكون بداية لترجمة العمل كاملا. وأنا متيقن أنها ستسعد بذلك. وهي المعدودة على الحركة النسوية.

 

صديقي،
هذه رسالة تباغض وهجران… ربما يأس، وإرباك مهول.
مشكلة مهولة قلبت حياتي رأسا على عقب أثناء المراسلة، وهي الآن مستقرة. توقف قلمي. هجرتني الكتابة l’Ecriture، مدة شهر من الهلع والمحنة. هذه الحالة كشفت لي أن الكتابة هي الحياة، وأن الحياة تنكتب. استأنفت الكتابة؛ لأن الحياة عادت، إلى ناظري ابنتي.
أطباء قتلة ومميتون، أبغضكم؛ لأنكم أخطأتم في كل شيء، جلبتم الموت إلى طفلتي، أنا نظيرتكم/»أخت»(كم)!
سفلة «ديافوريس « Diafoirus، بسطاء جهلة. أمقتكم الآن، بالنظر إلى جشعكم، وقلة استعدادكم، ونذالتكم على إخلالكم، بما كان يجب أن تقوموا به، بإتقان!
أبغضكم؛ لأنكم لا تحبون الحياة، والصحة من أي نوع، والتوازن، والأمن، ومساعدة الآخرين، وفوق هذا كله، الطفولة أصل العالم وصيرورته!
صديقي،
أنت من «يعرف»(ني) من الآن فصاعدا، فاجعتي أشد عمقا، وجرحي أشد تدفقا، وحزني أكثر ثقلا! كيف أكتسب الحب مجددا؟ أي أفق مشرق، مازال يتراءى لي، مع الآخرين؟
«لقد غيروا أغنيتي!»، كانت تئن «ميلاني» Mélanie في لندن سنة 1969 بلحن رائع مستهدفا الأم، الثائرة في وجه كل ابتزاز وغصب وكل تسلط وتعسف. ردد الجمهور اللازمة دون فهم منه للجانب المأساوي لكلمات الأغنية، وقد هزه فقط الصوت المنكسر لمطربة نشوى، تبسط صوتها وعيناها مغمضتان.
غيروا حياتي وحبي للحياة: ستندد بآثار التغيير الطفيف، لكن أصم وحاسم، ويعتمل في داخلي، بالنظر إلى الكائنات البشرية: أحببت بإفراط، وتبعا لهذا، وثقت كثيرا، مما كاد يضيعني، ويضيع مني ابنتي.
تعرف أن الحب يمنح الثقة في أسوأ الأوغاد، وأكثر المخلوقات دناءة: أنا أحب إذن أنا أصفح. بالغت في الحب وحينما احتجت إلى الآخرين، زملائي دمروا حياتي، طعنوني فيما هو أغلى في خصي: الأمومة.
صديقي، دعوة مصالحة، وتظلم. أقرضني صداقتك وتعاطفك. مراسلتنا حول التحاب l’Aimance هي في فجوة أو أخدود؛ بذنب الرجال، وقد صاروا جبناء وكلبيين ومعذبين بطعم الربح. عليك بمصالحتي مع العالم والغير، سعي بطيء للإصلاح، وربما مستحيل. وسمت بحديد أحمر للعبيد؛ لأن حزني كان قاسيا قاسيا، حتى يتبدد نهائيا.
96.7.23
هاته رسالة أخرى، مختلفة تمام الاختلاف، مكتنفة بقسوة في الإحساس، وحزني يتناثر في اللامنتهى من الأراضي، والغابات، والغيوم، ولجج البحر.
أنت، صديقي، أول من يتلقى قصة ألمي في النهاية، قليلا، وهي مكتوبة.
الساعة: 13:00- مستشفى «أرماند تروسو» Hôpital Armand Trousseau
مصلحة الطب النووي
ملحوظة: وصلتني رسالتك، إلى باريس، عبر الإرسال البريدي. وقد أسعدتني كثيرا، أنت الذي ما زلت لا تعرف شيئا! شكرا…
سأجيبك لاحقا، ردا على رسالتك السابقة، وفيها طرحت علي سؤالين مركزيين: /الجمالية/التحليل النفسي/. أنا الآن غارقة في الدموع والمكابدات.
صديقي،
97.7.28
مستشفى «روبير ديبري»Hôpital Robert Debré

 


الكاتب : ترجمة وتقديم: محمد معطسيم

  

بتاريخ : 19/05/2021