مهن ووظائف «نكران الذات» في صدارة الحرب ضد كورونا

لتأمين حاجيات «الجبهات» : الأمنية ، الاستشفائية والمعيشية

 

«لقد أخرجت الأزمة الراهنة إلى العلن، وبوأتهم الصدارة، العديد ممن اعتادوا العمل والمثابرة في الظل بعيدا عن الأضواء» – «لم يعد المشعل يحمله المستفيدون من نتائج العولمة، فمعظم هؤلاء تواروا عن الأنظار منزوين داخل منازلهم ، في وقت ظل آخرون ، ممن أنهكتهم قساوة النظام العالمي الجديد ، في الخارج، يعملون على تأمين حياة الأوائل، استشفائيا ، معيشيا وأمنيا…».
إنها بعض الخلاصات الكبرى لحوار سبق أن أجرته جريدة ليبراسيون الفرنسية، في أواخر شهر مارس 2020، مع الأستاذ الجامعي والباحث السوسيولوجي «كاميل بوغني» camille peugny، استعرض خلاله قراءة أولية لأبرز «المتغيرات المجتمعية» الآخذة في التشكل والحدوث على خلفية «الحجر الصحي «المفروض في كثير من البلدان – باختلاف أنظمتها الاقتصادية ومرجعياتها الثقافية – بهدف الحيلولة دون تفاقم عدوى الإصابة بفيروس كورونا « كوفيد – 19».
خلاصات يستحضرها المنشغل ب «نبض المجتمع»، بكثير من الإمعان والتدبر، وهو يرصد «المستجدات» المتلاحقة التي يعيش على وقعها مجتمعنا، في هذه الظرفية الاستثنائية، المتسمة بالشلل الشبه التام للعديد من القطاعات الحيوية. شلل تكسره مجهودات وتضحيات متواصلة، ليلا ونهارا، في سبيل الحفاظ على متانة ومناعة «جبهات» ثلاث : أمنية ، صحية ومعيشية.
لقد كثفت السلطات الأمنية، بمختلف أجهزتها، وبدعم وازن لممثلي السلطات المحلية، وأفراد القوات المساعدة، من تواجدها في مختلف الأماكن والفضاءات العامة داخل المدن، وبالشوارع والأزقة الضيقة، من أجل حث المواطنين والمواطنات على الالتزام بتطبيق القرارات الصادرة عن الجهات المعنية بتدبير» ظروف الاستثناء» هذه، في أفق تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة.
الدور الحيوي ذاته تضطلع به دوريات رجال الدرك بالنفوذ الترابي للجماعات القروية على امتداد كافة جهات البلاد ، وعلى مستوى تأمين المراقبة بين المدن ومواصلة إنجاز مهام أخرى متعددة.
في السياق نفسه ، لوحظ «النزول» المميز لأفراد القوات المسلحة الملكية لدعم وإسناد جهود «المدنيين» بغاية كسب «الحرب الشرسة» ضد «فيروس كورونا»، نزول ارتدى أكثر من لبوس وتمظهر على أكثر من صعيد تحت عنوان «الانضباط والدقة في الأداء»، كما تشهد على ذلك المستشفيات المتنقلة المحدثة في هذه المدينة أو ذاك الإقليم.
وبخصوص «الجبهة الطبية»، فإن «الحرب» ضد جائحة كورونا، كشفت للجميع، مدى حيوية أدوار مهنيي القطاع، بشتى تخصصاتهم وسلم تراتبيتهم، في الحفاظ على «الصحة العامة» للمجتمع، ومن ثم ضرورة إعادة النظر – ودون إبطاء – في الرؤية المعيارية التي تتحكم في توزيع الميزانية السنوية للبلاد على مختلف القطاعات، علما بأن النجاح في إنقاذ حياة مواطن لا يقاس بأي ثمن، فما بالك إذا كان الثمن هو هلاك المنقذ أو المنقذة ؟
المعركة الحالية، شكلت، أيضا، مناسبة لإظهار أهمية العديد من «المهن والوظائف»على مستوى تأمين «الجبهة المعيشية»، كما هو حال أسواق الخضر والفواكه، السمك…، الفضاءات التجارية الكبيرة والمتوسطة، بمستخدميها ذوي الأدوار المتعددة، ودكاكين القرب ملاذ سكان الأحياء الشعبية ، إلى جانب العاملين بالأفران والمخبزات والمرتبطين بهم من موزعي الخبز على المحلات الخدماتية…، «مهن لم يعد مقبولا – استحضارا للتحولات المتسارعة المصاحبة لهذه الأزمة – الاستمرار في النظر إليها بمنطق الاستعلاء والتبخيس، كما كان الوضع سابقا ، بل لابد من الاجتهاد في أفق العمل على إنصاف أصحابها، ماديا ومعنويا ، بالنظر لجسامة التضحيات التي يقومون بها في سبيل جعل مقومات المعيش اليومي رهن إشارة غالبية الملزمين بالبقاء داخل مساكنهم « كما تؤكد إحدى خلاصات السوسيولوجي الفرنسي «كاميل بوغني» في الحوار المشار إليه في مستهل هذا المقال.


الكاتب : حميد بنواحمان

  

بتاريخ : 13/04/2020