موقع «allAfrica» يناقش مدى نجاح القارة السمراء في تنفيذ مبادرة «إسكات البنادق» بحلول 2030

 

نشر موقع «allAfrica» الإخباري، تقريرين من لدن كل من «مؤسسة الدراسات الأمنية الإفريقية» (ISS) و»صوت أمريكا» (Voiceof America)، يحمل أولهما تساؤلا مهما حول قدرة القارة السمراء على إيقاف انتشار الأسلحة أو ما عنوناه أعلاه ب»إسكات البنادق «في أرجائها بحلول سنة 2030، وهو ما سنتطرق له في الجزء الأول من هذا المقال. أما الثاني، فيخص موضوعا على صلة بالأول، ويتعلق بإمكانية أو قدرة القارة السمراء على تصفية أو «محو كوابيس» أطفالها بخصوص بشاعة الحرب التي تسببت فيها موجة الأسلحة التي تغزو أرجاء إفريقيا منذ سنوات أدخلتها في دوامة من الصراعات تكاد لا تنطفئ إحداها حتى نرى الأخرى اشتعلت كالنار في الهشيم الإفريقي.

تحليل ل «مبادرة إسكات البنادق» للاتحاد الإفريقي.. منذ سنة 2017 وإلى الآن وصولا لأفق 2030،
هل من قابلية للنجاح؟!

دأب «الاتحاد الإفريقي» بجميع مكوناته منذ سنة 2017 وإلى الآن، وصولا إلى ما يخطط له بخصوص سنة 2030، على تتبع التقدم المحرز على الطريق الطويل نحو تحقيق قارة خالية من الصراعات الداخلية وصولا إلى الحروب الدامية فيها، مستعينا بمبادرة «إسكات البنادق 2030» كحل نهائي لهذه المعضلة.
ويبدو أن الاتحاد الإفريقي، قد اعتاد على تحديد مواعيد نهائية للأهداف الطموحة، بشكل قد لا يكون قادرا على الإيفاء به ولا سيما في مسائل السلاح والحرب، غير أنه لا يستسلم ويكافح من أجل تحقيق وعوده مهما كانت كبيرة، وهذا ما يميز رجالات القارة السمراء.. وقد كان الحال هكذا مع مبادرات عدة، مثل اعتماد «جواز سفر إفريقي» موحد في عام 2018، أو «التمويل الذاتي للاتحاد الإفريقي» من خلال فرض ضريبة على الواردات الإفريقية في عام 2017، وغيرها من المبادرات…
وعلى غرار المشاريع المستقبلية التي برمجها الاتحاد الإفريقي، وطمح بكل شكل ممكن لإحقاقها على أرض الواقع، نرى أيضا السعي وراء مبادرة «إسكات البنادق بحلول عام 2020» (قبل تمديدها لسنة 2030)، وهو مشروع رائد في جدول أعمال الاتحاد الإفريقي لأفق سنة 2063.. وقد بات جليا أن سنة 2020 لم تحرك شيئا بخصوص هذه المبادرة، وكانت قد حلت ورحلت دون أن تصل إفريقيا إلى هدفها المنشود منذ زمن، ما أجبر الاتحاد الإفريقي على تمديد الموعد النهائي لتنفيذ المشروع حتى عام 2030.
من جهتهم، يتوقع المراقبون الإفريقيون (المتشائمون كما ذكرهم المقال)، أن لا يتحقق من هذا المشروع شيء بحلول الأفق الجديد المحدد له، نظرا لاتجاه انعدام «الأمن المحلي» الذي تعرفه إفريقيا وتتواجه معه بشكل مباشر، في ما يشمل انتشار «الإرهاب الديني» خصوصا، و«التطرف الفكري العنيف»، وعودة «ظهور الانقلابات» بين الفينة والأخرى، وعدم «الاستقرار المرتبط بالموارد و الثروات الطبيعية» وما يلحقها من الصراعات المحتدمة بكثرة في مناطق من قبيل منطقة «البحيرات الكبرى»، إضافة إلى الصراعات داخل دول الاتحاد (سابقا والآن) مثل : جنوب السودان، ليبيا، إثيوبيا، الكاميرون… مضيفين أيضا، أن معالجة الأسباب الجذرية والمتعددة للصراعات العديدة في إفريقيا سيكون صعبا مع تبعات أو الآثار الجانبية ل»جائحة كوفيد-19» بحلول أفق 2030، وسط ما يترتب عليه من تباطؤ اقتصادي متأثر بالسياق العالمي للأحداث، هذا إن لم يكن مستحيلا تحقيقه و إن وصلنا للأفق المعلن عنه، كما لا يزال الاتحاد الإفريقي مقيدا بسيادة دوله الأعضاء، العاجزة في معظم الأحيان عن تقديم الدفعة المرجوة لأعضائها في الاتجاه الصحيح، ولتبقى في نهاية المطاف مربوطة الأيدي حتى عام 2030.
ولتجنب خيبة الأمل، تعمل «مفوضية الاتحاد الأفريقي»، على تحديد مركز لما تعنيه مبادرة «إسكات البنادق» في سياق أهداف جدول أعمال عام 2063، والمعالم المحددة له والتي ينبغي تحقيقها من الآن وحتى عام 2030، بيد أن معالجة الأسباب الجذرية المتعددة للصراعات العديدة في إفريقيا بحلول عام 2030 وسط جائحة كوفيد-19 وما يترتب عليها من تباطؤ اقتصادي عالمي سيكون أمرا صعبا، إن لم يكن مستحيلا .. كما لا يزال الاتحاد الإفريقي مقيدا بسيادة دوله الأعضاء، دول لا يمكنها أن تفعل الكثير لدفع أعضائها في الاتجاه الصحيح بسبب أيديها المقيدة، في حال لا يتوقع الكثير تغيره بحلول عام 2030.
وتفتقر خارطة الطريق الرئيسية لإنجاح المشروع، التي اعتمدت في «لوساكا» في 2016، إلى الوضوح وإلى مصفوفة تنفيذ قابلة للتطبيق مع مؤشرات واضحة لما يعنيه النجاح في تطبيق القرار. وكجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز الإنجازات، إعتمدت «جمعية الاتحاد الإفريقي» في فبراير على آلية عمل «إطار الرصد والتقييم»، ويجري حاليا وضع خطة تنفيذ لتوجيه مساهمة الجهات الفاعلة الرئيسية، بما يتماشى مع الآفاق المنشودة. وكما هو متوقع، فإن العملية الحالية لضبط إطار الرصد والتقييم تشكل تحديا في تنفيذها، حيث مر عامان منذ أن تم نقل الأهداف إلى عام 2030.
إن أهداف هذه المبادرة واسعة للغاية، وهي تشمل تقريبا كل ما يقوم به الاتحاد الإفريقي أو يفترض أن يفعله، حيث يقسم «إطار الرصد والتقييم» الجديد القضايا التي يتعين معالجتها من خلال خارطة طريق المبادرة وتحت إشراف أطر متمكنة من القضايا السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، كما يمكن بسهولة نسبية ربط أهداف معينة مثل : «تعزيز تمويل عمليات دعم السلام الإفريقية»، «إنشاء تدخلات عسكرية في إطار القوة الاحتياطية الإفريقية»، «منع تداول تدفقات الأسلحة غير المشروعة في إفريقيا».. ويمكن قياس نجاح المبادرة، على سبيل المثال، بالنظر إلى «الدعم المالي المتاح لصندوق السلام» و»عدد عمليات نشر قوات الأمن الخاصة» و»التعاون بين الوكالات الأمنية» و»التصديق على المعاهدات المكرسة للقضاء على الاتجار غير المشروع بالأسلحة وإنفاذها»…غير أن بعض هذه الأهداف، على غرار نجاح «استراتيجيات الوساطة الإفريقية» و «حفظ السلام» يصعب قياسها، لأن النجاح في صنع السلام دائما ما يكون قياسه أصعب من الفشل فيه…
وهناك قضايا أخرى تتطلب كذلك إرادة «سياسية» كبيرة، وترتبط ب»قضايا السيادة» التي لن يفعل إطار عمل من الاتحاد الإفريقي شيئا يذكر لتغييرها. على سبيل المثال، يخطط الاتحاد الإفريقي لإبقاء الدول الأعضاء على الوفاء بالتزاماتها بموجب الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحوكمة. ويهدف ذلك إلى ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومنع رؤساء الدول من إعادة كتابة دساتيرهم من جانب واحد للبقاء في السلطة، إلا أنه يصعب القيام بذلك بالنسبة لمنظمة حكومية دولية ليس لها سيطرة قانونية على الدول الأعضاء فيها.
ومع ذلك، ومن دون وضع حد أدنى من اللازم، فإن مجرد مصادقة الدول الأعضاء على قراراتها الخاصة على مر السنين سيكون خطوة أولى مهمة – ويمكن لإطار الرصد والتقييم قياس ذلك. وسيكون فرض العقوبات على أولئك الذين لا يمتثلون لصكوك الاتحاد الإفريقي خطوة ضرورية أخرى – ويشار إليها أيضا في إطار الرصد والتقييم، غير أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي يتعين إحرازه في القارة لإنجاح المبادرة بحلول عام 2030 أوسع نطاقا وأكثر صعوبة في قياسه. ومع ذلك، ينبغي أن يكون من الممكن «تتبع و استرداد التدفقات المالية غير المشروعة» من إفريقيا، و»مواءمة التشريعات» و»بناء قدرات أجهزة الاستخبارات المالية» في الدول، و»تعزيز الامتثال لقوانين العمل» و»إنفاذ الامتثال للوائح المتعلقة بالصناعة الاستخراجية».
وفي الوقت نفسه، فإن تعزيز «نهج التصنيع المحلي للأسلحة في القارة السمراء»، و»خلق فرص عمل لائقة» يصعب قياسه وتحقيقه، وكذلك ينطبق الشيء نفسه على الجوانب الاجتماعية لخارطة الطريق. غير أنه، ووسط ضخامة المهمة، بدلا من تمرير المساعدات المالية، تراها تحاول (مفوضية الاتحاد الإفريقي) المضي قدما في نهجها وينبغي تهنئتها على ذلك.
إن خطر الاعتماد المفرط على الأطر والوثائق واللجان، يكمن في أن المواطنين العاديين سوف يتوقعون رؤية نتائج ملموسة إيجابية، حيث يريد الأفارقة أن يروا «قارة أكثر سلاما وازدهارا بحلول نهاية العقد» دون أي مماطلة، وهذا يتجاوز نطاق ما يمكن للاتحاد الإفريقي وأجهزته ومؤسساته أن يقدمه إذا لم يتم اعتماد طريقة جديدة لإدارة السلام والأمن. وبفضل خارطة الطريق وإطار الرصد والتقييم، يمكن للمنظمة أن تستخلص بعض الأهداف الأكثر قابلية للتطبيق التي حددتها لنفسها وأن تظهر تقدما.
ولكي يتجلى هذا الطموح على أرض الواقع، من الأهمية بمكان تعميم أجندة مبادرة «إسكات البنادق لسنة 2030» من جديد وضمان قبول الدول الأعضاء لها، إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال إشراك الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران التي لديها نقاط اتصال في معظم البلدان، ومع «المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي» التابع للاتحاد الإفريقي، و»القطاع الخاص»، و»منظمات المجتمع المدني» و «وسائل الإعلام.».. لكي تحقق على الأقل شيئا من الهدف العام لأجندة 2063 وهو «إفريقيا خالية من النزاعات، متكاملة ومزدهرة» تعتمد على اتفاقية «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية»، وقد استفادت من تبنيها السريع من قبل الدول ذات القيادة القوية والوزن الثقيل، وأيضا الدعم المالي من الشركاء الإفريقيين والفاعلين الاقتصاديين.

صراع ضد الزمن لمحو كوابيس الحرب من عقول أطفال إفريقيا خاصة والعالم

في موضوع متصل، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في جينيف أن أكثر من 266 ألف انتهاكا ارتكب ضد الأطفال في النزاعات المسلحة بين عامي 2005 و2020، حيث وجد تحليل لأكثر من 30 صراعا في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، أن الأطفال ما زالوا يتحملون وطأة الحرب ويضطرون إلى تحمل ما لا يسمى إلا ب»بشاعة» الحرب وأهوالها.
ويقول القائمون على التقرير، من بينهم «تاشا جيل» كبيرة مستشاري اليونيسيف لشؤون حماية الطفل في حالات الطوارئ، إن «الرقم الوارد في التقرير لا يمثل سوى جزء صغير من الانتهاكات التي يعتقد أنها وقعت، ولا يعكس بالمرة حجم الجرائم المرتكبة ضد الأطفال العالقين في النزاعات خاصة في إفريقيا». وتضيف «إن الأطفال يقعون ضحايا لمتوسط مخيف يبلغ 71 انتهاكا جسيما يتم التحقق منه كل يوم، كما أن التقارير توثق مقتل وتشويه أكثر من 104 آلاف طفل في النزاعات».
وتعقب: «بين عامي 2016 و 2020، وقعت 82 في المائة من جميع تلك الانتهاكات (التي تم التحقق منها) في 6 مناطق فقط حول العالم: أفغانستان، إسرائيل، دولة فلسطين، سوريا، اليمن والصومال، على أن معظم الأرقام تؤكد تعرض الأطفال لأكثر من اعتداء في اليوم الواحد»، على أن عمليات «الاختطاف» غالبا ما تؤدي إلى انتهاكات أخرى مثل «التجنيد القسري» و «العنف الجنسي»، كما تحقق التقرير مما لا يقل عن 25 ألفا و 700 عملية اختطاف للأطفال من قبل أطراف النزاع، وأكثر من 93 ألف طفل عاشوا تجربة التجنيد القسري. إضافة إلى ذلك، يقول التقرير إن الأطفال تعرضوا ل»لاغتصاب» و»الزواج القسري» و»الاستغلال الجنسي»، مع تعرض ما لا يقل عن 14 ألفا و 200 طفل أيضا لأشكال أخرى من «العنف الجنسي»، باعتباره أكثر أنواع العنف ضد الأطفال وأكثر الانتهاكات التي لا يبلغ عنها بشكل كاف.
تقول اليونيسيف: إن «العنف الجنسي الذي يحدث ضد الأطفال، يتم استخدامه ك»تكتيك حربي»، وهو واحد من وصمات العار والخوف المرتبطة بالإبلاغ عن النزاعات في جميع المجالات.. إذ، وغالبا ما يستخدم الأطفال للعديد من الأسباب المختلفة أساسها الاستهداف المتعمد لطفولتهم، ومنه، نطالب جميع أطراف النزاعات والحروب حول العالم، بالتوقف وفورا عن استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة، باستخدامات عدة ك : حمالين، عبيد جنسيين، رسل بين الأطراف المتحاربة.
تدعو اليونيسف أيضا، أطراف النزاع والدول إلى التقيد بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان وتنفيذ تدابير ملموسة لحماية الأطفال، تمشايا مع ما ذكره المسؤولون فيها من تحقيقهم لنجاحات متعددة في منع بعض الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال،ووضع حد زجري لكل المسؤولين عنها، ما أدى لإحقاق شيء من العدالة المطلوبة للأطفال. فعلى سبيل المثال، وعلى مدى العقدين الماضيين، يقول المسؤولون باليونسيف «إن ما لا يقل عن 170,000 طفل قد تم إطلاق سراحهم من القوات المسلحة والجماعات المسلحة»، وهذه خطوة إيجابية في خضم كم التحديات التي يواجهها أطفال العالم والقارة السمراء خصوصا…

 

 


الكاتب : ترجمة و إعداد : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 19/07/2022