مَوَاتٌ يُسَمُّونَهُ حَيَاة…

هُنا تَبدأُ رِحلتِي وهُنا سَأكونُ أَنا،
هنَا العَتمَة تُضاءُ والتَّاريخُ يُكتَب، ولاَ شَيءَ يُكَرر، تَرسُو الحيَاةُ فِيكم يَا مَوانئَ دَربِي…
كيفَ لِي أَن أضِيع مَرتَينِ، بل كَيفَ لِي أَن أَمُوتَ مَرَّتَين؟
أسيَاخٌ مِن حَدِيد تَنغَرِس ببَطنِي، تَشقُّ رُوحِي، تحدِثُ فجوَة كَبيرَة بالرُّوحِ؛ فقَط كالفَجوَةِ بيْنَ الحُزنِ والرُّعَاة…
أَحْيَا كُلَّ سَنةٍ جُزء ضَئيلاً من مَواتٍ يَدعُونَه حيَاة
أُؤمِن أَنَّ الزَّمانَ يُخبِئُ لِي عَطفا، حبًّا، أو فُتَات…
فُتاتُ أملٍ قد يُعِينُنِي عَلَى تَكَبدِ الحَربِ الضَّاريَة، قَد يُحَفِّزُ النِّقَاطَ البَعِيدَة فِيَّ، تِلكَ القَابِعَة بالظُّلمَة دَاخِلي…
أو لَعلَّهُ يَجُودُ عَلَيَّ بجُزءٍ من مَواتٍ يَدعُونَه حيَاة.
مُندَثِر أَنَا، مُحطَّمُ الأَوصَال بَل وَسجِينُ اللاَّجَدوَى واللاَّمَجدِ
حَبيسُ أصْقَاعِي، عبدٌ بالمَمَالِك، ممَالكِي وأَنا المُشيِّد لهَا…
أَنَا المَالِك الفِعليُّ لَها، السَّاهِرُ عَلَى اِزدِهارِها والمُكَمِّل لكُلِّ مَا لَم يَكتمِل عَلى بِساطِ الحقِيقَة المُرِيب!
تَابِعٌ لأَهازِيجِي، إنْ هِي أخطَأت أُصيبُ، وإِن أصابَت أصِيبُ
لكِننِي لستُ سوى ذلِك المُخطِئُ المُرِيبُ، الكَئِيبُ، الغَريبُ…
ولَم أُصِب يومًا بَل هِي الحَياةُ تَفعَل مَا لَها يَطيبُ
ليسَ لِي سوَى خالِق أَحَدٌ أُحدٌ، يا الله! إِليكَ أُنِيبُ.
تَجرَّدتُ مِن كُلِّ الخِصالِ، تدَفَّقَت نِقاطٌ جمةٌ من كأسِ صبرِي
فأَبدَعتُ فِي تلفيقِ التُّهمةِ للحَياةِ والقدَر،
محتَالٌ مِن قومٍ سئيم، وشعْبٍ لئِيم، وبيتٍ ذمِيم
ذلِك هو القَدر! ولهُ عَشوائِيةٌ منقطِعة النظِير.
أَيُّها الرَّبُ إِلَيكَ أُنيبُ، اِحتضن مُقعَدَ الصَّدرِ دَاخِلِي
كَفكِف الدُّمُوعَ، تَغمَّدِ الرُّبُوعَ، رُبُوع ممْلَكتِي…
فِي سَجدَتِي التَّالِية لَملِمِ الضُّعفَ، تغَمدِ المَرَارَة، واِنسِف بَردِي بحَرارِة، شُدَّ أَزْرِي وأَمِّن وَكرِي، كُن مِحوَري ووَترِي.
مندَثِرٌ أَنا، عَدوُّ حَيَاتِي ومَعتُوهُ أَقْدَارِي، أَسِيرُ ثَقَافتِي ولاَ أملِك حُكمًا فِعلِيًّا للمَمَالِك خَاصتِي، لا أُحرِكُ الأحجَار كمَا أبغِي عَلى رُقعتِي…
أَعِيش سَفاسِف مِن فِلم المنِية التِي وافَت أَهازِيجِي منذُ عِشرينَ ربِيعا، حِينَما وُلِدتُ.
زَنازِينٌ لا تَنتَهِي بل وموبوءَةٌ أيضًا ككَرَاكيب مُبتذَلةٍ أو قذِرة!
أَقِف أَمَامَها كالمَارِد، أو لنَقل ككُومةٍ مُمَدَّدِةٍ علَى السَّرِير…
عشرُونَ ربِيعا وأَنا أتجَرَّع مَواتًا يُسمُّونَه حيَاةً، أيُّها الإِله كَفكِفِ الدمُوعَ، اِجعَل أرضًا موَاتا من أَرَاضِيك حيَّة، اِحتَضِن العَجزَ فقَد اِستوطَنَ السُّم الزُّعَاف بقلبٍ برِيء.
أَيُّهَا الرَّبُّ إِليَكَ أُنيبُ، كَفكِفِ الحُزْنَ، اِقضِ علَى العتَماتِ التِي طَالَت أيَّامِي، أَرسِل للكراكِيبِ تلكَ نسَمَات حتَّى تَهدَأَ أحْلامِي، وحتَّى أَستَعيدَ وأَنعمَ بنومِي…
فإِنِّي لا أَذوقُه إِلا غِرَارا مثلَ حَسوِ الطَّيرِ ماءَ الثَّماد!


بتاريخ : 03/09/2021