موسم التخييم 2025 يتواصل… بين الممكن والمنشود ؟

ما هي مستجدات العرض التخييمي ؟
ما الذي تغير على مستوى التأطير، البنيات، والمضامين التربوية؟
هل استطاع الفاعلون في المجال تثمين الإيجابيات
التي تم تسجيلها في المرحلة الأولى؟
وكيف يمكن مواجهة الإكراهات التي ما زالت تطرح نفسها
بإلحاح في بعض مواقع التخييم؟
تلك أسئلة جوهرية تتصدر المشهد مع انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني للتخييم لصيف 2025، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الشباب، بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم. وتأتي هذه المرحلة الجديدة في سياق وطني يتجه نحو إعادة تأهيل التخييم التربوي، وتطوير مقوماته البشرية واللوجستيكية، بما يجعله ورشًا مفتوحًا لبناء الإنسان وتنمية الطفولة.
من بين أبرز ملامح هذه المرحلة، يبرز تعزيز التنسيق بين الوزارة والجامعة مع بعض الجماعات الترابية والأكاديميات التعليمية لتأهيل الفضاءات التخييمية وتحسين ظروف الاستقبال والتنقل، إلى جانب تجديد المضامين التربوية بما يتماشى مع متطلبات الأطفال واليافعين، من خلال إدماج قضايا حديثة كالمواطنة البيئية، التحول الرقمي، والتنمية المستدامة. كما أن توسيع قاعدة المستفيدين، في صفوف الأطفال القادمين من الوسط القروي أو الفئات الاجتماعية الهشة، يؤكد الإرادة المشتركة في ترسيخ مبدأ الإنصاف المجالي والاجتماعي.
وفي الجانب التكويني، تم تسجيل انخراط متزايد للأطر التربوية في دورات التأهيل المسبق، بما يضمن تأطيرًا تربويًا نوعيًا يستجيب للانتظارات، ويعزز البعد القيمي داخل الفضاءات التخييمية.
لكن رغم هذه الدينامية الإيجابية، لا تزال بعض الإكراهات مطروحة، خاصة ما يتعلق بتفاوت مستوى البنيات التحتية بين عدد من مراكز التخييم، وضعف الحصيص المخصص للجمعيات.
إن نجاح باقي المراحل يمر عبر قراءة موضوعية وواقعية لكل هذه التحديات والمستجدات، والانخراط الفعلي والمسؤول لكافة المتدخلين، من سلطات محلية، أطر تربوية، جمعيات، ومؤسسات داعمة. فالتحدي لم يعد فقط في ضمان استمرارية البرنامج الوطني للتخييم، بل في بناء نموذج تخييمي وطني يعكس طموحات مجتمع يتطلع إلى تنمية شاملة، ويضع الطفل في قلب السياسات العمومية التربوية والثقافية.

ورش التخييم الوطني بين الشراكة الاستراتيجية وتعبئة الفاعلين

 

محمد قمار

انطلقت فعاليات البرنامج الوطني للتخييم لصيف 2025، من تنظيم وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الشباب، وبشراكة استراتيجية مع الجامعة الوطنية للتخييم، في أجواء تؤكد بداية موسم واعد من العمل التربوي الجاد، القائم على قيم المسؤولية، والموجه نحو تنمية شخصية الطفل، وتأهيله ليكون فاعلًا في مجتمعه.
منذ لحظة الانطلاق، حمل هذا البرنامج في طياته رسالة واضحة: المخيمات ليست فقط فضاء للترفيه، بل ورشا تربويا مفتوحا لترسيخ السلوك الإيجابي، وتفعيل المشاركة الواعية. وهو ما يتطلب من الجميع التحلي بروح المسؤولية والانخراط لإنجاح هذا الورش الوطني.
وفي الوقت الذي نسجل التراكمات الإيجابية التي تحققت، من تحسين ظروف الاستقبال وتجويد البرامج التربوية، فإننا لا نغفل عن بعض التحديات والاختلالات التي ظهرت هنا أو هناك. فالوقوف على النقائص ليس ضعفًا، بل خطوة ضرورية نحو التجويد والتصحيح، في أفق بناء نموذج تخييمي مستدام، أكثر نجاعة وشمولية.
الآفاق المستقبلية واعدة، بفضل الدينامية التي تعرفها الحركة الجمعوية التربوية، والانخراط القوي للأطر، والحرص المؤسساتي على مرافقة هذه الدينامية بالتكوين، والدعم، والتقويم. والهدف واحد: مخيم تربوي آمن، دامج، محفز على الإبداع، ومُرتكز على قيم المواطنة والتسامح والمسؤولية.
لقد بدأت المرحلة الثانية والمسار لن يكون إلا صاعدًا، ما دام هناك إيمان جماعي بأن التخييم رافعة أساسية في بناء الإنسان، وتنمية الوطن.

الاستمرارية والتميز

مصطفى تاج

انطلق الموسم التخييمي لهذه السنة تحت عنوان الاستمرارية والتميز، كيف لا، والعرض الوطني للتخييم الذي ينظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله يعد من ضمن السياسات القطاعية والعمومية النادرة التي حافظت على استمراريتها على مدى سنوات عديدة، إلى درجة أن ملايين الأطفال واليافعين والشباب استفادوا منه .
ولعل أهم ما يميز العرض الوطني للتخييم كسياسة عمومية ناجحة، هو عمق الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين قطاع الشباب كقطاع حكومي مكلف والجامعة الوطنية للتخييم كتكتل وحدوي وطني يضم جميع الجمعيات التي تنشط في مجال التربية والتخييم، سواء تعلق الأمر بالجمعيات الوطنية أو المتعددة الفروع أو الجهوية إضافة إلى الجمعيات المحلية المنخرطة في مكاتب الجامعة على مستوى جميع جهات المملكة الاثنتي عشر.
هذه الشراكة أبانت عن نجاعتها من خلال حجم التناص والانسجام والتفاهم الكبير بين موظفي القطاع وأطر الجامعة، بالشكل الذي ينزل مبدأ دستوريا مهما هو الديمقراطية التشاركية، التي تجعل المجتمع المدني في صلب السياسات العمومية، وتشرك الأطر التربوية المتطوعة في إنجاح برامج الدولة، وبالتالي المساهمة في التربية والترفيه الإيجابي لصالح الطفولة المغربية.
كذلك، انطلق العرض الوطني للتخييم هذه السنة في ظل اتفاقية شراكة إطار اتفق على خطوطها العريضة كل من الجامعة الوطنية للتخييم ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، تهدف إلى تنظيم مخيمات دامجة لصالح الأشخاص في وضعية إعاقة، من أجل تمكينهم من حقهم في التنشيط والترفيه والتخييم. وهذا ما استبقته الجامعة بتنظيم دورة تكوينية لفائدة مديرات ومديري هذه المخيمات بحمولة تكوينية تمتح من التشريعات والبيداغوجيات المعمول بها دوليا.
من جهة أخرى، تستمر حلقات التربية الطرقية داخل المخيمات من خلال تخصيص مكونين في الموضوع على مستوى كل مراكز التخييم مع تمكينهم من أدوات الاشتغال. وهذا بطبيعة الحال، نتيجة الانفتاح على شراكة استراتيجية مع المكتب الوطني للسلامة الطرقية الذي يقوم بمجهودات جبارة في هذا الإطار.
وعلى العموم، فإن انطلاقة العرض الوطني للتخييم تنبئ بموسم تخييمي ناجح بإذن الله، خصوصا وقد سجلنا الإقبال الكبير الذي عرفته مختلف أصناف التداريب الوزارية التي نظمت قبلا، ثم ما تلاها من نقاشات مستفيضة طيلة سلسلة الاجتماعات التي نظمتها سكرتارية الجامعة ومصالح الوزارة المعنية. بالإضافة إلى أن المرحلة الأولى من التخييم مرت في أجواء جد إيجابية تبشر بالخير.

 

ورش التخييم الوطني بين الشراكة الاستراتيجية وتعبئة الفاعلين

 

محمد اكلوين*

تندرج المخيمات الصيفية بالمغرب ضمن ورش وطني استراتيجي، له أبعاد تربوية وتنموية عميقة، تجعل منه مجالاً خصباً لترسيخ قيم المواطنة والتعايش، وتوفير فرص متكافئة للطفولة المغربية، خاصة في العالم القروي والمناطق ذات الهشاشة الاجتماعية. فهذا المشروع الوطني، الذي يمتد لسنوات من العمل التربوي، لا يمكن فصله عن التحولات الكبرى التي تعرفها بلادنا في مجالات التربية والتكوين والتنمية الاجتماعية.
لقد شهدت منظومة التخييم خلال السنوات الأخيرة دينامية واضحة، تتجلى في توسيع قاعدة المستفيدين، وتجويد مضامين البرامج التربوية، وكذا تعزيز البنية التحتية للمخيمات. وفي قلب هذه الدينامية، تبرز الشراكة الاستراتيجية بين الجامعة الوطنية للتخييم ووزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب، وهي شراكة أرست دعائم جديدة للحكامة التربوية، ولتأطير الفعل الجمعوي، وجعلت من المخيمات مجالاً مفتوحاً للابتكار والتجديد.
وقد حرصت الجامعة الوطنية للتخييم على جعل هذه الشراكة دعامة فعلية لتأهيل العرض التربوي وتيسير ولوج الأطفال إلى المخيمات في ظروف آمنة وممتعة، وذلك عبر برامج تكوينية لفائدة الأطر التربوية، وآليات دعم الجمعيات الجادة.
وفي هذا الإطار، لا يسعنا إلا أن نشيد بـالدور المحوري للجمعيات التربوية، الوطنية والمتعددة والجهوية والمحلية، والتي تعتبر القلب النابض لهذا الورش، بفضل التزامها الميداني، وابتكارها المستمر في تنشيط البرامج، ومرافقتها اليومية للأطفال في المخيمات.
كما نوجه تحية تقدير إلى أطر وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب، الذين يشكلون الركيزة الأساسية في مواكبة وتأطير هذا الورش التربوي الوطني، بفضل تعبئتهم الدائمة، ويقظتهم المهنية، وحرصهم على ضمان جودة التنظيم وظروف الاستقبال والسلامة.
إن المخيمات ليست مجرد فضاءات ترفيهية، بل هي مختبر حي ومدارس مفتوحة لترسيخ قيم المواطنة، وبناء الأجيال، وصقل روح القيادة والمسؤولية. لدى الأطفال واليافعين .
وفي الوقت الذي نسجل، بارتياح، تطور عدد من فضاءات التخييم سواء من حيث البنيات أو من حيث جودة الخدمات والبرامج، فإننا في الجامعة نتابع، عن كثب، واقع باقي الفضاءات التي ما زالت في طور التهيئة أو في مراحل متقدمة من الإنجاز، ونعتبر أن استكمال هذا الورش مسؤولية جماعية تتقاسمها مختلف الأطراف المعنية، بما فيها الجماعات الترابية، ومجالس الجهات، وقطاعات الدولة، ومكونات المجتمع المدني.
إننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى تعزيز هذا النفس التشاركي، وضمان استمراريته، وتوسيع قاعدة الانخراط فيه، لأن مستقبل التخييم في بلادنا لا يُبنى فقط من خلال التطلعات، بل عبر الإرادة، والتخطيط، والتنفيذ الجماعي.
إن الجامعة الوطنية للتخييم، وهي تواصل تنزيل التوجهات الوطنية الكبرى في مجال التخييم، تجدد التزامها بجعل المخيمات فضاءً مفتوحاً للتربية على القيم، والتميّز، والتكوين وعلى كل القيم الكونية الجميلة، ومجالاً حيوياً للتنمية البشرية المستدامة.

*رئيس الجامعة الوطنية للتخييم

 

التخييم بالمغرب صيف 2025: مكاسب تحققت وأوراش تنتظر

 

المصطفى الخير

نطلق موسم التخييم لصيف 2025 في سياق وطني يتسم بتعزيز الجهود الرامية إلى تجويد العرض التربوي الموجه للطفولة، وتكريس مبدأ الحق في التخييم كحق أساسي لكل طفل مغربي. وقد عرف هذا الموسم مستجدات تنظيمية وتربوية مهمة تعكس طموحًا كبيرًا نحو الارتقاء بجودة الخدمات، وتنويع الفئات المستهدفة، وتأهيل الأطر، في إطار شراكة استراتيجية تجمع وزارة الشباب والثقافة والتواصل والجامعة الوطنية للتخييم.
من أبرز التحولات التي شهدها هذا الموسم، مواصلة اعتماد دليل المساطر للسنة الثانية على التوالي، كإطار مرجعي لتدبير عملية الانتقاء والمصاحبة، من خلال لجان مشتركة تدرس ملفات الجمعيات وفق معايير واضحة وشفافة، إلى جانب إجراء مقابلات شفوية لتمحيص المشاريع التربوية المعروضة، مما أتاح فرصًا حقيقية لتجويد الممارسة التخييمية وضمان المصداقية في التعامل مع الفاعلين. كما تم العمل على توسيع العرض الوطني ليشمل فئات اجتماعية لطالما عانت من الإقصاء، وعلى رأسها الأطفال في وضعية إعاقة، وأطفال العالم القروي، والفتاة القروية، بالإضافة إلى إشراك أبناء الجالية المغربية في البرنامج الوطني للتخييم، في إطار مقاربة شمولية تراعي التعدد المجالي والاجتماعي وتكرس الإنصاف في الاستفادة.
وفي سياق مواكب للتغيرات المجتمعية، أولت الجهات المشرفة أهمية كبرى لتأهيل الأطر التربوية، من خلال تنظيم دورات تكوينية خاصة بالمخيمات الدامجة بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم، أطرها خبراء ومختصون، وذلك بغرض تهيئة المربين للتعامل مع فئة الأطفال ذوي الإعاقة، وإعداد فضاءات تراعي احتياجاتهم وتضمن اندماجهم في مختلف الأنشطة التربوية والثقافية.
غير أن هذه الدينامية الإيجابية ما زالت تصطدم بعدد من التحديات والإكراهات البنيوية التي تؤثر على جودة الفعل التخييمي، من بينها استمرار طرح إشكالية مصداقية المشاريع التربوية التي تقدمها الجمعيات، حيث يُلاحظ في بعض الحالات أن هذه المشاريع تظل حبيسة الورق، ولا تجد طريقها نحو التطبيق داخل فضاءات التخييم، مما يفرغ العملية التربوية من محتواها، ويحول البرنامج إلى نشاط موسمي فقط. كما أن بعض الجمعيات ما تزال تؤطر بأطر غير مؤهلة، أو تتسبب في إتلاف مرافق وتجهيزات المراكز، الأمر الذي يقتضي الحزم والصرامة في المتابعة والمحاسبة.
وفي الشق المرتبط بالتغذية، تتكرر معاناة الأطفال مع ضعف جودة الوجبات، نتيجة تلاعب بعض الممونين بالصفقات وغياب الرقابة الصارمة، وهو ما يستوجب تدخلًا حازمًا لضمان حق الأطفال في تغذية سليمة وآمنة. ولا تقل مشاكل النقل خطورة عن غيرها، خاصة ما يتعلق بالسفر عبر السكك الحديدية، حيث تُجبر الجمعيات على اقتناء التذاكر عشرين يومًا قبل موعد السفر دون مرونة، ويتم إركاب الأطفال وسط المسافرين العاديين دون احترام لخصوصية المخيم، كما تُبرمج بعض الرحلات في أوقات ليلية مرهقة، بالإضافة إلى عدم تمكين الأطر من السفر في توقيت يتناسب مع مهام الإعداد المسبق، وهو ما يؤثر سلبًا على الانطلاقة التربوية للمخيمات.
وفي هذا الإطار، تشكل اتفاقية الشراكة الثلاثية بين الجامعة الوطنية للتخييم، جماعة فاس، والمديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، نموذجًا رائدًا في توفير وسائل نقل مريحة وآمنة نحو المخيمات، وهي تجربة تستحق التنويه والدعوة إلى تعميمها وطنيا، في أفق معالجة مشكل النقل بشكل جذري. كما يشكل ضعف الحصيص المخصص للتخييم أحد الإشكالات البنيوية التي تقيد طموحات الجمعيات، إذ لا يعقل أن تستفيد بعض الجمعيات المحلية من مئات المقاعد، في حين تخصص حصص هزيلة لبعض الفروع الوطنية، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لمنهجية التوزيع، ضمانا للعدالة والإنصاف.
ولا يمكن إغفال إشكالية ندرة الفضاءات، وتعثر عملية تأهيل مراكز الأطلس لسنوات، بالإضافة إلى التخلي عن مجموعة من الفضاءات التاريخية مثل الهرهورة وطماريس والانبعاث وسيدي رحال دون تعويضها، مما أدى إلى تقليص الطاقة الاستيعابية للموسم التخييمي، وإضعاف العرض الوطني كمًا ونوعًا. وما يزيد من تعقيد الوضع تحميل الجمعيات مسؤولية البحث عن الفضاءات المناسبة، في حين أن مهمة توفير مراكز التخييم تقع على عاتق الوزارة الوصية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن تعبئة الإمكانيات وإبرام شراكات حكومية تسمح باستغلال البنيات المتوفرة لدى مختلف القطاعات الوزارية.
إن مستقبل التخييم ببلادنا يمر اليوم من لحظة مفصلية، تستدعي وقفة تقييمية شجاعة، وتدخلاً عاجلاً لتصحيح الأعطاب، وتجسيد إرادة حقيقية في بناء منظومة تخييمية عادلة، دامجة، وآمنة، تحقق طموحات الطفولة المغربية، وتُساهم في ترسيخ قيم المواطنة، والتربية، والعيش المشترك.


الكاتب : الصفحة من اعداد: محمد قمار

  

بتاريخ : 19/07/2025