موجة اعترافات تاريخية بدولة فلسطين تتوج في الأمم المتحدة بمؤتمر حول حل الدولتين

في خطوة تاريخية، أعلنت دول غربية رئيسية اعترافها الرسمي بدولة فلسطين خلال قمة للأمم المتحدة في نيويورك، وسط توقعات بأن تتبعها المزيد من الدول خلال الأسابيع المقبلة. جاء هذا التحول بعد نحو عامين من الحرب المدمرة على قطاع غزة، التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتفاقم الأزمة الإنسانية، ما دفع المجتمع الدولي إلى البحث عن حلول سياسية جذرية.
بدأت الموجة أول أمس الأحد، عندما أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في إعلان منسق يمثل تحولا في سياسة هذه الدول التقليدية الحليفة لإسرائيل. وأمس الاثنين، انضمت فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وأندورا وسان مارينو إلى القائمة خلال قمة مشتركة ترأستها فرنسا والسعودية حول مستقبل «حل الدولتين».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع قناة «سي بي إس» أول أمس، إن هذا الاعتراف «شرط مسبق لعزل حماس وتقديم منظور سياسي للفلسطينيين»، مشترطا الإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة قبل إقامة سفارة فرنسية في فلسطين.

خريطة الاعتراف الدولي
بدولة فلسطين

وفق إحصاء لوكالة فرانس برس، وصل عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين حتى أول أمس الأحد إلى 145 دولة على الأقل من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة، أي ثلاثة أرباع الأعضاء. ويشمل هذا العدد الدول الجديدة مثل بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال، بالإضافة إلى دول سابقة مثل السويد (2014)، والنرويج وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا (2024(.
في أوروبا، التي كانت الأكثر انقساما حول هذه القضية، تغيرت الصورة جذريا. حتى منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كانت الاعترافات مقتصرة على دول الكتلة السوفياتية السابقة وتركيا، بينما رفضت دول غرب أوروبا الاعتراف باستثناء السويد. لكن الحرب على غزة قلبت المعادلة، حيث سارت النرويج وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا على خطى السويد العام الماضي، تلتها بريطانيا والبرتغال أول أمس، ثم فرنسا ودول أخرى أمس الاثنين. ومع ذلك، لا تخطط إيطاليا وألمانيا للاعتراف في المدى القريب.

الأبعاد السياسية
والقانونية للاعتراف

الاعتراف بدولة فلسطين لا يعني من الناحية القانونية نشوء الدولة من عدمه، لكنه يمنحها ثقلا سياسيا وأخلاقيا ويضعها على قدم المساواة مع إسرائيل في المعاملة الدبلوماسية الدولية.
يصف رومان لوبوف، أستاذ القانون الدولي في جامعة إكس-مارسيه بفرنسا، الاعتراف بأنه «أحد أكثر المسائل تعقيدا» في القانون الدولي، مشيرا إلى أن الدول حرة في اختيار توقيت وشكل الاعتراف، ولا يوجد مكتب لتسجيل الاعترافات.
ورغم الطابع الرمزي والسياسي الكبير، يرى ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة أن فلسطين تلبي كل المتطلبات اللازمة لتكون دولة. وكتب المحامي فيليب ساندز في «نيويورك تايمز» الشهر الماضي: «من الناحية الرمزية، هو بمثابة تغيير في قواعد اللعبة لأنك بمجرد الاعتراف بدولة فلسطينية تضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث معاملتهما بموجب القانون الدولي»

انعكاسات عملية
على الأرض

في السياق العملي، يمكن أن يؤدي الاعتراف إلى فتح سفارات وقنصليات جديدة، كما في حالة فرنسا التي لديها قنصلية في القدس تمثلها لدى السلطة الفلسطينية، لكنها اشترطت الإفراج عن الرهائن قبل إقامة سفارة كاملة. كما يعزز الاعتراف الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، ويفتح أبوابا للمساعدات الدولية وإعادة الإعمار في غزة، ويرسخ مبدأ حل الدولتين ويعزز موقف السلطة الفلسطينية في مواجهة الضغوط الإسرائيلية.

ردود الفعل الإسرائيلية: تصعيد ورفض

مع توالي الاعترافات أمس الاثنين، صعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لهجته قائلا في خطاب متلفز: «لن تقام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن»، زاعما أن هذه الاعترافات «مكافأة كبيرة للإرهاب».
وزيران من اليمين الإسرائيلي المتطرف – إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش – دعيا إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية ردا على هذه الاعترافات. ولوح مسؤولون في حكومة نتانياهو بخطوات عقابية ضد الدول المعترفة، تشمل تقليص التعاون الدبلوماسي وربما إجراءات اقتصادية أو أمنية.
في المقابل، حذرت الرئاسة الفرنسية من أن «ضم الضفة الغربية خط أحمر واضح»، مؤكدة أن باريس لن تتسامح مع أي خطوة إسرائيلية من شأنها القضاء على حل الدولتين.

الولايات المتحدة:
تحفظ واستياء

الولايات المتحدة، الحليف الأكبر لإسرائيل، وصفت الاعترافات الغربية بأنها «استعراضية» ودعت إلى «التركيز على دبلوماسية جادة» بدلا من الخطوات الرمزية. وقد رفضت واشنطن منح تأشيرات للرئيس الفلسطيني محمود عباس ووفده للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، ما اضطره إلى إلقاء كلمة مسجلة عبر الفيديو في القمة.
هذا الموقف الأميركي يعكس استمرار التباين بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حيال سبل دفع عملية السلام، ويضع علامات استفهام حول مستقبل العلاقة الأميركية – الأوروبية في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي.

ردود الفعل الفلسطينية: ترحيب ودعوة إلى وقف إطلاق النار

رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس الاثنين باعتراف الدول الغربية بدولة فلسطين، معتبرا أنه «خطوة هامة وضرورية على طريق تحقيق السلام العادل والدائم وفق قرارات الشرعية الدولية»
وقال عباس في بيانات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا)، إن الاعتراف يشك ل «خطوة هامة وضرورية على طريق تحقيق السلام العادل والدائم وفق قرارات الشرعية الدولية».
وأكد أن «الأولوية اليوم، هي لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، والإفراج عن جميع الرهائن والأسرى، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وتولي دولة فلسطين مسؤولياتها كاملة، والذهاب إلى التعافي وإعادة الإعمار، ووقف الاستيطان وإرهاب المستوطنين».
ورأى أن اعتراف هذه الدول «بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ونيل حريته وتجسيد استقلاله سيفتح المجال أمام تنفيذ حل الدولتين لتعيش دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل بأمن وسلام وحسن جوار».
وبحسب عباس فإن هذا الاعتراف «جزء من الجهود الدولية المنسقة لتهيئة المناخ المناسب لتنفيذ حل الدولتين».
من جهتها، اعتبرت حركة حماس أن هذه الاعترافات تمثل «انتصارا للحق الفلسطيني»، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلي «لن يستطيع طمس حقوق الشعب الفلسطيني مهما تمادى في جرائمه».

غوتيريش: لا يجب الخشية
من الرد الإسرائيلي

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن على المجتمع الدولي «ألا يخشى ردود الفعل الإسرائيلية» على الاعتراف بدولة فلسطين، معتبرا أن إسرائيل «ماضية في سياسة تهدف إلى تدمير قطاع غزة وضم الضفة الغربية». وأكد أن الاعتراف «رمز في غاية الأهمية» وأن «البديل هو نظام فصل وتمييز وطرد غير مقبول في القرن الحادي والعشرين».

نقطة تحول حاسمة

وتمثل موجة الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين نقطة تحول حاسمة في مسار القضية الفلسطينية، حيث تعكس إرادة دولية متزايدة لدعم حل الدولتين كأساس للسلام العادل والدائم. ورغم التحديات التي تفرضها ردود الفعل الإسرائيلية والتحفظ الأمريكي، فإن هذه الخطوات تعزز مكانة فلسطين على الساحة الدولية وتفتح آفاقا جديدة لتعزيز المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، حيث أن إن هذا الزخم الدولي قد يشكل ضغطا متزايدا على إسرائيل للانخراط في مفاوضات جادة، بما يضمن تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ويرسي دعائم الاستقرار في المنطقة.


بتاريخ : 23/09/2025