موعد آخر ينفلت من بين أيدينا

بالأمس كان يوما حافلا بالنسبة لي. بعد أن قضيت عددا من الأشغال في الصباح، ذهبت أنا وابن أختي بوزكري، إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية لحضور لقاء نظمته الجمعية المتوسطية للقاءات السينما وحقوق الإنسان، حيث تمت مناقشة عدد من القضايا المتصلة بالمجتمع المدني وحقوق الإنسان التي ستتناولها الأشرطة التي ستعرض خلال الليلة البيضاء، وذلك بحضور ثلة من الأساتذة الجامعيين والفاعلين في المجتمع المدني.
كانت لدي دعوتان بعد ذلك، الأولى لحضور السهرة الفنية الكبرى بمناسبة اليوم العالمي للموسيقى وذلك تحت شعار «نبض الصوت والوتر» تحييها مجموعة الكورال الأكاديمي «قطر الندى» بقيادة المايسترو كريم فنيش، وكانت ستنطلق في الثامنة مساء والثانية كانت تتمة لندوة الظهيرة، وكانت تتصل بحضور الليلة البيضاء للسينما والمواطنة التي ستعرض فيها عدد من الأفلام السينمائية إلى حدود اليوم الموالي في البهو الخارجي للمكتبة الوطنية.
فكرت مليا، فبدا لي من الأنسب أن أبدأ بالشريط الوثائقي الذي يحمل عنوان «ربيعة فتوح» والذي سينطلق في التاسعة بالضبط، ولن يدوم سوى بضعة دقائق ثم ألتحق بعدها بالكورال.
وربيعة فتوح أعرفها منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي. فقد زرتها مرار في السجن المدني بالقنيطرة هي ومجموعة من رفيقاتها ورفاقها الصحراويين، قبل أن أعرفها في السجن المركزي ضمن عائلات المعتقلين السياسيين، كما أنني صادفتها قبل بضعة شهور هي وزوجها محمد السريفي عندما كان هذا الأخير يوقع كتابه «مربع السماء»، فأخبرتها عن حاجتي لها بحكم رغبتي في إنجاز فيلم وثائقي عن عائلات المعتقلين السياسيين في المغرب، كما أنني كنت قد كتبت قصة قصيرة عن زوجها عنونتها ب»الروخو»، وقد كنت صائبة في ذلك، لأنه بقي أحمرا بكل ما يشير إليه ذلك اللون القاني من ثورة وكرامة وعزة نفس.
جلست في أحد المقاعد بالساحة الخارجية للمكتبة الوطنية أترقب وضع شاشة السينما؛ كان الجو عليلا بعد أن انخفضت درجات الحرارة، قعدت أراجع دليل الليلة البيضاء بين يدي، كانت الأفلام كثيرة ومتنوعة، بعد فيلم ربيعة فتوح الذي سيستغرق 24 دقيقة والذي أخرجته فاتن خلخال، يأتي فيلم «مصنع المواطن» ففيلم «وجوه التضامن: متظاهرو المملكة المتحدة من أجل فلسطين» ثم شريط «شكرا لأنك تحلم معنا» ثم «غناء البهائم» ف»على الهامش» ثم فيلم «الحفرة» ف»رحنا بس ما رحنا» ف»أنا لست لقيط».
تصفحت الكتاب كله، نظرت إلى ساعتي فوجدتها التاسعة والنصف، تحدثت إلى جارتي قائلة: ما هذا؟ إنها التاسعة والنصف وما زالوا لم ينصبوا الشاشة؟ ماذا ينتظرون؟ كنت أرغب في مشاهدة فيلم «ربيعة فتوح» ثم أذهب إلى الكورال. قالت تلك الجالسة على يساري، إن ربيعة فتوح هي خالتي، وأختها كانت متزوجة من معتقل سياسي يدعى مصطفى التمسماني، فعزيتها في وفاة خالتها وأنا أكاد أستوعب المفاجأة، ثم التفتت فوجدت شرفة شريف حوات فسألتها عن مصدر هذا التأخير، اقتربت مني وقالت إن السلطة قالت إنها لم تتوصل بإشعار حول النشاط، رغم كون المنظمين يدعون أنهم وضعوا الإشعار يوم 27 ماي الماضي.
ذهبت لأستفسر حول الأمر، فقيل لي إنهم وضعوا الإشعار، وأن ما يتم الآن هو بكل بساطة منع لعقد النشاط. تعجبت لهذا التغول الذي لم يعد يعرف حدودا. لماذا يمنعون نشاطا لا يحضره سوى الوجوه التي دأبت على حضور مثل هذه الأنشطة، سواء في مجال الأدب أو حقوق الإنسان أو الفن، هي ذات الوجوه مع بعض الاختلافات، فما الذي يرعبهم من أناس جاؤوا ليعيشوا بعض الأوهام التي لن تتحقق سوى في خيالاتهم.
شخصيا، لا أفهم كيف تشتغل هذا الحكومة. ليست المرة الأولى التي تتناقض فيها جهات حكومية في قضية ثقافية معينة. كنت أنتظر أن يدعوني أحد الأصدقاء في مهرجان الفيلم المتوسطي بتطوان في دورته الثلاثين التي كان مقررا تنظيمها في الفترة ما بين 26 أبريل و3 ماي من السنة الجارية، والتي تم تأجيلها إلى أكتوبر بفعل نقص الموارد، ثم مهرجان الشعر في شفشاون الذي أعلنت جمعية أصدقاء المعتمد أنه تم تأجيله إلى أجل غير مسمى بسبب غياب دعم المؤسسات الرسمية محليا وجهويا ومركزيا رغم أن الجمعية تتواجد منذ 1967، وأن المهرجان كان سينظم تحت شعار «67 سنة من الإبداع والغوص في الصناعة الثقافية»، ثم هذه الحالة، حالة ترخيص وزارة الثقافة ووزارة التعليم (بما أن الندوة انعقدت في كلية الآداب)، ورفض وزارة الداخلية التي ادعت عدم حصولها على الإشعار.
لقد بدأوا بما تصوروه بداية، ألا وهي القضاء على الأحزاب السياسية والنقابات، تلتها حرية التعبير، إذ بدأت محاكمات الصحافيين منذ 2016، ثم تلاها تكميم الأفواه حتى لم يعد في الساحة الصحافية صحافة مستقلة تذكر، ثم واصلوا بمضايقة مهرجانات الشعر، وها هم وصلوا إلى السينما وحقوق الإنسان، لأن الدولة تعيش مفارقة عميقة بين الشعار الذي ترفعه عن حقوق المواطنة وبين الواقع المرير الذي يعيشه هذا المواطن ذاته.
تجدر الإشارة إلى أن الجمعية المتوسطية للقاءات السينمائية وحقوق الإنسان، تعتبر فاعلا ميدانيا في مجال حقوق الإنسان والسينما منذ خمس عشرة سنة، وهي تتدخل بشكل استراتيجي في تنشيط النقاش العمومي وفي السينما كأداة لتعزيز الروابط الاجتماعية، وفي تقوية القدرات وتتبع السياسات العمومية والترافع وفي التشبيك بين الجمعات الثقافية.


الكاتب : ليلى الشافعي

  

بتاريخ : 08/07/2025